حكومة السوداني متورطة في مسار قمعي غير معلن وحملات إعدام جماعية
قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق: التعذيب الوحشي مستمر بأساليب سادية في جميع السجون وأماكن الاحتجاز الحكومية في العراق، الذي لا يمكن أن يكون الغرض منه الوقوف على الحقيقة وإنما مجرد أداة للانتقام من المعتقلين والتنكيل بهم.
عمان- الرافدين
قال قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، إن الحكومة الحالية في العراق متورطة بشكل كبير في مسار قمعي غير معلن، يتمثل في حملات إعدام جماعية واسعة النطاق وغير معلنة تستهدف 250 معتقلا، بما في ذلك معتقلون كانوا أطفالا وقاصرين عندما تم القبض عليهم في ظروف مشكوك فيها.
وعبّر قسم حقوق الإنسان في الهيئة عن قلقه البالغ من حملات الإعدام الجماعية التي ترتكبها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، مطالبًا جميع المؤسسات الحقوقية الدولية المهتمة بالشأن العراقي القيام بدورها. وأضاف في تقرير أصدره يوم الإثنين الثاني عشر من شباط، أن هؤلاء المعتقلين يعانون من ظروف احتجاز مزرية، حيث انتُزعت الاعترافات منهم تحت التعذيب الجسدي الشديد والمتكرر، مما أدى إلى الاعتراف القسري بجرائم لم يرتكبوها، بحسب ما تمكن قسم حقوق الإنسان من الحصول عليه من شهادات معتقلين أو شهادات ذويهم وأقربائهم.
علاوة على ذلك، فقد حُكم على هؤلاء المعتقلين بالإعدام بإجراءات موجزة خلال محاكمات سريعة خلت من المعايير الأساسية للعدالة وحرمت المتهمين من حق الدفاع عن أنفسهم وتميزت بالاستناد الواضح على أدلة غير كافية أو الاعتماد على شاهد واحد. ومما يزيد من تعقيد هذه القضايا ادعاء معظم المعتقلين، بأنهم لم يكونوا على علم بأسباب اعتقالهم، وبالتالي حرمانهم من فرصة تقديم دفاع مناسب عن أنفسهم. وسط إجراءات غير قانونية محيطة بهذه الحالات، بقصد لا يتوافق بالتأكيد مع السعي الحكومي المزعوم لتحقيق العدالة بأي طريقة مجدية.
ومنذ 2003، والعراق في المراتب الأولى عالميًا في تنفيذ أحكام الإعدام؛ حيث ما زالت الحكومات المتعاقبة في العراق تطلق موجات متتابعة من الإعدامات الجماعية الانتقامية بحق مواطنين حُكِم عليهم بالإعدام خلال محاكمات سريعة تفتقر لأدنى مقومات العدالة، وتصل أعدادهم إلى (8) آلاف محكوم بالإعدام من مجموع (20) ألفًا من المتهمين بقضايا ما يسمى (الإرهاب) داخل السجون المعلنة التابعة لوزارة العدل وحدها.
وما يزال العراق في مقدمة الدول من حيث عدد المعتقلين خلف جدران السجون بلا محاكمة، وتشرف على تلك السجون وزارات العدل والداخلية والمخابرات والدفاع والأمن الوطني، فيما تتولى ثلاث ميليشيات متنفذة الإشراف المستقل على سبعة سجون كبرى من أصل خمسين سجناً بالعراق، وكشفت مصادر حكومية بأن 78 بالمائة من السجناء لم يعرضوا على القضاء ولم تُحل أوراقهم للمحاكم حتى الآن على الرغم من مرور أشهر طويلة، وبعضهم سنوات، على وجودهم في تلك السجون. ووفق بيانات رسمية فإنه تم إعدام وتسجيل حالة وفاة ما لا يقل عن 3345 معتقلا خلال السنوات العشرين الماضية؛ بمعدل شخص واحد يُتوفى أثناء الاحتجاز أو يُعدم كل يومين على يد الحكومة.
ويستمر التعذيب الوحشي بأساليب سادية في جميع السجون وأماكن الاحتجاز الحكومية في العراق، الذي لا يمكن أن يكون الغرض منه الوقوف على الحقيقة وإنما مجرد أداة للانتقام من المعتقلين والتنكيل بهم. ومن خلال التوثيق يظهر أن معظم المعتقلين الذين فارقوا الحياة شبان قضوا تحت التعذيب أو من جرائه، في حين تكتفي إدارات السجون بالقول إنهم فارقوا الحياة في “ظروف غامضة” للتهرب من المسؤولية. ويُزاد على الاكتظاظ في السجون والتعذيب المستمر للمعتقلين داخلها، التدخلات الحزبية والسياسية في ملف الإطعام وتشغيل الحوانيت وغير ذلك، والفساد الكبير والمتفاقم في هذا الملف، علمًا أن الشركات العاملة على ملف الإطعام لا يمكن السيطرة عليها بسبب النفوذ السياسي، وأن كل محاولات التدخل في هذا الأمر باءت بالفشل بسبب نفوذ جهات سياسية معروفة لكل مراقب للشأن العراقي.
ويمتلك قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق كمًا هائلا من الأدلة الدامغة والشهادات ذات المصداقية العالية على استمرار التعذيب الوحشي على نطاق واسع وجميع ضروب سوء المعاملة الأخرى في ظروف احتجاز سيئة للغاية وابتزاز ممنهج داخل سحون العراق، وسط إفلات مطلق للمسؤولين من العقاب، مع غياب واضح لأي رادع قانوني، بالتزامن مع محاولات إنكارها من قبل الجهات الحكومية، في غياب واضح لحسن النية بتطبيق الاتفاقية التي الزمت حكومات الاحتلال المتعاقبة نفسها بها؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الخروقات الصارخة للمواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها تلك الحكومات وعدم احترامها لحقوق الإنسان العراقي، ومحاولاتها المتواصلة في التستر على حقيقة ما يجري خلف أسوار تلك السجون، وتجاهلها الكامل لجميع المطالبات والمناشدات الأممية والدولية الداعية إلى تفعيل مواد اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الأمر الذي يستدعي تحركًا دوليًا حاسمًا لإيقاف الانتهاكات والفظائع الجارية بحق عشرات الآلاف من المعتقلين الأبرياء داخل السجون الحكومية المعلنة في العراق، وضمان محاسبة المتورطين والمسؤولين عنها ومحاكمتهم، وإنصاف الضحايا والمتضررين وتقديم الجبر المناسب لهم.
إن خضوع منظومة القضاء في العراق لسلطة الأحزاب المتنفذة؛ جعلها تستند في إصدار أحكامها الجائرة إلى اعترافات بجرائم لم يرتكبها المتهمون؛ لكنهم أُجبروا تحت وطأة التعذيب على الإدلاء بها، مع علم القضاة بهذه الحقيقة ورؤيتهم لما يثبت ذلك بعين اليقين، الأمر الذي ينعكس تمييزًا للأفراد أمام القضاء، ونسفًا لمقتضيات السلم المجتمعي في البلاد.
ومن مؤشرات ذلك الخطيرة ارتفاع نسبة عمليات الإعدام المسجلة والوفيات في سجون العراق، وارتباط ذلك بتسارع الموافقات التنفيذية على أحكام الإعدام؛ حيث نفذت السلطات الحكومية في العراق خلال الشهر الماضي وفي يوم واحد حكم الإعدام بـ (13) معتقلًا في سجن الناصرية جنوبي البلاد، في سياق الانتهاكات المزمنة التي دأبت عليها، وما تخلل ذلك من تنفيذ لأحكام إعدام أخرى لم يتم الإعلان عنها طوال الأشهر الماضية، مما يظهر استخفافًا حكوميًا سافرًا بحياة الإنسان في إجراءات غير قانونية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الغرض منها تحقيق العدالة.
ولم تفِ حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق بوعودها بوقف التعذيب القائم في نظام العدالة الجنائية، بما في ذلك صعق المحتجزين بالكهرباء وخنقهم وتعليقهم بالسقف وإيهامهم بالموت وغيرها من الأساليب الوحشية الأخرى. ولا توجد ضمانات لوقف ممارسات التعذيب التي تم الإعلان عنها مصحوبة بدعاية موسعة لم يتم تنفيذها. كما أن الحكومات الغربية الساعية لتوثيق العلاقات بحكومة بغداد القمعية تواصل تجاهل الانتهاكات والفظائع المستمرة في العراق على الرغم من الكم الهائل من الأدلة الدامغة على حدوثها.
وأكدت تقارير أصدرها مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عدة مناسبات، على ضرورة منع التعذيب في أماكن التوقيف ومرافق الاحتجاز في العراق، وسلطت تلك التقارير الضوء على تجاهل السلطات القضائية لعلامات التعذيب، مبينة أن إجراءات الشكاوى غير عادلة أو فعالة، وهناك نقص واضح في المساءلة عن الإخفاقات المتواصلة، ومؤكدة على أن هذه الممارسة مستمرة في السجون في جميع أنحاء البلاد. وفي أحدث تقاريره الذي صدر في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، والذي جاء بعنوان (يجب على العراق أن يوقف فوراً عمليات الإعدام الجماعية غير المعلنة)، أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم العميق إزاء التقارير التي تفيد بأن العراق قد بدأ تنفيذ عمليات إعدام جماعية جديدة في نظام السجون. وأشاروا بفزع إلى أن 250 شخصًا قد يكونون معرضين لخطر الإعدام الوشيك، وسط تقارير تفيد بأن الحكومة قامت بتسريع تنفيذ الأحكام الصادرة بحق المعتقلين.
وقال الخبراء (لقد صدمنا عندما سمعنا أن عمليات إعدام جماعية غير معلنة جديدة تحدث في سجون العراق، لا سيما في سجن الناصرية المركزي، حيث تم إعدام ما لا يقل عن 13 شخصًا في نفس اليوم، ويواجه مئات آخرون خطر الإعدام الوشيك. وسط تقارير موثوقة عن الموافقة على “قائمة الإعدامات”).
وقالت اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان: (نشعر بقلق بالغ إزاء الطبيعة السرية لتنفيذ عقوبة الإعدام في العراق والتقارير عن عمليات إعدام دون إخطار مسبق للعائلات أو المحامين. ووفقاً لضمانات الأمم المتحدة التي تحمي حقوق من يواجهون عقوبة الإعدام، فإن الشفافية هي الحد الأدنى من متطلبات تطبيق عقوبة الإعدام).
وذكرت اللجنة أيضاً أن (عدم إخطار الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في الوقت المناسب بتاريخ إعدامهم يشكل، كقاعدة عامة، شكلاً من أشكال سوء المعاملة، مما يجعل الإعدام اللاحق مخالفاً للمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
وأكدت لجنة مناهضة التعذيب الأممية في التقرير الدوري الثاني للعراق، استمرار اكتظاظ السجون العراقية وعمليات تعذيب المعتقلين واستخدام عقوبة الإعدام بحقهم، مشيرة إلى أنها ستواصل حوارها مع حكومة العراق وتوجيهها في سبيل تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ومن الجدير بالذكر أن اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب ومنذ العام 2003، قد وجهت أكثر من 300 مناشدة ومطالبة وتحذير إلى السلطات الحكومية في العراق، إلى جانب العشرات من الإحاطات الدورية، بشأن استمرار التعذيب في أماكن التوقيف ومرافق الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد، وعدم اتخاذ السلطات الإجراءات اللازمة لوقف هذه الجرائم بحق المعتقلين ومحاسبة المتورطين فيها والمرتكبين لها، ولكن الحكومات المتعاقبة في العراق ماضية في تجاهل كل تلك المناشدات والمطالبات والتحذيرات.
وإننا في قسم حقوق الإنسان ندعو جميع المؤسسات الحقوقية الدولية المهتمة بالشأن العراقي إلى تكثيف الجهود والاتصالات في سبيل ممارسة المزيد من الضغوط على السلطات الحكومية لتحقيق وقف فوري لجميع أحكام الإعدام في العراق، ونناشد جميع المؤسسات الحقوقية أن تبدأ تحقيقًا شاملاً ونزيهًا في الادعاءات المثيرة للقلق الشديد الواردة في التقرير، وفي حالة إثبات هذه الادعاءات، فمن الضروري اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها والسعي إلى تعويض الضحايا. وإننا نقدر بصدق الوقت والجهد الكبيرين المقدمين للنظر في هذه المسألة، ونؤكد أن الالتزام الثابت بدعم حقوق الإنسان وتوفير العدالة رصيد لا يقدر بثمن، وأننا على ثقة من أن جميع المؤسسات الحقوقية المعنية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في معالجة هذه الانتهاكات المبلغ عنها.