بلاد النهرين عطشى في اليوم العالمي للمياه
إيرادات الأنهار في العراق انخفضت من 21 مليارًا إلى 14 مليار متر مكعب، والحكومات منذ عام 2003 عجزت عن وضع حلول وتخلت عن حقوق العراق من المياه من دول الجوار، ما تسبب في تراجع الزراعة بشكل كبير.
بغداد- الرافدين
بينما يحتفل العالم في الثاني والعشرين من آذار من كل عام باليوم العالمي للمياه الذي حددته الأمم المتحدة، بهدف إذكاء الوعي بالأمور ذات الصلة بالمياه، يتساءل عراقيون عن مستقبل حياتهم بلا مياه بينما تتفاقم ظاهرة التصحر والجفاف في البلاد، وسط عجز حكومي مستمر.
واختارت الأمم المتحدة موضوع يوم المياه العالمي لعام 2024 “المياه من أجل السلام”. وذلك على اعتبار أن “المياه قد ترسي السلام أو تشعل فتيل النزاع”، فعندما تكون المياه شحيحة أو ملوثة، أو عندما يفتقر الناس إلى الفرص المتكافئة للحصول على المياه أو تنعدم فرص حصولهم عليها، فإن التوترات قد تتصاعد بين المجتمعات والبلدان.
وحذرت الأمم المتحدة من أن تزايد ندرة المياه يمكن أن يؤجج الصراعات في جميع أنحاء العالم.
وجاء في تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بمناسبة يوم المياه العالمي، أن 2.2 مليار شخص على مستوى العالم لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب المدارة بشكل آمن، ويفتقر 3.5 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان.
وقالت رئيسة اليونسكو أودري أزولاي إن واحدا من كل شخصين في جميع أنحاء العالم يعاني من ندرة المياه لعدة أشهر في العام.
وتابعت أنه “في بعض أجزاء العالم، أصبحت ندرة المياه هي القاعدة، وليست الاستثناء”.
وأضافت “نحن نعرف عواقب مثل هذا الوضع فنقص المياه لا يؤجج نيران التوترات الجيوسياسية فحسب، بل يشكل أيضا تهديدًا للحقوق الأساسية ككل، على سبيل المثال من خلال تقويض وضع الفتيات والنساء بشكل كبير”.
وقالت أزولاي إن الوصول إلى المياه والحفاظ على الموارد المائية يمثلان “تحديات أساسية” للمجتمعات.
وقدر التقرير أن تكلفة تحقيق حصول الجميع على مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي والنظافة في 140 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل ستبلغ حوالي 1.7 تريليون دولار في الفترة من 2016 إلى 2030، أو ما يقدر بنحو 114 مليار دولار سنويًا.
وقالت أزولاي “إن موضوع يوم المياه العالمي لعام 2024 هو بالتالي دعوة للعمل لإدارة المياه بشكل مستدام، وإعادة التواصل مع كوكبنا، وفي نهاية المطاف، بناء السلام”.
ونبهت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، إلى ندرة المياه في معظم دول العالم الإسلامي، حيث تعاني 18 دولة منها “مستوى إجهاد حرج” في المياه.
جاء ذلك في بيان للمنظمة “مقرها بالرباط” بمناسبة اليوم العالمي للمياه.
ودعت المنظمة إلى التعاون والعمل المشترك، لضمان حق الوصول إلى مياه آمنة ونظيفة، خاصة أن 29 بلدًا (دون تسميتها) من دول العالم الإسلامي تعاني الإجهاد المائي، من ضمنها 18 دولة ذات “مستوى إجهاد حرج”.
وأضافت أن “متوسط موارد المياه في الدول الـ29 لا يتجاوز 3 آلاف و806 أمتار مكعبة للفرد سنويًا، فيما يبلغ المتوسط العالمي 7.027 مترا مكعبا للفرد، ما يبرز الأهمية القصوى لترشيد الاستفادة من الموارد المائية”.
وتبرز في الشرق الأوسط أزمات مياه تعتبر الأكثر حساسية وإلحاحًا، لاسيما وأنها ترتبط بالأمن المائي لأكثر من نصف مليار إنسان موزَّعين على الدول المعنية بهذه الأزمات، أكبرها أزمة مياه دجلة والفرات بين العراق وتركيا وإيران.
وتزداد المخاوف في العراق، المُسمَّى تاريخيًا “بلاد ما بين النهرين”، من خسارة الرافعة الحضارية الأساسية التي عاشت حول ضفافها الشعوب المتلاحقة على مدى آلاف السنوات، نهرا دجلة والفرات، اللذان يشهدان تراجعًا تاريخيًا في منسوبهما لم يسجل من قبل، وذلك لعوامل عدة، بعضها مرتبط بالتغيير المناخي والبعض الآخر ناجم عن سياسات “دول المنبع”، تركيا وإيران.
وأكد الفريق التفاوضي من أجل المياه والمناخ بوزارة الموارد المائية الحالية أن هناك تحديات كبيرة تواجه قطاع المياه بالعراق.
وقال عضو الفريق التفاوضي، حاتم حامد، إن إنشاء بعض السدود الخارجية في دول الجوار وإدارتها بطريقة أحادية أدت إلى انخفاض منسوب المياه بالعراق بشكل كبير، مؤكدًا أن إيرادات الأنهار انخفضت من 21 مليارًا إلى 14 مليار متر مكعب لافتًا إلى أن 75 بالمائة من إيرادات العراق المائية تأتي من الخارج، وأن إيرادات نهر الفرات سابقًا بلغت نحو 30 مليار متر مكعب في الحدود العراقية، قبل أن تنخفض إلى أقل من 7 مليارات.
وحذر خبراء في مجال المياه، من أن العراق مقبل على شح مياه كبير، مؤكدين أن الخزين الاستراتيجي للبلاد في أقل مستوياته.
وقال الخبراء إن خزين العراق الاستراتيجي الموجود الآن هو ما بين الحرج والمقلق، لافتين الى أن تدني الخزين يرجع الى قلة الإيرادات المائية من دول الجوار التي تقدر بــ 60 بالمائة من استحقاقات العراق بالتزامن مع استمرار التجاهل الحكومي لأزمة المياه وعدم الدخول في مفاوضات حقيقية مع تلك الدول بشأن حصة العراق من المياه.
يشار الى أن أزمة المياه تسببت بإلغاء الخطط الزراعية وانهيار القطاع الزراعي في عموم محافظات العراق، إلى جانب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالثروة الحيوانية.
وأشارت لجنة الزراعة والمياه النيابية، إلى استمرار أزمة الجفاف في العراق وتفاقمها دون أية حلول.
وأكدت اللجنة أن أزمة الجفاف في العراق مازالت تشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا وتناقض المؤشرات “المطمئنة” التي تتحدث عنها وزارة الموارد المائية مضيفة أن هذه الأزمة ستكون عالية الخطورة خلال فصل الصيف المقبل.
وكان وزير الموارد المائية عون ذياب، قد صرح بان الموسم الحالي أفضل من سنوات الجفاف السابقة، وأن السيول التي حدثت في المنطقة الشمالية، كانت أكثر من معدلاتها السنوية المعتادة على حد تعبيره.
بينما حمل اتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق الحكومة مسؤولية ملف المياه وتراجع مستوى المساحات المزروعة، لتقصيرها بإدارته مع الدول المشتركة وعدم دعمها طرق الري الحديثة.
وقال عضو اتحاد الجمعيات، علي اللامي إن الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها عجزت عن وضع الحلول لملف المياه، وتخلت عن حقوق العراق من المياه من دول الجوار، ما تسبب بأزمة المياه وتراجع الزراعة بشكل كبير.
وأضاف أن الحكومة لم تبحث عن معالجات أخرى، ولم توفر منظومات ري ومرشات حديثة.
وقال مهندسون في وزارة الموارد المائية، إن العراق يستهلك أكثر من 19 مليون متر مكعب يوميًا مقابل 18 مليون متر مكعب من المياه التي يحصل عليها، أي أنه ينفق اكبر من ايراداته بـ7 بالمائة وهو ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه حتى هطول الأمطار الأخيرة.
فيما أوضح مصدر في وزارة الزراعة، أنه لا ينبغي التفاؤل بشأن وضع العراق حيث ستصبح المياه نادرة مرة أخرى لكون البلاد تحتاج إلى مشاريع مائية جديدة وهناك زيادة كبيرة في عدد السكان، مقابل ضعف في الموارد المائية ولم يتم إنشاء أي مشاريع جديدة منذ ثلاثة عقود فضلًا عن فقدان العراق نحو 1200 نوع من النخيل وأكثر من 40 بالمائة من المحاصيل الزراعية.
وسبق وأن أعلنت وزارة البيئة في العراق نزوح 68 ألف أسرة من مناطق الأهوار بسبب شح المياه.
وقال وكيل الوزارة، جاسم الفلاحي، إن الجفاف سبب تدهورا غير مسبوق في الجفاف والتصحر وتقلص الأراضي الزراعية، ما أدى إلى خسارة 68 بالمائة من الأراضي التي كانت صالحة للزراعة، وفقدان السكان سبل العيش بعد أن كانوا معتمدين على الزراعة وتربية الجاموس وصيد الأسماك والطيور، محذرا من أن النزوح الداخلي قد يكون مبررا لإنشاء عشوائيات على أعتاب مدن تعاني من نقص كبير بالخدمات.
وقال قسم الثروة الحيوانية في مديرية زراعة ذي قار، إن تأثيرًا بالغًا خلفته التغييرات المناخية على مربي الجواميس، فالجفاف أدى إلى انحسار المساحات الخضراء التي تضم نباتات القصب والبردي، ما دفع بالمربين إلى شراء الأعلاف من الأسواق، وهو ما انعكس سلبًا على تراجع مستوى التغذية للجواميس، وبالنتيجة انخفاض انتاجها من الحليب، بل وأثر حتى على جودته بحسب قسم الثروة الحيوانية الذي أكد وجود 84 ألف رأس من الجواميس في المحافظة، ثلثها أناث.
وتتركز 50 بالمائة من الجواميس في مناطق الأهوار، ويعد غذائها الأساس القصب والبردي الذي يتطلب نموها أن تغمر الأرض بالمياه.
ووفقًا لإحصائية أعدتها مديرية زراعة ذي قار، فان 6500 رأس من الجاموس، نفقت خلال سنة 2023 جراء شحة المياه وقلة المراعي.