دخان السجائر.. وسيلة أخرى لموت العراقيين وسلب أموالهم
انتقادات للسلطات الحكومية لعجزها عن تطبيق قوانين حظر التدخين والحد من استيراد منتجات التبغ بعد تقصيرها في تنفيذ برامج التوعية بمخاطر التدخين وعلاقته بارتفاع معدلات الأمراض ذات الصلة.
بغداد – الرافدين
دق مختصون صحيون واقتصاديون وخبراء اجتماعيون ناقوس الخطر في العراق جراء تفشي آفة التدخين في المجتمع، وذلك بعد معلومات تفيد بإنفاق العراقيين مبالغ ضخمة سنويًا على منتجات التبغ والسجائر لاسيما الإلكترونية منها.
وجاءت التحذيرات بعد معلومات تفيد بإنفاق العراقيين ثلاثة مليارات دينار لاستهلاك منتجات التبغ يوميًا، الأمر الذي يؤدّي إلى مشكلات صحية خطيرة، وسط دعوات لحملات تشريعية وأخرى إعلامية للحدّ من تأثيرات تفشي هذه الآفة.
وقال معاون مدير برنامج مكافحة التبغ في وزارة الصحة الدكتور وسيم كيلان إن “العراقيين ينفقون 3 مليارات دينار يوميًا على التبغ بمختلف أنواعه، لافتًا إلى أن أكثر من 70 بالمائة من السجائر في البلاد لا تخضع للفحص.
وأضاف كيلان أن “السجائر الإلكترونية توثر سلبًا على الفرد والمجتمع، وبعضها يحتوي على مواد مخدرة، ونحتاج إلى تشريع قانون جديد بخصوص السجائر الإلكترونية”.
وأشار إلى أن أكثر من نصف العراقيين يعانون من مشاكل التدخين، وأن 30 إلى 40بالمائة من العراقيين يستنشقون دخان المدخنين، فيما يبلغ عدد المدخنين حسب آخر إحصائية بنحو 20 بالمائة من البالغين فوق الـ18 عامًا.
وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة فإن نسبة التدخين في العراق للأعمار فوق الـ15 عامًا، بلغت نحو 19بالمائة ما يعني أن هناك 4.8 مليون مدخن في العراق.
وبلغت نسبة التدخين في صفوف الشباب 36.7 بالمائة، أما نسبة التدخين في صفوف الإناث بلغت 1.7بالمائة.
وبلغ عدد مدخني ومتعاطي التبغ في العراق إجمالًا فوق الـ15 عامًا، أكثر من 4.9 مليون شخص، يتوزعون بواقع 4.7 مليون شاب ورجل، مقابل أكثر من 210 آلاف أنثى.
وتتوقع منظمة الصحة العالمية في تقريرها الذي صدر حديثًا أن تستقر معدلات تعاطي التبغ في العراق بين عامي 2020 وحتى 2025 عند 18.6بالمائة لكنها سترتفع في 2030 إلى 18.9بالمائة.
ووفقًا لمنصة ستاتيستا (Statista) الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين جاء العراق في المرتبة 71 عالميًا، من بين الدول الأكثر استهلاكًا للسجائر، وتبلغ قيمة استهلاك العراق للسجائر في 2023 أكثر من 933 مليون دولار امريكي.
وعن التأثيرات الاقتصادية لإغراق الأسواق بالسجائر والتبوغ يؤكد الخبير الاقتصادي، أحمد صدام، أن “مشكلة هذا المنتج، هو عدم سيطرة الجهات الحكومية عليه، بسبب دخول كميات كبيرة منه عبر منافذ غير رسمية، ولا تدخل التعرفة الجمركية المفروضة إلى خزينة الدولة”.
وأكد، أن “الوضع الراهن، يضرّ بالاقتصاد بسبب عدم استيفاء التعرفة الجمركية، وكذلك الحال بالأضرار الصحية للمجتمع بسبب عدم خضوع هذه المنتجات إلى التقييس والسيطرة النوعية”.
وفي هذا الصدد يرى رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي إن “80 بالمائة من التبوغ والسجائر الموردة إلى العراق لاتخضع للفحص كونها تدخل عن طريق التهريب بعد أن تحول الأمر إلى تجارة رائجة في العراق”.
وأكد الغراوي أن “السجائر تؤدّي إلى ارتفاع نسب أمراض الصدر والجهاز التنفسي والشرايين، وأنّ كثيرين من المرضى هم من الشبّان الذين أدمنوا التدخين في سنّ مبكرة”.
وطالب الغراوي “الحكومة والبرلمان بإجراء تعديلات على قانون رقم 19 لسنة 2012 من خلال فرض ضرائب جديدة على منتجات التبغ ومنع الترويج والإعلان عنه كما كما طالب بحظر التدخين في الأماكن العامة”.
وكان البرلمان قد أقرّ في عام 2012 قانونًا يمنع التدخين في الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية، اشتمل على عقوبات تُفرض على المخالفين، بما في ذلك غرامات، إلا أنّ القانون لم يجد طريقه إلى التنفيذ حتى الآن.
ويرى الخبير القانوني، علي التميمي، إن “قانون مكافحة التدخين رقم 19 لسنة 2012 احتوى على 21 مادة، ووضع مواصفات للتدخين والسجائر المُستخدمة ونسبة النيكوتين”.
ويضيف التميمي، أن “هذا القانون منع التدخين في الأماكن العامة، وأوجب توفير أماكن خاصة للمدخنين في الوزارات والمؤسسات، وفرض غرامات مالية على الأشخاص والمحلات تصل إلى 50 مليون دينار، وكذلك على الشركات المستوردة وحتى على وسائل الإعلام المروّجة للسجائر”.
وتابع، أن “هذا القانون أثار موجة كبيرة من الاستياء عند تشريعه في حينها، لأن العراق عبارة عن مدخنة كبيرة من المدخنين، وبعض المدخنين يستهلك 3 إلى 6 علب يوميًا، لذلك من الصعوبة تطبيق القانون بهذه الطريقة”.
ويشير الخبير القانوني، إلى أن “قانون مكافحة التدخين يحتاج إلى تعديل وتطبيق التدرجية في التنفيذ، كما فعلت الدول الأخرى، من خلال البدء بالتثقيف والإرشاد في المدارس والكليات والجامعات، وكذلك عن طريق وسائل الإعلام وخطب الدين والصحف، ثم بعد ذلك تُفرض غرامات بسيطة في الشوارع، والتدرج في ذلك رويداً رويدًا”.
ويؤكد، أن “تطبيق هذا القانون في الوقت الحاضر أشبه بالمستحيل، لأن البلاد في الأساس تُعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وهناك شيوع للمخدرات والجريمة، لذلك قانون مكافحة التدخين مركون ولم يُطبق على أي أحد لحد الآن”.
بدوره يقول الأكاديمي رافد البياتي إنه “لا حاجة لتشريع القوانين الجديدة في ظل عدم تنفيذ المشرّعة أساسًا منذ عدة سنوات”.
وأوضح، البياتي أن “الضعف الحكومي بتطبيق قانون حظر التدخين في الأماكن العامة منذ 12 عامًا يضع المشكلة على عاتق الحكومة حصرًا، وأن عجزها عن تنفيذ القانون ومحاسبة المخالفين هو بمثابة محاربة للقانون المشرع”،
ويتساءل”من الذي يطبق القانون إذا كانت الحكومة لا تستطيع تطبيقه؟”.
وشدد البياتي على “ضرورة تحجيم ظاهرة التدخين، خاصة في الأماكن العامة، التي لها أضرار خطيرة في المجتمع”، محملا الحكومة مسؤولية “التقصير بالملف”.
وكانت تقديرات سابقة لوزارة الصحة قد أشارت إلى وفاة شخص واحد كلّ عشرين دقيقة لأسباب ذات صلة بالتدخين في وقت تواجه فيه الوزارة انتقادات واسعة لعدم قدرتها الفعلية على تطبيق القانون، خصوصًا في المؤسسات والنوادي والاستراحات ووسائل النقل في عموم البلاد، الأمر الذي يسبّب أمراضًا عديدة.
ويعزو إستشاري طب الأسرة، الدكتور علي أبو طحين انتشار التدخين بشكل واسع في العراق، لرخصه وعدم وجود رقابة عليه إلا الشيء البسيط، فضلًا عن فقدان البرامج الحقيقية لمكافحة التدخين، وأن أُقرت قوانين بهذا الخصوص”.
ويؤكد أبو طحين، أن “التدخين بأنواعه خطر قاتل وسبب رئيس للوفيات والأمراض، حيث يتوفى أكثر من 8 ملايين شخصًا في العالم سنويًا بسبب التدخين”.
ويضيف أن “التدخين سبب مباشر وغير مباشر للعديد من سرطانات المجاري التنفسية بأنواعها من القصبات الهوائية والرئة والحنجرة، وسرطانات الجهاز الهضمي من المعدة والأمعاء والقولون والمثانة، وأمراض القلب والسكري والحساسية والمشاكل الجلدية ومشاكل الفم والأسنان والسعال المزمن والربو، وحتى على القدرة الجنسية والخصوبة للرجل والمرأة، وغيرها الكثير”.
ويوضح، أن “مشاكل التدخين لا تنحصر بالمدخن فقط، وإنما حتى على الجالس بقربه (التدخين غير المباشر)، والأطفال والحوامل هم الأكثر عرضة للتأثير بهذا النوع من التدخين”.
وبين أن “السجائر والنرجيلة وكذلك السجائر الإلكترونية كلها مُضرّة، وترتبط الأضرار بكمية الدخان ونوعيته ومدة التدخين، وكلما كان التدخين في عمر مبكر كانت أضراره أكبر”.
بدوره يؤكد الطبيب الاستشاري في مستشفى اليرموك التعليمي في العاصمة بغداد علي الزيدي، أنّ “السجائر التي تدخل إلى البلاد، من بينها السجائر الإلكترونية، لا تخضع لفحص الجودة، الأمر الذي يجعل مخاطرها كبيرة، خصوصًا أنّها بمعظمها تُصنَّع من قبل شركات غير موثوق بها”.
ويضيف الزيدي أنّ “السجائر تؤدّي إلى ارتفاع نسب أمراض الصدر والجهاز التنفسي والشرايين، وأنّ كثيرين من المرضى في العراق هم من الشبّان الذين أدمنوا التدخين في سنّ مبكرة”.