أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

اليأس يسيطر على شباب في ذي قار ويدفعهم إلى الانتحار

مسوغات السلطات الحكومية عن انضواء المنتحرين في مدينة الناصرية لجماعة "القربان" لا يخفي حقيقة فقدان الأمل والهشاشة النفسية والإدمان على المخدرات.

ذي قار- الرافدين
أخفت السلطات الحكومية في محافظة ذي قار جنوب العراق الأسباب الحقيقية لتفاقم ظاهرة الانتحار بين الشباب، عندما عزت المنتحرين إلى انضمامهم لجماعة “القربان” التي يضفي أتباعها منزله “التقديس” على الإمام علي “كرم الله وجهه”.
وذكرت مصادر أمنية في المحافظة أن شابًا من جماعة “القربان” أقدم على الانتحار شنقًا في قضاء سوق الشيوخ. جنوب مدينة الناصرية.
وتذرعت السلطات الأمنية بعد أقدام ثلاثة شباب على الانتحار، بأن الظاهرة المتفاقمة في المحافظة تعود إلى فكرة “القربان للإمام”، متجاهلة عن عمد الهشاشة النفسية وقسوة الظروف الاجتماعية وفقدان الأمل التي يعاني منها شباب المدينة.
وسخر شاعر عراقي من أبناء محافظة الناصرية من الذرائع الحكومية عن جماعة “القربان” وقال “قد تكون صحيحة مع انتحار شخص أو اثنين تحت وطأة السقوط في هوة الخرافة التاريخية والطائفية، لكن هل يمكن أن نعزو كل حالات الانتحار التي شهدتها المدينة خلال السنوات الماضية إلى هذه الجماعة المحدودة”.
وحذر الشاعر في تصريح لقناة “الرافدين” مفضلا عدم الكشف عن هويته، من أن جيلا كاملا يكاد يفقد الأمل بعد القمع الحكومي لثورة تشرين في الناصرية، وبعضهم يرى أن الانتحار أضحى آخر الطرق للتخلص من حياته التي لا تطاق بسبب الظروف المعيشية.
وقال إن محافظة الناصرية المشهورة بحياتها المحبة للطرفة والفن تتملكها طاقة من اليأس المجتمعي نتيجة الإهمال والتفكك العائلي وتردي الوضع العام.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية، أن واحدًا من كل أربعة عراقيين يعاني من هشاشة نفسية في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص.
وتذيّل العراق مؤشر الصحة النفسية لمنظمة (Sapien Labs) البحثية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، كواحدٍ من أكثر البلدان التي تشهد تراجعًا مُضطردًا في صحة مواطنيها النفسية والعقلية.
وتشهد محافظات وسط وجنوب العراق، ومنها ذي قار، تصاعدًا متسارعًا بمعدلات البطالة وتعاطي المُخدّرات والانتحار أو الموت المجاني، فيما يُخيّم فشل الاحتجاجات العامة، والاضطرابات الأمنية وتداعي النظام البيئي والقتالات العشائرية المُستمرة، على سكانها الذين يعيش نصفهم تحت خط الفقر.
وسجّلت 192 حالات انتحار في محافظة ذي قار خلال عامي 2022 و2023 وفق الأرقام الحكومية.

كبير الكذابين
وتؤشر مصفوفة حالات الانتحار لدى شرطة ذي قار، بأن 52 حالة ارتكبت شنقًا، و21 حالة حرقًا، فيما تفرقت الحالات المتبقية بيّن إطلاق النار وغرق وتناول سموم.
ويوجد في الناصرية أربعة أطباء نفسيين بينما يبلغ سُكان المحافظة نحو مليونين و300 ألف نسمة. وكل طبيب من أولئك الأربعة يتعامل مع خمسة أضعاف المعدل العالمي الذي يفترض طبيبًا مقابل 100 ألف نسمة.
وبحسب أرقام وزارة التخطيط، فإن 45 – 48 بالمائة من سكان ذي قار تحت خط الفقر، بينما يوجد 100 ألف عاطل عن العمل في المحافظة.
وليس الفقر والبطالة كل ما تعانيه ذي قار، فهي تعدّ واحدة من البؤر في العراق لتجارة المخدرات، كما أن الجفاف والتغير المناخي الذي يضرب كل العراق، أثّر بشكل كبير على سكان ذي قار، الذين يعيش جزء كبير منهم في الأهوار، الآخذة بالجفاف أيضًا.
وقال عماد عبد الرزاق، مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة، “البيئة الاجتماعية والطبيعية تسمح ببروز اضطرابات على مستوى الشخصية، إذ تؤدي الأزمات المتلاحقة والحروب إلى ظهور أجيال تعاني من مشاكل نفسية، لها انعكاسات سلوكية، تظهر في كثير من الأحيان بصورة انفعالية”.
وكشفت منظمة التواصل والإخاء الإنسانية في محافظة ذي قار، عن الأسباب الرئيسة وراء تسجيل 86 حالة انتحار العام 2023 في المحافظة.
وذكر رئيس المنظمة، علي الناشئ أن “مدينة الناصرية وضواحيها سجلت 86 حالة انتحار خلال عام 2023، كانت غالبيتها بين صفوف الشباب، وحصلت بواسطة الشنق والغرق في غالبية حوادثها”.
وبين، أن “هناك أربعة أسباب شخّصتها المنظمة وراء حالات الانتحار، هي التفكك الأسري والابتزاز الإلكتروني، والمخدرات، والفقر”.
وأعربت منظمات مجتمعية في ذي قار عن قلقها من ارتفاع معدلات العنف الأسري في المحافظة.
وأكدت تسجيل 1868 حالة أمام محاكم المحافظة خلال عام واحد طالت النساء والأطفال وكبار السن، ودخول المخدرات على خط مسبباتها.
وكانت ذي قار قد شهدت في تشرين الأول 2019 وعلى مدار أشهر تلته، احتجاجات الأشد غضبًا بين مدن العراق التي انتفضت آنذاك ضد فساد وانعدام كفاءة النظام السياسي.
وأدت تلك الاحتجاجات إلى إغلاق وإحراق مقار الحكومة المحلية وسائر الأحزاب في ذي قار.
ولطالما طالب أهالي ذي قار بالعدالة الاجتماعية، إلا أنهم لم يحصلوا إلا على النزر القليل منها.
وتعد ذي قار محافظة منتجة للنفط، ومع ذلك فهي تسجل حالات فقر وحرمان مرتفعة بين المحافظات، خصوصاً بين النساء.
ويصنف مكتب حقوق الإنسان بالمحافظة وضع النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي وغير المحمي في محافظة ذي قار على أنه مأساوي جدًا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى