النخب الصهيونية امتداد للأمريكية
طرح ما قاله السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام طبيعة وحالة التطابق بين رؤية قادة الحزب الجمهوري وتيار إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في الكيان الصهيوني، بنفس القدر الذي طرحه السيناتور الديموقراطي جاك شومر، من تطابق الرؤية مع تيارات المعارضة الحالية في الكيان الصهيوني، أمثال يائير لبيد.
والأهم قد بات جليًا، أن النخب الصهيونية بتفاصيل رؤاها وانقساماتها هي امتداد للنخب الأمريكية برؤاها وانقساماتها وأن الارتباط بين كل تيار في الولايات المتحدة والآخر في الكيان الصهيوني هو ارتباط عضوي. وإن العلاقات الأمريكية الصهيونية ليست علاقات مصالح وتحالفات أو حالة دعم من الدولة الأمريكية للكيان الصهيوني، فقط، بل هي بالأصل –وهذا ما يمنحها الاستمرارية- علاقات عميقة ناتجة عن تطابق أفكار ورؤى النخب الحاكمة، والتي يجرى تداول السلطة بينها في كلا البلدين.
هي علاقات مبنية على امتداد عضوي بين تيارات نخب الحكم في كلا البلدين. وكل انتخابات هنا هي انتخابات هناك. وبمعنى أدق فإن النخب في الكيان الصهيوني، هي نسخة تابعه لنسخة النخب الأمريكية.
حين تحدث غراهام عن الموقف في غزة والمفاوضات والموقف من حماس. برر قتل المدنيين. السيناتور الحاكم في الدولة المتباهية بحفاظها على حقوق الإنسان في العالم، قال: أنا مع “إسرائيل”، قوموا بكل ما يتوجب عليكم القيام به للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان.
هو لم يقل هذا في لقاء كان بإمكانه أن يتراجع عنه، بل أخذ ما قاله ونشره في تدوينه على منصته الشخصية على مواقع التواصل. وفي مناسبة أخرى، وصف ما يجري في غزة بالحرب الدينية وهو صاحب التأثير الكبير في نظام حكم يتباهى بعلمانيته.
وقال “إن إسرائيل لديها التزام أخلاقي تجاه شعبها بتدمير حماس، وهو التزام يدعمه القانون الدولي” كما أوضح أن واشنطن ستدعم في النهاية عملية يقوم بها الجيش الإسرائيلي في رفح لتدمير أربع كتائب تابعة لحماس في الجزء الجنوبي من القطاع.
والآن في ماذا يختلف ما قاله غراهام، عما قاله بن غفير وسموتريتش أو أشد القادة تطرفًا في حكومة الكيان الصهيوني؟
كلاهما تحدث عن الإبادة، وفي النسخة الصهيونية، وصل الحال حد الحديث عن استخدام السلاح النووي.
والأمر هنا ليس ناتجًا عن تطابق المواقف السياسية، فقط، بل هو تعبير عن رؤى دينية وفكرية مشتركة تتعلق بمكانة ودور الكيان الصهيوني في الصراع مع المسلمين، وبشأن دور الكيان الصهيوني في الحرب الدينية في المنطقة.
وفي المقابل هناك صورة أخرى لتيار أخر ممتد ومتكامل مع تيار مرتبط به في الكيان الصهيوني.
زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر وهو يهودي، هاجم نتنياهو قائلا إن رئيس الوزراء نتنياهو لم يعد يناسب احتياجات إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول الماضي. لأنه قد يجعل الولايات المتحدة، الحليفة للدولة العبرية، “منبوذة”، في ظل الحرب بغزة.
وعد شومر نتنياهو “عقبة كبيرة أمام السلام”، قائلا إنه “خضع في كثير من الأحيان لمطالب المتطرفين في حكومته”.
وأضاف “إن العالم تغير جذريًا منذ ذلك الحين، والشعب الإسرائيلي يخنق الآن برؤية حكومة عالقة في الماضي، وأنه لا أحد يتوقع من رئيس الوزراء نتنياهو أن يفعل الأشياء التي يجب القيام بها لكسر دائرة العنف، والحفاظ على مصداقية إسرائيل على المسرح العالمي، والعمل على حل الدولتين”.
وطالب بإجراء انتخابات جديدة في الكيان الصهيوني واعتبرها الطريقة الوحيدة لإفساح المجال أمام عملية اتخاذ قرارات سليمة ومفتوحة بشأن مستقبل إسرائيل، مشددا على أن “تحالفًا يقوده نتنياهو لم يعد يلبي حاجات إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول”.
تحدث شومر عن الحكم في الكيان الصهيوني وقال إنه يتعين على إسرائيل إجراء “تصحيحات كبيرة في المسار”، ووجه انتقادًا حادا للوزراء الإسرائيليين من التيار الديني المتشدد، بقوله “إذا قام نتنياهو بالتنصل من بعض الوزراء، وخصوصًا الوزير بن غفير، وطردهم من حكومته الائتلافية، فسيكون ذلك خطوة حقيقية ذات معنى إلى الأمام”. لكنه شكك في احتمال قيام نتنياهو بذلك.
وإذا راجعنا ما قاله شومر، فهو يتناسب، بل يتطابق، مع ما يقوله لبيد في الكيان الصهيوني، إذ يطالب بإجراء انتخابات جديدة.
والقصد أن تأكد الآن وبشكل عملي وجود تيارين في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، متباينان ومختلفان ولا حدود جغرافية تمنع تحركاتهما في مواجهة بعضهما البعض، فغراهام جاء لدعم الأشد تطرفًا فيما تحرك شومر لإخراجهم من الحكم.
وبمعنى أدق فقد بات مطلوبًا إدراك أن العلاقات الصهيونية الأمريكية هي علاقات بين نخب الحكم لا بين أجهزة الدولة فقط، وأن الخلافات بين النخب هي خلافات تمتد من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى واشنطن والعكس أيضا، وإلى درجة اعتبار أن الخلافات بين التيارين هي خلافات داخلية يشارك فيها الأمريكي والصهيوني، دون التزام بحدود جغرافية. وبطبيعة الحالة فالتيارات في الكيان الصهيوني هي نسخه مقابلة لنسخة التيارات المتصارعة في الولايات المتحدة.