ضحايا المتفجرات في البصرة: لا أحد يطهر “قرية البتران” من الألغام
فقد أكثر من ألف شخص في قرية "جرف الملح" في محافظة البصرة أذرعهم أو أرجلهم بسبب الألغام المتفجرة.
البصرة- الرافدين
يطالب أهالي قرية “جرف الملح” في البصرة جنوبي العراق بتطهير أراضي قريتهم من الألغام العائدة لفترة الحرب مع إيران. بينما تعاني القرية من إهمال حكومي.
ولكثرة حالات فقدان أبنائها لأطرافهم بسبب الدوس على الألغام باتت “جرف الملح” تعرف باسم “قرية البتران”.
وأقرت دائرة شؤون الألغام في العراق بأن الكثير من مشاريع تطهير الأراضي العراقية من الألغام ما زالت تنتظر إطلاق التخصيصات المالية التي من المفترض أنه تم إقرارها ضمن الموازنة.
وأضافت أن المتبقي من المساحات الملوثة بالمخلفات الحربية في العراق هي أكثر من 2100 كيلومتر مربع في عموم البلاد وأن نصف هذه المساحة تقريبًا في البصرة، ثم في محافظات ميسان وذي قار والمثنى، كما يوجد نحو 200 كيلو متر مربع ملوثة بالألغام في محافظات كردستان العراق.
ولا يزال العديد من أهالي القرية يذهبون ضحايا للألغام المتبقية على أراضيها منذ حرب الخليج الأولى.
ووفقاً لمعطيات غير رسمية، فقد أكثر من ألف شخص في القرية أذرعهم أو أرجلهم بسبب الألغام في القرية التي يقدر سكانها وما حولها بستة آلاف شخص.
ورغم إجراء أعمال إزالة ألغام في القرية من وقت لآخر بعد عام 2003، إلا أن 45 شخصًا أصيبوا وفقدوا أطرافهم بسبب الدوس على الألغام منذ ذلك الوقت.
وقال أحمد جاسم، الذي فقد ساقه اليسرى جراء الدوس على لغم، لوكالة “الأناضول” إنه يواجه صعوبة في العمل بسبب الإعاقة.
وأوضح أنه يعمل راعيًا حاليًا، وأن فقدانه لساقه أبعده عن العديد من الأنشطة مثل لعب كرة القدم.
بدوره، قال جبار مهدي، إنه فقد ساقه اليسرى عندما داس على لغم في حزيران 2003.
وأوضح بسبب صعوبة ظروف المعيشة في تلك الفترة كان يعمل في جمع المخلفات المعدنية، عندما أصيب بانفجار لغم.
ولفت مهدي إلى أنه حتى الآن لم تتم أعمال إزالة الألغام كما ينبغي في القرية.
أحد ضحايا الألغام، مالك حميد، ذكر أنه فقد ساقه اليسرى بعد أن داس على لغم قبل أربع سنوات، عندما كان يقوم بجمع المخلفات المعدنية.
وذكر حميد، الذي تم تركيب طرف صناعي له، أنه لا يأخذ راتبًا من الدولة واضطر للعودة لممارسة هذه المهنة بعد الإصابة لأنه لا أحد يمنحهم فرصة عمل.
من جانبها، قالت الطفلة زينب جابر (14 عامًا) إنها أصيبت في عينيها في حادثة انفجار لغم، تسبب بمقتل أمها.
ولفتت الطفلة إلى أنها فقدت بصرها واضطرت لترك الدراسة بعد الحادثة.
ويتأثر العراق بشدة من الألغام والذخائر غير المنفجرة نتيجة لحرب الخليج عام 1991، والحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، وعقدين من الصراع بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد.
وعلى الرغم من مرور خمس سنوات على الموعد المحدد لحسم ملف الألغام المضادة في العراق، وفق اتفاقيات دولية، ما تزال مخلفات الحروب تحصد الضحايا في البلاد خاصة في محافظة البصرة والمناطق الحدودية.
ويصنف العراق حسب الإحصاءات والتقارير الدولية والمحلية المعنية، كأكثر دول العالم تلوثًا بالألغام ومخلفات الحروب غير المتفجرة، والتي هي بمثابة قنابل موقوتة تحصد أرواح عراقيين كثر أو تتسبب لهم بعاهات مستديمة.
وأكد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق على أن الألغام الأرضية والذخائر العنقودية خلفت أكثر من 34 ألف ضحية في العراق.
وأشار إلى أن العديد من الأطفال فقدوا أطرافهم من جراء انفجار الألغام الأرضية، وما زال الآلاف من العراقيين ضمن الخطر المحدق.
وطالب المركز حكومة الإطار التنسيقي باتخاذ إجراءات عاجلة لرفع كافة الألغام الأرضية وتعويض الضحايا، والإسراع بتشريع قانون حظر الألغام الأرضية والذخائر العنقودية.
وكشف تقرير سابق لمنظمة “ماغ” الإنسانية الدولية التي تساعد الدول على إزالة وتدمير الألغام الأرضية والقنابل غير المنفجرة، أن العراق هو البلد الأكثر تلوثًا بالألغام في العالم، وأن جهود إزالتها ما تزال متأخرة لعقود من السنين.
وصرحت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق هبة عدنان في وقت سابق أن “سنوات الحروب والنزاعات في العراق، جعلته واحدًا من البلدان شديدة التلوث بالأسلحة في العالم”.
وأشارت إلى أن المساحة الملوثة بالمخلفات الحربية قريبة من حجم 364 ألف ملعب كرة قدم.
وأضافت أن “معالجة مشكلة تلوث الأسلحة في العراق تتطلب موارد هائلة وجهودًا منسقة لجمع المعلومات عن التلوث وآثار الأسلحة المتفجرة وتعزيز إزالة الألغام وزيادة التوعية بالمخاطر، إضافة إلى تقديم المساعدة للضحايا”.
ووفق بيانات دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أن “عشرات العراقيين يفقدون حياتهم بسبب انفجار الألغام التي تهدد أيضًا حياة 8.5 مليون من إجمالي تعداد العراق البالغ عددهم قرابة 41 مليون نسمة”.
قالت مديرية بيئة واسط إن في المحافظة أكثر من 118 كيلومترًا مربعًا ملوثة بالألغام تنتشر حقول الألغام والمخلفات الحربية غير المنفلقة من الحرب العراقية – الإيرانية.
ومن جانبها قالت مديرية البيئة في ديالى، إن 10 بالمائة من الألغام في العراق موجودة في المحافظة على مساحة 127 كيلومتر مربع.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية في نيسان الماضي، أكثر من ربع التلوث بالذخائر المتفجرة في المناطق الزراعية يوجد في العراق.
وكانت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق هبة عدنان، قد أكدت في نيسان 2023 أن محافظة البصرة إحدى أكثر مدن العالم تلوثًا بالألغام.
ويرى الخبراء أن عملية تطهير حقل واحد من الألغام قد يستغرق شهورًا ما يعني أن العراق قد ينتظر سنوات حتى تتم إزالة العديد من حقول الألغام.
وقال الخبير العسكري علاء النشوع أن المناطق الملوثة بالألغام تمثل تهديد كبيرًا للأمن المجتمعي، فهذه الألغام تمثل قنابل غير منفلقة يمكن أن تنفلق في أي لحظة، وأضاف أن قضية البحث عن الألغام يمثل عقبة كبيرة للأجهزة المختصة فلا توجد في العراق تقنيات وأجهزة متطورة لدى سلاح الهندسة العسكرية للكشف عنها.