إرادات سياسية ومكاسب مالية وراء إغراق جنوب العراق بالمخدرات
لم تقتصر محافظات جنوب العراق المجاورة لإيران على تجارة المخدرات وتهريبها فحسب، بل تحولت إلى أماكن لصناعة المخدرات، وإنتاج مخدر الكريستال.
البصرة – الرافدين
أثار تصاعد وتيرة الجرائم في محافظات جنوب العراق بسبب المخدرات، وتحول محافظات البصرة وميسان وذي قار إلى مراكز لعصابات تجارة وتهريب المخدرات وصناعتها، مخاوف الشارع العراقي من أجندات خارجية تستهدف المجتمع العراقي تحت حكم الميليشيات الولائية، وسط ضعف واضح للإجراءات الحكومية.
وتشهد المدن العراقية لا سيما مدن وسط وجنوبي العراق ارتفاعًا في نسب المتعاطين، حيث صار انتشار المخدرات في البلاد أسرع من السيطرة عليها، ويزداد انتشارها في المناطق الفقيرة والتي تعاني من البطالة، حيث تصل نسبة التعاطي بين الشباب إلى 70 بالمائة.
وتعيش محافظات جنوب العراق منذ نحو شهرين سلسلة جرائم هزت المجتمع العراقي بسبب الإدمان على المخدرات، فقد قتل شبّان تحت تأثير المخدرات شخصًا بعد خلاف نشب بينهم في محافظة البصرة.
وفي محافظة ذي قار، قتل مواطن شقيقه تحت تأثير مخدر الكريستال بسبب خلاف بسيط، ليتكرر الأمر ذاته مع شخص قتل ابنة شقيقته في محافظة ميسان، فضلًا عن حالات الانتحار المسجلة بسبب تأثير المخدرات وخاصة الكريستال الذي يغزو محافظات الجنوب.
ولم تقتصر محافظات الجنوب على تجارة المخدرات أو تهريبها فحسب، بل تحولت إلى أماكن لصناعة المخدرات، إذ تعد محافظة البصرة من أهم معاقل عصابات تجارة المخدرات، ومركزًا لعمليات تهريب المخدرات وصناعتها، خاصة مخدر الكريستال، بحسب ما كشفت عنه مصادر مطلعة.
وسبق أن أعلنت السلطات في العراق، ضبط مصنع في محافظة المثنى جنوب البلاد لإنتاج الكبتاغون، في سابقة من نوعها، ببلد أصبح في السنوات الأخيرة ممرًا لتهريب وتجارة المخدرات.
وتزدهر تجارة المخدرات وتهريبها في محافظات الجنوب والمحاذية للحدود الإيرانية والتي تسيطر عليها الميليشيات الولائية في ظل انتشار السلاح المنفلت الذي لم تستطع حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني من السيطرة عليه.
من جانبه قال النائب في البرلمان الحالي، رعد الدهلكي إن أحزابًا وجهات سياسية متنفذة تسيطر على بوابات حدودية خصصت من أجل تهريب المخدرات، ولا يسمح لأي جهة أمنية تفتيش ما يدخل من خلال هذه البوابات.
ويقول عراقيون: إن الإجراءات الحكومية ضعيفة تجاه ملف المخدرات، فضلًا عن غياب القانون في ردع هذه الجريمة والحد منها، لوجود جهات متنفذة تمنع التحرك تجاه المتاجرين أو إغلاق منافذ التهريب.
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية في العراق أرشد الصالحي، “إن القوانين العقابية الخاصة بالمخدرات ليست بمستوى الجريمة”.
وأشار إلى أن هناك العديد من المحكومين بالإعدام بجرائم المخدرات، إلا أن هذه الأحكام لم تنفذ.
وحول الإعلان المستمر لوزارة الداخلية في حكومة السوداني القبض على عصابات الإتجار بالمخدرات وتفكيكها، تساءل مواطنون عن مصير هذه العصابات أو كميات المخدرات التي تعلن الوزارة ضبطها، فيما أكد آخرون أن جهات دولية تقف وراء تدمير بنية المجتمع العراقي والتلاعب بمصير الأجيال القادمة والعبث باستقرار وأمن البلاد.
وكانت مقاطع مصورة قد بثتها أجهزة أمنية حكومية على منصات التواصل الاجتماعي، أظهرت جانبًا من عمليات القبض على عصابات تجارة المخدرات وأساليب التهريب المتجددة، والتي تتذرع بها الجهات الحكومية في عدم السيطرة على تهريب وتجارة المخدرات.
ويرى مراقبون أن حكومة السوداني حرصت على استعراض منجزات وهمية إعلاميًا، في حين تفضحها ارتفاع معدلات الجريمة ونسب تعاطي المخدرات في البلاد، حيث سبق لمفوضية حقوق الإنسان، أن أعلنت في تقرير لها عن أكثر المخدرات تعاطيا في العراق، جاء في مقدمتها الكريستال بنسبة 37.3 بالمائة، ثم حبوب الكبتاغون المسماة صفر-1، بنسبة 28.35 بالمائة، تليها الأنواع المختلفة من الأدوية المهدئة.
وسبق أن زعم وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عبد الأمير الشمري، عن تراجع معدلات الجريمة إلى 80 بالمائة خلال العام 2023، في حين لم يكشف عن أي أرقام أو إحصائيات تدعم مزاعمه.
واحتل العراق مرتبة متقدّمة على لائحة الدول التي تواجه ظاهرة الجريمة المنظمة، ضمن أحدث مؤشّر نشرته “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية”.
وأظهر المؤشّر احتلال العراق خلال العام 2023 للمرتبة الثامنة عالميًا من بين 193 دولة، تتعرض للجريمة والمرتبة الثانية قاريًا من بين 46 دولة آسيوية، فيما احتل المرتبة الأولى من أصل 14 دولة تمثّل منطقة غرب آسيا.
وتناقض هذه المؤشّرات المقدّرات البشرية والمادية الضخمة التي يخصصها العراق للجانب الأمني، لكنّها تعكس في الوقت ذاته هشاشة أجهزته الأمنية التي تعاني مشاكل تنظيمية مستحكمة.
وبلغت جرائم تهريب البشر والإتجار بهم والمخدرات والقتل والتسليب، عام 2023 في العراق 7.13 نقاط من أصل 10 نقاط تحددها المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة، كأقصى معدل للجرائم في البلدان.
وتتنامى ظاهرة تجارة المخدرات في العراق في الأعوام الأخيرة نتيجة الفشل الحكومي في السيطرة عليها، وتورط مسؤولين حكوميين وميليشيات في تجارتها وانتشارها ورفع نسب التعاطي بين العراقيين لا سيما فئة الشباب.
حيث بلغ عدد المعتقلين بتهمة المخدرات بحسب آخر إحصائية حكومية خلال عام 2023 أكثر من 17 ألف معتقل، وهو رقم يعكس تنامي خطر آفة المخدرات في ظل تواطؤ وفشل حكومي.
وتؤكد دراسات وتقارير دولية ومحلية أن ظاهرة المخدرات في العراق ترتبط بصورة فعالة ومؤثرة بالميليشيات والقوى السياسية، والتي تجني من خلال هذه التجارة مكاسب مالية طائلة وتستغلها في الوقت نفسه للحفاظ على نفوذها وسلطتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وقال الصحفي أحمد القطراني من محافظة البصرة “هناك جهات تملك نفوذًا كبيرًا تساعد في دخول المخدرات، ما يعني أن الوضع السائد مخطط له من أجل تحويل جنوب البلاد إلى بؤرة للمتعاطين تمهّد لتحقيق مكاسب مالية كبيرة”.
ويتهم مراقبون حكومة السوداني بالتستر على الميليشيات التي تسيطر على تجارة المخدرات وتعمل على إغراق العراق بها، على الرغم من تصريحاتها الكثيرة عن خطر المخدرات على المجتمع وأنها باتت وجهًا من أوجه الإرهاب.