أخبار الرافدين
طلعت رميح

اعترافات خطيرة

ما قاله وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت في خطابه المتلفز منذ أيام، يمثل انقلابًا على ثوابت كانت استقرت في عقل الدولة والمجتمع الصهيوني بكافة أطيافه، عندما كشف عن خطورة ما عاناه ويعانيه الجيش على يد المقاومة الفلسطينية، والأهم والأبعد مدى، أنه كشف عما يفكر فيه المخطط الصهيوني للخروج من المأزق الذي وقع فيه خلال الحرب الحالية وعن التغييرات الضرورية المطلوبة في الجيش وعلاقة الجيش والمجتمع استعدادًا للحروب المقبلة.
الوزير اعترف بقوة بأس المقاومة على نحو أدهش المتابعين، إذ قال “لم نشهد مثل هذه الحرب منذ 75 عاما” -أي منذ حرب عام 48- وهو أقر بما حققته المقاومة على نحو فاق كل التقديرات حتى تلك التي تحدث بها من أراد أن يرفع ويعظم ما قدمته وأظهرته وأنجزته المقاومة في تلك الحرب.
والوزير اعترف بخطر الانقسامات والصراعات التي تعيشها النخب والمجتمع الصهيوني، على الجيش، إذ طالب علانية وبكلمات واضحة بـ “أن تدعم جميع القوى في إسرائيل عمليات الجيش في قطاع غزة”.
لكن الأخطر هو ما طالب به وزير الدفاع من تغييرات في قواعد التجنيد سواء ما تعلق منها بالمدد الزمنية للبقاء في الخدمة أو بعدم استثناء أي فئة مجتمعية من الخدمة وكلاهما يمثل تغييرا غير مسبوق في نظرة الدولة للمهددات التي تواجهها وفي نظرة وعلاقة المجتمع بالجيش.
فإذا كانت المقاومة لم تعد بحاجة لإقرار عدوها بما حققته، فأن طول زمن المعركة والوقائع الجارية في الميدان تظهر مدى ما أنجزت وكيف أصبح الجيش في ورطة كبيرة. وكيف صار الصراع بين مختلف مكونات المجموعات السياسية والدينية في أوجه، تحت ضغط المقاومة وبتأثير الفشل الذي ظهر عليه الجيش.
الأهم، بل الأخطر هو ما ذهب إليه وزير الدفاع من ضرورة إحداث تغييرات في الجيش الصهيوني سيكون لها تأثيرات كيفية على القواعد المستقرة في المجتمع من جهة، وستحدث تغييرات في تعامل الصهاينة مع الأفكار السابقة عن قوة الجيش وتمتعه بالعدد والكفاءة المناسبة لحماية أمن الكيان الصهيوني.
لقد طلب الوزير من الحكومة، وفي هذا التوقيت، ضرورة العمل على تمديد خدمة العسكريين وجنود الاحتياط، بما يشير إلى عدم كفاية عدد الجيش لمواجهة التحديات التي فرضتها المقاومة بقوتها وقدرتها. واللافت هنا أن نفس الوزير كان سبق وأن حذر من ظاهرة رفض الخدمة العسكرية وأكد أنها تهدد وحدة الصفوف وتمثل جائزة لأعداء إسرائيل، وهو ما يؤكد على حجم المعضلة التي يواجهها الجيش ومن انعكاس الخلافات داخل المجتمع على قدرته على المواجهة. وهذا أمر جديد ومختلف.
لقد أظهر الوزير كيف أن الجيش بحاجة إلى جنود وضباط أكثر في المرحلة المقبلة بناء على تجربة الحرب الحالية، وهو اعترف بتنامي تأثير دعوات رفض الخدمة العسكرية، بما يعني أنها لم تعد ظاهرة فردية لا تؤثر كما كان يقال. ويزيد من أهمية الأمر أن كلام الوزير جاء متزامنًا مع رفض أعداد ليست بالقليلة المشاركة في العدوان على غزه في الأيام الأخيرة.
وما كان خطيرًا بالفعل، هو ما ذهب إليه الوزير من اقتراحات وحلول لتلك المعضلات. عندما طالب بضرورة تجنيد الحريديم في الجيش. ولذلك قصة.
فالحريديم يرفضون الخدمة في الجيش لأسباب دينية ويرفضون الاختلاط بين الرجال والنساء في الجيش، وتجنيدهم كان معفيًا. وما قاله الوزير ليس جديدًا إذ كانت هناك مطالبات سابقه بإنهاء إعفائهم من الخدمة العسكرية وجرى اللجوء للمحكمة العليا في الكيان، وأصدرت حكمها في عام 2017 بإنهاء هذا الإعفاء، لكن أحدا لم يستطع تنفذ هذا الحكم.
والآن إذ ظهر ضعف عدد الجيش مقارنة بحجم التحديات التي يواجهها، فالوزير يعيد طرح القضية ويطالب بتنفيذ الحكم تحت ضغط الحرب.
والأمر ليس بسيطًا لا في تعقيداته ولا في المشكلات التي ستنجم عنه.
فالخلافة والصراعات السياسية داخل النخب هي ما منعت تطبيق الحكم من قبل. وهذه التعقيدات والخلافات ستتصاعد من الآن فصاعدًا وخلالها ستختلط المواقف السياسية والانتخابية والدينية بالصراعات داخل المجتمع بين العلمانيين والمتدينين، وستكون عناوين الصراع خطيرة في تأثيراتها على الجيش الصهيوني، إذ الجميع الآن أمام تغييرات في بنية الجيش، إضافة إلى انتهاء فكرة وحالة كانت استقرت في عقل الدولة والمجتمع، مفادها أن الجيش قادر؟ فلم ندخل الجيش في خلافات المجتمع؟
الآن يظهر عمق المأزق في الكيان الصهيوني. ويظهر أن الحلول المقترحة للخروج من هذا المأزق ستدخل الجيش والمجتمع في صراعات واختلافات تتعلق ببنية الجيش وبعلاقة المجتمع بالجيش.
وقريبا سيرى الجميع كيف أن الصراعات داخل الكيان الصهيوني بلغت مبلغًا كبيرًا.
وسيدرك الجميع مغزى التحذيرات التي كان أطلقها قادة كبار من احتمالات التفكك والزوال، إذ الخلافات والصراعات الجارية الآن في داخل الكيان تجري حول تغييرات في بنية وهيكلية الدولة -كما كان الحال في التغييرات التي سعى إليها نتنياهو في علاقة القضاء بقرارات الحكومة والكنيست- والآن يدخل عامل علاقة المجتمع بالجيش على خط الصراعات بين النخب…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى