أخبار الرافدين
تقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

إعادة تدوير الفساد في مجالس المحافظات ينتج نفس الوجوه المدانة باللصوصية

مجالس المحافظات تتحول إلى وسيلة إضافية تتيح للأحزاب والميليشيات المزيد من السلطة ومنفذًا آخر للوصول إلى المال العام ونهبه بخلاف ما يصفه زعماء تلك الأحزاب والميليشيات بأنها نتاج آخر لـ"الديمقراطية" ومظهر للا مركزية القرار وإدارة الشأن العام.

بغداد – الرافدين

أجمعت أوساط سياسية وشعبية ناقمة على العملية السياسية ومخرجاتها على أن اختيار ذات الوجوه المتهمة بالفساد لشغل مناصب المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات ما هي إلا عملية إعادة تدوير للفساد دون اكتراث بالمزاج الشعبي الرافض للمحاصصة.
ووصفت الأوساط الشعبية والسياسية تصدر بعض الشخصيات المتهمة بالفساد بأنها إشارة سلبية على تكريس المحسوبية والمال السياسي كمنطلق للوصول إلى المناصب بعيدًا عن اختيار التكتنوقراط من أهل الاختصاص.
وخلال الأيام الماضية أكملت عدة محافظات انتخاب محافظيها ورؤساء مجالسها، بعد انتخابات شهدت عزوفًا ملحوظًا في كانون الأول الماضي.
وكانت أجنحة داخل الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية قد حاولت تعطيل حسم تسمية المناصب لحين الانتهاء من تسمية رئيس البرلمان بسبب وجود توافقات في عدد من المحافظات لاسيما ديالى وبغداد.
ويبدو أن “انهيارًا” قد حدث في تلك التوافقات، بحسب نواب في الإطار، ما أدى إلى أن تفلت زمام الأمور في بعض المحافظات، ويعاد انتخاب محافظين لولاية ثانية على رغم من وجود قرار سابق بـ”استبدال الجميع”.

إعادة انتخاب أسعد العيداني محافظًا للبصرة بعد تشظي الإطار التنسيقي وانشقاق عدد من أعضائه

وجُدد لـ4 محافظين سابقين، فيما بقيت 4 محافظات تواجه مشاكل سياسية وأمنية في وقت استطاع فيه الإطار التنسيقي الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني قبل عام ونصف العام من السيطرة بشكل مباشر على إدارة 5 مجالس محافظات، و6 رئاسات مجالس تزامنًا مع حصول حلفاء “الإطار” على رئاسة محافظتين، أبرزهما البصرة”.
ففي المحافظة الغنية بالنفط والموارد حدث الانهيار الأكبر على ما يبدو للاتفاقيات، إذ انشق 3 أعضاء في مجلس محافظة البصرة الجديد عن قرار الإطار التنسيقي في “مقاطعة الجلسة”، ليعاد انتخاب أسعد العيداني لولاية ثانية ولتفشل بذلك محاولات الإطار في دفع عدي عواد لتولي المنصب.
وحضر في بداية الجلسة تحالف المحافظ أسعد العيداني (تصميم) الذي يملك 12 مقعدًا، قبل ان يلتحق خلف البدران عن ميليشيا بدر، والذي انتخب فيما بعد رئيسًا للمجلس، وإيمان المالكي عن دولة القانون، وعلي شداد عن تيار الحكمة.
وقالت مصادر من داخل، “الإطار التنسيقي”، إن انهيار توافقات التحالف في إحدى المحافظات “دفع بالأطراف الأخرى إلى الانتقام في البصرة وواسط وكربلاء”.
والعيداني الملقب بين البصريين بـ “صندوق أكاذيب البصرة” يعد أحد كبار الفاسدين وتلميذ لأحمد الجلبي الذي كان أحد أكبر المروجين لاحتلال العراق. وأدين بملفات فساد كبرى جعلت من البصرة أغنى محافظات العراق تشهد أكبر نسبة فقر وبطالة بين أبناء المحافظة.
وفي محافظة واسط أعيد انتخاب محمد المياحي، القريب من الصدريين، لولاية ثانية لإدارة المحافظة، وعلي حسين عن كتلة سند التابعة لوزير العمل الحالي أحمد الأسدي على رئاسة المجلس.
وكذلك تكرر الأمر في كربلاء، حيث أعيد انتخاب المحافظ نصيف الخطابي، القريب من نوري المالكي، وذهبت رئاسة المجلس إلى قاسم اليساري عن كتلة “سند”.
وفي النجف تخلص “الإطار التنسيقي” من عقدة منصب الصدريين، حيث استطاع أن يستبدل ماجد الوائلي القريب من مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، بـ”يوسف كناوي” عن تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، فيما حصلت دولة القانون على رئاسة المجلس وذهبت لحسين العيساوي.
وفي ذي قار حصل تيار الحكيم على إدارة ثانية بواسطة مرتضى الإبراهيمي، وعبد الباقي العمري لرئاسة المجلس عن كتلة “سند”، بعد أن كان المحافظ السابق محمد الغزي من المقربين للتيار الصدري.
وفي بابل قاطع عدد من الأعضاء المنتمين لقوائم صغيرة الجلسة، لكن أحمد وتوت العضو الفائز عن تحالف الأساس التابع للنائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي خالف قرار المقاطعة وحقق النصاب، ليحصل النائب عدنان فيحان عن ميليشيا العصائب على منصب المحافظ، وأسعد المسلماوي عن تيار الحكمة على رئاسة المجلس.
وفي المثنى عاد حزب الفضيلة ليحصل على منصب المحافظ هناك وذهب لأحمد العتابي، فيما حصلت ميليشيا العصائب على رئاسة المجلس الذي اختار أحمد دريول.
وفي بغداد حصل اتفاق بين دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف العزم برئاسة النائب مثنى السامرائي، لتقاسم منصبي المحافظ ورئيس المجلس.
وذهب منصب المحافظ الى عبد المطلب العلوي عن ائتلاف المالكي الذي يمتلك 9 مقاعد بدلًا عن محمد جابر عن ذات الائتلاف، والذي خسر في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة.
وحصل عمار القيسي عن “عزم” التي تمتلك 4 مقاعد وهو شقيق النائب عن الكتلة نفسها محمود القيسي على رئاسة مجلس بغداد.
وبقي من المحافظات التي لم تحسم حتى الآن، محافظة ميسان، وهي معقل مهم للتيار الصدري، حيث تشهد توترًا أمنيًا عقب اغتيال أحد قيادات ميليشيا العصائب هناك إضافة إلى محافظة القادسية، التي رفعت جلسة مجلس المحافظة فيها إلى إشعار آخر، وديالى المحاذية لإيران التي تسعى الميلشيات جاهدة للسيطرة على مفاتيح حكمها سياسيًا بعد تغيير تركيبتها الديموغرافية.

حالة من الشد والجذب رافقت اختيار المحافظ في صلاح الدين بعد تدخل الميليشيات على الخط

أما المحافظات الشمالية والغربية فقد كان انتخاب أحمد الجبوري المكنى بـ (أبو مازن) محافظًا لصلاح الدين قد سبقه أحداث فوضى على إثر دخول عناصر من ميليشيا الحشد إلى قاعة اجتماع المجلس ما دفع قائد العمليات في المحافظة للتدخل.
وحصل عادل عبد السلام من تحالف “حسم”، بزعامة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي، بعد السيطرة على الأوضاع في المجلس، على منصب رئاسة مجلس صلاح الدين.
وعقب انتهاء التصويت على المناصب المهمة في المحافظة، أصدرت ميليشيا العصائب بياننًا شكت ما وصفته بـ”الطائفية وغدر الحلفاء”.
وأشارت الميليشيا المتهمة بسرقة مصفى بيجي في المحافظة إلى أنها تحتفظ بالحق في اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه “المخالفات القانونية التي ارتكبت في إدارة الجلسة واختيار شخصيات غير مؤهلة قانونًا لاستلام المناصب”.
وعلى خلاف صلاح الدين، فقد سارت جلسة اختيار المحافظ ورئاسة مجلس محافظة الأنبار بهدوء حيث سيطرت قائمة رئيس البرلمان المقصي محمد الحلبوسي (تقدم) على منصبي المحافظ الذي أسند لمحمد الكربولي مدير مكتب الأول، ورئيس المجلس لعمر الدليمي.
وكذلك في نينوى حيث أعيد انتخاب عبد القادر الدخيل عن قائمة (نينوى لأهلها) التابعة للمحافظ السابق نجم الجبوري لولاية ثانية والذي كان قد تسلم منصبه قبل وقت قصير عقب استقالة سلفه الجبوري.
بالمقابل حصل أحمد الحاصود عن تحالف العقد بزعامة رئيس هيئة ميليشيا الحشد فالح الفياض، على منصب رئيس المجلس.
إلى ذلك لاتزال الأمور معلقة حتى اللحظة في مجلس محافظة التأميم، حيث تقاطع القوائم العربية والتركمانية الجلسات هناك، فيما تنتظر الأحزاب الكردية مع صاحب كوتا المسيحيين لوحدهم بالمجلس.

عزوف العراقيين عن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات يمثل حالة وعي استشرفت نتائجها مسبقًا

ويرى باحثون معنيون بالشأن العراقي وصحفيون أن مجالس المحافظات التي ولدت من رحم الأحزاب وميليشياتها لم تتمكن من تجاوز نهج المحاصصة القائم منذ 2003 في توزيع المناصب في مسرحية سمجة لاتنطلي فصولها على المواطن البسيط.
وقال الباحث والكاتب السياسي العراقي حسين السبعاوي، “مثلما لم تكن الانتخابات المحلية تعبر عن رأي العراقيين بطريقة شفافة، وقد شاهدنا نسبة المشاركة المتدنية، ودور الأذرع المسلحة للأحزاب إضافة للمال السياسي الفاسد كيف لعب في التأثير على الناخب ومن ثم على النتائج، كذلك كان اختيار المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات لم تكن تمثل رأي الفائزين في الانتخابات”.
وأضاف “لقد شاهدنا دخول القوات الأمنية والحشد إلى قاعات المجالس للضغط على المصوتين وهذا الذي جرى في صلاح الدين وفي العاصمة بغداد وفي نينوى وفي بقية المحافظات كلها كان هناك ضغط على المصوتين سواء من قبل رؤساء الكتل أو ألاذرع المسلحة لتلك الأحزاب”.
وتابع “ما قيمة الانتخابات إذا كان اختيار المحافظ ليس من ضمن قوائم المرشحين وليس عضوًا في المجلس، وما قيمة الانتخابات إذا لم يكن هناك استحقاق انتخابي للفائز وهذا الذي شاهدناه في اختيار المحافظين ورؤساء المجالس المحلية”.
وأكد الباحث السياسي، “أن رؤساء الكتل هم أنفسهم من يقود العملية الانتخابية المحلية ولا يعلو صوتًا على صوتهم، فتجد الأعضاء مجرد أدوات تستخدمهم الكتل السياسية، لهذا لم تختلف آلية اختيار للمحافظين عن آلية اختيار الحكومة”.
وأشار السبعاوي، “إلى أن المحاصصة الحزبية والطائفية هي الأصل في العملية السياسية، حتى لو خالفت نص الدستور والقانون، لأن الجهات النافذة بيدها السلطة والقوة وأصبح هذا العرف الفاسد فوق القوانين”.
ويتفق الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي مع ما ذهب إليه السبعاوي بالقول إنّ آلية اختيار المناصب في مجالس المحافظات لم تختلف عن طريقة اختيار الحكومة في بغداد وتشكيلها، وفقًا للمحاصصة الطائفية والحزبية.
وأضاف “هذا طبعًا أحد أسباب المقاطعة الكبيرة للانتخابات الأخيرة والتي قبلها، كون الناخبين لا يرون أي تغيير مرجو من الوجوه المجربة نفسها وآلية اختيار الحكومات نفسها”.
وتابع ” يُفترض أن تكون مجالس المحافظات خدمية، لكنها باتت ساحة تنافس سياسي واسع في مختلف مدن العراق، وهذا يؤكد أنّ الأحزاب تريد أن تعتاش على ما تحصل عليه من مناصب في تلك المحافظات”.
وبينما يفاخر القائمون على قيادة العملية السياسية في العراق بانتخابات مجالس المحافظات باعتبارها رافدًا لإثراء “التجربة الديمقراطية” بالبلاد، عادين وجودها مظهرًا على تخفيف حدّة المركزية وتوسيع دائرة اتّخاذ القرار والسماح لسكان المحافظات بإدارة شأنهم العام بما يتلاءم مع حاجاتهم ومطالبهم.
يقول عراقيون إن مجالس المحافظات تحوّلت إلى بؤر إضافية للفساد ونهب المال العام، خصوصا وأنّ ميزانيات هامة ترصد لتنمية المناطق دون أن يلمس لها أثر في تحسين البنى التحتية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة للسكان والتي تتراوح بين التردّي في بعض المناطق والانعدام التام في مناطق أخرى.
وتفسّر المآرب المتعلّقة بالمال والسلطة صعوبة التوافق بين القوى السياسية الفائزة في انتخابات مجالس المحافظات على اختيار المناصب، على الرغم من انتماء بعض القوى المتنافسة لنفس المعسكر السياسي، كما هو الحال بالنسبة للأحزاب والميليشيات المنتمية للإطار التنسيقي بعد أن دب الخلاف فيما بينها في أكثر من محافظة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى