أحزاب السلطة في العراق تدفع لتمرير قوانين تكرس من سطوتها
حكومة الإطار التنسيقي في العراق تسعى جاهدة إلى تثبيت أركان حكمها الاستبدادي عبر قوانين جائرة تحد من حرية التعبير وفقًا لنشاطين ومنظمات حقوقية.
بغداد – الرافدين
أثار عودة الحديث عن تمرير قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي المعروض للنقاش في البرلمان الحالي في العراق حفيظة ناشطين ومنظمات حقوقية حول مصير حرية التعبير، في ظل المواد الفضفاضة المقرونة بتكتيكات قمعية قاتلة تؤطر لآلية التعامل مع المناهضين للفساد في البلاد.
ويأتي الحديث عن تمرير القانون بعد عيد الفطر عقب سلسلة من المحاولات الفاشلة منذ عام 2010 ، لتواجه المحاولات الجديدة اعتراضات عديدة، في وقت يصف فيه المدافعون عن حرية التعبير، القانون بـ”البوليسي”.
وسجلت جهات حقوقية اعتراضات عديدة على العديد من فقرات القانون، الذي عدته “تقويضًا لحرية التعبير التي لطالما تبجحت بها الحكومات المتعاقبة عقب الاحتلال”.
وأشار تحالف الدفاع عن حرية التعبير في العراق إلى أن البرلمان يسعى إلى التصويت خلال الأيام المقبلة على مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، في محاولة واضحة وصريحة تتجاهل المجتمع المدني والتعديلات المقترحة عليه.
وقال التحالف في بيان إن “الذهاب باتجاه التصويت على مسودة قانون عليها ملاحظات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، يؤكد وجود مساع كبيرة لتقويض الحريات في العراق”.
وأضاف التحالف أنه “منذ 13 عامًا والمجتمع المدني يناضل من أجل عدم تشريع القانون بهذه الصيغة، وقدمت منظمات عديدة ملاحظاتها ومقترحاتها، لكن قِوى سياسية عديدة أصرت على أن يُسلط القانون كسيف على رقاب العراقيين”.
وتابع إن “تحالف الدفاع عن حرية التعبير الذي شُكل مؤخرًا برعاية المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وانتخبت هيئته التنسيقية وفق آليات ديموقراطية، يؤكد أن مسودة القانون تعاني من مشكلات عدة، وتجمع أكثر من قانون في قانون واحد، وتضرب بعرض الحائط ما كفله الدستور في مادته الـ38 بشأن الرأي وحرية التعبير عنه”.
وخلص البيان بالقول إن “كل الدورات البرلمانية 2010 – 2021 أثبتت إن هناك عملًا ممنهجًا لضرب الحريات في العراق، ووضع قوانين بوليسية ديكتاتورية تمنع العراقيين من ممارسة حقوقهم، ولا يُمكن استثناء ذلك إلا من عدد ليس بالكبير من أعضاء مجلس النواب الذين كانت لديهم مواقف واضحة وصريحة من ذلك”.
وقال عضو تحالف الدفاع عن الحريات، علي عبد الزهرة، إن تحالفه، يسجل مجموعة ملاحظات على مسودة القانون، منها أن “هذه المسودة توجب إرسال طلب للموافقة على التظاهرة، وهذه الموافقة بالتأكيد خاضعة لمزاج صاحب السلطة الذي قد يكون التظاهر ضده، كما أنها لا تلزم السلطة بتبيين سبب الرفض عندما ترفض التظاهر”.
وأضاف أن “هذه المسودة تمنع الاجتماعات دون إبلاغ السلطات الأمنية، فليس من حق أي جهة أن تجتمع إلا بعد حصول موافقة من السلطات الأمنية، وفي حالة عقد اجتماع من قبل ثلاثة أشخاص أو أكثر، فالقانون يمنح الضوء الأخضر لاعتقال هؤلاء”.
كما يؤشر أن “هناك مواد في القانون قد تعامل مواطنين بالأحكام المشددة استنادًا إلى أحكام قانون العقوبات، بينما يفترض أن تكون الأحكام وفق هكذا قوانين لا تتجاوز الغرامات لأن الأهداف من هكذا قانون هو حماية حقوق الحريات”.
وفي الوقت الذي يرفض فيه ناشطون حقوقيون محاولات تمرير قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، فإنهم يؤشرون تنام مطرد لتقييد حرية التعبير والنقد من قبل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني التي تنضوي تحتها الميليشيات والأحزاب الولائية.
ويشير ناشطون وأكاديميون إلى استخدام المواد 225-226-227 من قانون العقوبات لاستهداف نشطاء الحقوق المدنية لمجرد التعبير عن آرائهم في وسائل التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام التقليدية في خطوة ممنهجة نحو التحول إلى النظام الاستبدادي.
وتحتوي هذه المواد على لغة فضفاضة ومبهمة تسمح للسلطات بمحاكمة أي شخص “يهين الحكومة” أو “القوات العسكرية” أو “الأجهزة شبه الرسمية” والحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات.
ويرى أستاذ العلوم السياسية هيثم هادي نعمان الهيتي، أن “التحولات نحو الاستبداد في العراق بعد عام 2003 بدأت تدريجيًا، وأخذت تتصاعد بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، فبات الاستبداد أحد أبرز سمات النظام السياسي”.
ويشير إلى أن التحولات في العراق مرت بمراحل تمهيدية عدة، “بدءًا من الترهيب والاغتيالات وصناعة الانشقاق الاجتماعي والطائفي، ثم العسكرة وبناء الميليشيات والتوظيف الصانع للزبائنية السياسية وانعدام العدالة، حتى تمكنت السلطة من بدء محاولات اجترار كل قوانين قمع الحريات من الأنظمة الديكتاتورية الصريحة”.
ويتابع “المخاوف من تنامي موجات احتجاج جديدة هو ما دفعها إلى إعادة العمل بتلك القوانين التي تمثل قمعًا مبكرًا لأي فرصة قد تؤثر في الرأي العام وتوجهه نحو أي حراك احتجاجي أو اجتماعي أو سياسي”.
وبدأت ملامح تعاطي حكومة الإطار التنسيقي، مع ملف الحريات والمعارضة السياسية تتضح بشكل أكبر مؤخرًا، حيث فتحت السلطة النار على ملف حرية التعبير من خلال توظيف القوانين في مسعى منها لتقييد منتقديها أو ترهيبهم بعقوبات تصل إلى السجن لسنوات عدة.
ويقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في معهد “غالوب الدولية” منقذ داغر، إن الفترة الأخيرة في العراق “شهدت محاولات حثيثة لتقييد حرية الرأي والعودة إلى الإعلام المنسق والمسيطر عليه من قبل السلطة، وهذا الأمر جرى بطريقتين: الأولى وضع قيود قانونية إضافية لتقييد حرية الرأي، التي بدأت باسم المحتوى الهابط ثم سرعان ما تحولت إلى تجريم إهانة المؤسسات، أما الطريقة الأخرى فتمت من خلال ضخ أموال كبيرة للسيطرة على المؤثرين وبعض الإعلاميين والمنصات لإخراج صوت منسق مع الحكومة”.
ويشير داغر إلى أن الحكومة الحالية “أبدت نجاحًا في تقييد حرية التعبير بشكل أكبر لأن الأجهزة التشريعية والتنفيذية باتت من لون واحد،.
وبين أن هذا الأمر “جعل العمل متناسقًا وحثيثًا استباقًا لاحتمالات إحداث أي تغيير قد يؤدي إلى خروجهم من الحكم”.
وكانت منظمة العفو الدولية قد انتقدت في تقرير لها عن الحريات السلطات في العراق لمحاولة تشريع قوانين لقمع الحريات والتضييق عليها.
وقالت المنظمة في تقريرها إن “إعادة طرح القوانين تزامن مع سلسلة من الملاحقات القضائية التي تستهدف الأشخاص الذين ينتقدون الشخصيات الحكومية”.
وبحسب المنظمة، تحاول السلطات في العراق قمع حرية التعبير ما يكشف عن تجاهلها الصارخ للتضحيات الاستثنائية التي قدمها العراقيون خلال ثورة تشرين 2019 لضمان حرياتهم”.
وأكدت أن من حق الشعب العراقي أن ينتقد قادته، وأن يحتج سلميًا من دون خوف من التعرض للسجن ودفع غرامات باهظة.