أخبار الرافدين
تقارير الرافدينطوفان الأقصى: القضية الفلسطينية في الواجهة الدوليةعربية

نازحون في رفح يتساءلون: أين الضمير الدولي من معاناتنا؟

يعيش النازحون في رفح ظروفا اقتصادية وإنسانية متردية للغاية خاصة وأنهم وصلوا المدينة دون أن يصطحبوا معهم مستلزماتهم الأساسية سواء من الأغذية أو الملابس.

غزة – يقف الشاب الفلسطيني مهدي حنون (30 عامًا)، بين أقفاص حديدية كانت معدة للبطاريات داخل مزرعة للدواجن شرق مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، يتفقد الأطفال النائمين فيها.
ولم تجد عائلة “الأدهم” الفلسطينية غير شاحنة بمدينة رفح لتلجأ إليها، بعد أن اضطرت للنزوح القسري من منزلها في بلدة جباليا شمال قطاع غزة إلى عدة مناطق، وبعد أن ضاقت بها سبل العيش جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
ولجأت ست عائلات فلسطينية إلى مزرعة للدواجن شرق رفح بحثًا عن ملاذ آمن، بعدما نزحوا من حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، بفعل النيران وقذائف قوات الاحتلال “الإسرائيلية” المدمرة.
وترى عائلة الشاب حنون، إحدى العائلات الستة التي لجأت للاحتماء داخل المزرعة، أن العيش داخل هذا المكان المخصص للطيور والدواجن يمثل أدنى مستوى من الحياة ولا يلبي متطلبات الحياة الآدمية.
ونزح نحو 1.7 مليون فلسطيني في مختلف أنحاء قطاع غزة، بعضهم عدة مرات، بفعل الحرب “الإسرائيلية” المدمرة والمتواصلة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
ويشن جيش الاحتلال “الإسرائيلي” حربًا مدمرة على قطاع غزة، خلفت حتى الثلاثاء “28 ألفا و473 شهيدًا و68 ألفا و146 مصابًا، معظمهم أطفال ونساء”، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في “دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب الأمم المتحدة، الأمر الذي أدى إلى مثول “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية بتهمة “الإبادة الجماعية”.
ويقول حنون “شعور صعب أن يعيش إنسان في مكان أو قفص مخصص للدواجن والطيور، وهذا هو حالنا اليوم في رفح”.
ويضيف وهو ينظر إلى المكان “الأوضاع صعبة جدا هنا، ولم نقدر على التأقلم مع هذه الحياة، فالمكان مؤهل للحيوانات وليس للبشر”.
ويشير إلى أنهم كانوا يعيشون في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، لكن القصف “الإسرائيلي” العنيف والمتزايد دفعهم إلى النزوح لبلدة الزوايدة وسط قطاع غزة.
ويتابع “خرجنا من دارنا رابع يوم الهدنة (استمرت سبعة أيام وانتهت مطلع كانون الأول الماضي) بسبب القصف المتزايد، واضطر أخي إلى البقاء في غزة مع عدد كبير من أفراد العائلة، ما أدى إلى استشهاده برفقة ابن عمي وإصابة آخر”.
وأوضح “عندما انتقلنا إلى الزوايدة، ازداد القصف، بدئنا البحث عن مكان آخر بديل، لكن للأسف لم نجد، فعددنا كبير 27 شخصا”.
ومع اشتداد القصف “الإسرائيلي”، اقترح أحد الأصدقاء على عائلة حنون، النزوح إلى مزرعة للدواجن والطيور في مدينة رفح، وقبلت العائلة مجبرة.
ويتساءل حنون باستغراب “هل تتخيل أن طفلاً ينام في قفص للدجاج في هذا البرد القارس؟!”.


يعيشون في أقفاص دجاج هربًا من وحشية الاحتلال
ويوضح أن المكان سيئ للغاية، فالأمطار تجتاحه وتتساقط على رؤوس الجميع، والأجواء شديدة البرودة على المرضى والأطفال والكبار.
وتغزو الحشرات والبعوض المكان بشكل كبير جدا، بحسب الشاب حنون، الذي أكد أن أقفاص الدواجن تسبب الأذى للأطفال في المكان.
ويضيف “أنا وأخي نعاني الربو وأمي تعاني الصداع النصفي ورائحة المكان تزيد الأوضاع تعقيدًا وتهيج الأزمة لدينا بشكل غير مسبوق في ظل فقدان الدواء”.
ويستكمل “لا يتوفر طعام ولا مياه ولا مساعدات إغاثية أو غذائية في المكان، رغم أننا قريبون من الحدود لا نرى هذه المساعدات البتة”.
وتوقعت العائلة في البداية أن يكون بقاؤهم في المزرعة لأيام محدودة فقط، لكن مع مرور الوقت تعين عليهم أن يتقبلوا الأمر ويتعايشوا مع الظروف الصعبة.
ويبين حنون أنهم استخدموا الألواح المعدنية للأقفاص سريرا من طابقين واستخدموا أيضا موقدا معدنيًا على الأرض لصنع الخبز حين يتوفر الطحين.
ويأمل وقف العدوان والعودة إلى غزة ودفن شقيقه الشهيد وإيجاد مكان آخر مناسب غير هذا المكان لعائلته، وتوفير الدواء اللازم لشقيقه ووالدته وانتهاء المعاناة.
وعلى غرار مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى رفح جنوب القطاع، عجزت العائلة المكونة من 10 أفراد عن إيجاد خيمة تقيم فيها جراء ارتفاع أسعار الخيام وضيق أوضاع العائلة المادية.
الشاحنة ملك لأحد أصدقاء العائلة، قدمها لهم لتكون مسكنا بسيطًا في ظل نقص الأماكن بمراكز الإيواء داخل المدينة المكتظة بالنازحين.
وأغلقت العائلة سقف الشاحنة بقطع من النايلون والقماش، بتكلفة وصلت إلى ما يزيد عن 50 دولارا.
وتشكو العائلة من الظروف الصعبة داخل الشاحنة، التي تتحول في ساعات الليل إلى مكان شديد البرودة بسبب هيكلها الحديدي، فيما تحتفظ بحرارة الشمس في ساعات النهار فتصبح مكانًا من الصعب الجلوس داخله خاصة للأطفال.
ومع موجات النزوح ارتفع عدد سكان مدينة رفح من 300 ألف نسمة إلى مليون و300 ألف نسمة، بحسب تصريحات سابقة لرئيس بلدية المدينة أحمد الصوفي.
ويعيش النازحون في رفح ظروفًا اقتصادية وإنسانية متردية للغاية خاصة وأنهم وصلوا المدينة دون أن يصطحبوا معهم مستلزماتهم الأساسية سواء من الأغذية أو الملابس.
ويواجه الفلسطينيون برفح مخاطر الهجمات الجوية التي تصاعدت في الفترة الأخيرة رغم ادعاء جيش الاحتلال “الإسرائيلي” أنها “منطقة آمنة”.
يأتي ذلك وسط تخوفاتهم من بدء عملية عسكرية برية في ظل تواتر التقارير والتصريحات الرسمية حول توجيه جيش الاحتلال للعمل العسكري فيها، الأمر الذي أعربت منظمات دولية عن قلقها وتحذيرها من ذلك.
تقول النازحة الثلاثينية مريم الأدهم، وهي أم لأطفال (لم تحدد عددهم)، إن عائلتها لجأت للعيش في الشاحنة بسبب انعدام المساكن في رفح التي نزحوا إليها قسريًا.
وأضافت “توجهنا بداية لمراكز الإيواء لكنها كانت مكتظة، وظروف الحياة فيها صعبة”.
ومراكز الإيواء تكون بالعادة مدارس ومؤسسات تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” أو حكومة غزة، وهي تعاني من اكتظاظ شديد يفوق طاقة استيعابها بسبب نزوح الفلسطينيين إليها من شمال القطاع ووسطه ومدينة خانيونس (جنوب).
وفي السياق، أوضحت الأدهم أن عائلتها لم تحظ بخيمة تنصبها في العراء وذلك بسبب ارتفاع أسعارها التي وصلت إلى 540 دولارا، فيما يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة بسبب انعدام مصدر الدخل.
وفي نهاية المطاف، عثرت العائلة على الشاحنة التي قاموا بافتراشها واتخاذها مسكنا مؤقتا يحميهم من النوم في العراء.

متى ينظر العالم لحالنا؟
بعد أن أنهت أعمال تنظيف الشاحنة، قالت الأدهم وهي ترتب الأغطية الشتوية “نعيش هنا 10 أشخاص، بينهم أطفال”.
وأوضحت أنهم يواجهون صعوبات كبيرة خاصة في فترة النوم حيث بالكاد يتسع المكان الضيق للأشخاص العشرة.
وأوضحت أن الشاحنة تتخذها العائلة للنوم، والجلوس، وحفظ الأغطية والفرشات والأغذية، وأيضا لتنظيف الأواني ودورة للمياه.
وفي وعاء بلاستيكي كبير به كمية من المياه، وضعت الأدهم طفلتها وبدأت بغسل قدميها المغبرتين حيث نزحوا إلى رفح ولم يحملوا معهم إلا القليل من المستلزمات والملابس.
ورغم المسكن الذي وفرته الشاحنة للعائلة، إلا أن ظروف العيش داخلها صعبة للغاية، وفق وصف الأدهم.
تقول “عملية الصعود والنزول من الشاحنة المرتفعة عن الأرض صعبة للغاية، خاصة على الأطفال الذين لا يمكنهم الجلوس مطولا بداخلها”.
وأضافت “نبقى في حالة قلق عليهم من السقوط من الشاحنة خلال عملية الصعود أو النزول، وهذا الأمر أيضا ينطبق علينا خاصة خلال عملية تنقلنا لطهي الطعام”.
وأشارت إلى أنها تطهو الطعام بالقرب من الشاحنة من خلال إشعال النيران باستخدام الأخشاب أو الأوراق.
وفي السياق، تقول الأدهم إن الأطفال مع حلول ساعات المساء يتألمون من شدة البرد داخل الشاحنة.
واستكملت “أرضية الشاحنة من الحديد، نضع العديد من الأغطية على الأرض لمنع وصول البرودة الشديدة إلى الأطفال لكن دائما ما تبوء هذه المحاولات بالفشل، كما أنها تعمل على تجميع الندى على الفراش والأغطية ما يزيد من معاناة الأطفال”.
وفي ساعات النهار، تشير الأدهم إلى أن الشاحنة تمتص الحرارة العالية وتحول الشاحنة إلى صفيح ساخن، يصعب الجلوس داخلها خاصة للأطفال الذين لا يمتلكون أحذية أو ملابس مناسبة.
وفي الخامس من شباط الجاري، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان إن الفلسطينيين الذين يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والمسكن والدواء في غزة يواصلون التدفق إلى مدينة رفح.
وفرضت قوات الاحتلال إ على القطاع حظرًا خانقًا تضمّن منع إدخال الوقود والغذاء والدواء، ما فاقم الأوضاع الإنسانية في ظل الحرب “الإسرائيلية” المستمرة.
ووفق “الأونروا” فإن المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع عموما “لا تلبّي 7 بالمئة من احتياجات السكان من كافة المستلزمات الغذائية والإغاثية”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى