أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الحكومة تمارس دور “المتفرج” على تسرّب نفطي يلوّث مئات الهكتارات الزراعية في صلاح الدين

تتستر حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على إعلان الإحصاءات الرسمية لحجم التلوث البيئي، إلا أن تصريحات سابقة لوزارة البيئة تؤكد أن الملف البيئي يعد من الملفات الصعبة، وهناك ملوثات كثيرة داخل المدن وخارجها.

صلاح الدين –الرافدين
تتجمّع وسط البساتين والتلال في شمال العراق بقع سوداء راكدة هي بقايا تسرّب نفطي امتزج مع سيول مياه الأمطار الغزيرة، تلوّث يتكّرر منذ سنوات ويتلف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
وتعاني محافظة صلاح الدين منذ العام 2016 على الأقلّ من هذا التسرّب النفطي، في بلد غنيّ بالنفط لكن عقودًا من الحروب والنزاعات والإهمال والفساد الحكومي أنهكت بنيته التحتية، ويواجه كذلك أزمة مناخية خطرة آخذة بالاتساع.
وتتستر حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على إعلان الإحصاءات الرسمية لحجم التلوث البيئي، إلا أن تصريحات سابقة لوزارة البيئة تؤكد أن الملف البيئي يعد من الملفات الصعبة، وهناك ملوثات كثيرة داخل المدن وخارجها، ناتجة عن أسباب متعددة مبينة عجز الوزارة عن تحجيم التلوث بسبب قلة التخصيصات المالية.
ويرجع المختصون التلوث البيئي في العراق إلى عدد كبير من العوامل، أبرزها الغاز المنبعث من السيارات ومحطات تكرير النفط، فضلًا عن محطات إنتاج الطاقة الكهربائية والعواصف الترابية ومخلفات الحروب وتراكم مياه الصرف الصحي والنفايات الصحية والفضلات الصناعية.
ويعاني العراق منذ سنوات من ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وتعد العاصمة بغداد من أسوأ مدن العالم من حيث جودة الهواء والتلوث وفقًا لإحصائية صدرت في التاسع من تشرين الأول 2023 لمرصد “WORLD OF STATISTICS” الذي يصدر إحصائيات عالمية دورية بمختلف المجالات اعتمادًا على بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الفاو ومنظمة العمل الدولية.
ويعكس هذا التلوّث المتكرر الذي يطال تلال منطقة حمرين والأراضي الزراعية المجاورة لها في قرية المعيبدي، عجز السلطات المحلية عن إيجاد حلول دائمة لوضع حدّ لهذا التسرب النفطي.
وقال عبد المجيد سعيد وهو مزارع يملك ستة هكتارات من الأراضي الزراعية تلوّثت بالنفط إن “النفط سرق مونة الأرض كلها”.
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية “كل ما وضعنا بها البذور، تفسد… لم يعد هناك فائدة لهذه الأرض”.


الحكومة عاجزة عن إيجاد حلول لهذا التسرب النفطي
وسط التلال، تكدّست الوحول الممزوجة بالنفط وطفت برك مياه سوداء على التربة. وفي بعض البقع حيث جفّت الأرض، تكوّنت كتلٌ سوداء متجمّدة.
وعلى مقربة، تقوم جرافات ببناء سواتر ترابية، وهو الحلّ الذي أوجدته السلطات المحلية لمنع سيول المياه الملوثة بالنفط من التسرّب باتجاه الأراضي الزراعية، لكن ذلك لا يلغي واقع أن الضرر قد وقع بالفعل.
وتقدّر المساحة “التي تعرضت إلى تلوث بالنفط بنحو خمسة آلاف دونم (500 هكتار) كانت مزروعة بمحصولي الحنطة والشعير”، وفق محمد مجيد مدير دائرة البيئة في محافظة صلاح الدين.
ويشرح المسؤول في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أن السبب “هطول الأمطار بكميات كبيرة”، ما يسبب بطوفان “هذه المخلفات التي كانت متراكمة داخل كهوف طبيعية” في منطقة حمرين.
وبعد استعادة السيطرة على المنطقة من تنظيم داعش في العام 2017، قامت “القوات الأمنية… بطمر هذه الخزانات”، وفق عامر المهيري مدير هيئة الحقول النفطية في محافظة صلاح الدين، لكن عند هطول الأمطار، يطوف هذا النفط.
ويقول مدير دائرة الزراعة في محافظة صلاح الدين إن “ظاهرة السيول النفطية في منطقة حمرين والعلم تتكرر منذ العام 2016”.
ويوضح أن “الأرض تتأثر من خلال تخندق التربة وامتصاص المواد النفطية والزيوت في الأراضي”، مضيفا أن “هذا الموضوع يكلف ويكبد الفلاح خسارة كبيرة”.

الفلاح عبد المجيد سعيد: النفط سرق مونة الأرض كلها
ويشرح المسؤول أن “الفلاح سوف يخسر لعدم استغلال الموسم الشتوي في زراعة الحنطة”، مؤكداً في الوقت نفسه بأن المزارعين المتضررين سيتلقون تعويضات عن خسائرهم.
ويضيف هذا التلوث إلى معاناة أخرى يواجهها المزارعون في هذا البلد نتيجةً للتغير المناخي، وسط جفاف يرخي بظلاله على العراق للعام الخامس على التوالي. وبهدف توفير الموارد المائية، تعمد السلطات على تقليص المساحات المزروعة بشكل كبير.
وقال مدير دائرة البيئة في صلاح الدين إن وزارته “فاتحت وزارة النفط” من أجل العمل على “التخلص من هذه المخلفات”.
وأضاف أن “استصلاح هذه التربة” يتمّ “من خلال قشط التربة ورفعها واستبدالها بتربة أخرى”.
ويشرح مجيد أن هذه المخلفات النفطية يمكن أن تؤثر أيضاً على “منسوب المياه الجوفية والآبار” التي يستخدمها الفلاحون في المنطقة. كما أنّ هذا التلوث يؤدي إلى “انبعاث للغازات ولرائحة النفط الخام”.
ويعدّ العراق بلداً غنياً بالنفط الذي يمثّل نسبة 90 بالمائة من عائداته. كما أن العراق ثاني أكبر بلد منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويصدّر يومياً حوالي 4 ملايين برميل.
ويمكن للعراق أن يواصل استغلال النفط على مدى 96 عامًا مقبلة بفضل الاحتياطات الهائلة التي يملكها وفق البنك الدولي.
ويقول الفلاح أحمد شلاش الذي تضررت أرضه البالغة مساحتها خمسة هكتارات جراء تسرب النفط “ناشدنا رئاسة الوزراء ووزير الزراعة ووزير النفط لتعويض الفلاحين المتضررين من هذه الكارثة البيئية…إلا أننا لم نجد شيئاً”.
ويضيف هذا المزارع البالغ 53 عامًا أن بعض الفلاحين رفعوا دعاوى بهدف الحصول على تعويضات من الدولة. لكنهم وجدوا أنفسهم داخل نزاع قانوني يدفعهم من محكمة إلى أخرى دون نتيجة.
الفساد الأسود يدكر أرض العراق
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى