أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العجز في الموازنة يدفع حكومة السوداني لطرح سندات حكومية للاكتتاب العام

خبراء اقتصاديون يعدون إصدار المصارف الحكومية للسندات المالية وبيعها للمواطنين خطوة غير مجدية في إنعاش الموازنة العامة المكبلة بالديون وتضخم العجز المالي إثر ارتفاع النفقات التشغيلية.

بغداد – الرافدين

شككت أوساط اقتصادية بمسعى حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني لخفض قيمة العجز في الموازنة العامة عبر إصدار سندات مالية وبيعها للمواطنين ضمن إطار تعزيز إيرادات الدولة غير النفطية.
وأجمع خبراء اقتصاديون على وجود العديد من العقبات أمام هذه التجربة بسبب قلة العائدات المتحققة من “تجميد” العراقيين لأموالهم في المصارف الحكومية مقابل فرص أكبر عند استثمارها في الأسواق المحلية.
وأعلن مصرف الرافدين في الخامس عشر من نيسان الحالي عن إصدار سندات “إنجاز” للمواطنين، وطرحها بفئتين الأولى بمبلغ 500 ألف دينار بفائدة سنوية تبلغ 6.5 بالمائة تدفع كل ستة أشهر لأجل سنتين، والثانية بمليون دينار بفائدة سنوية 8.5 بالمائة كل ستة أشهر لأجل أربع سنوات.
وقال الخبير الاقتصادي وأستاذ الإدارة والاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، إن “العمل التجاري يمكن أن يحقق عائدًا ربحيًا أكبر بكثير من عوائد السندات الحكومية، فاستثمار مليون دينار في السوق مثلا يمكن للفرد من إعادة تدويره عده مرات في السوق والحصول على عوائد ربحية كبيرة بما يوازي المبلغ المستثمر أو يزيد عنه فطالما يوجد هنالك تضخم فإنه توجد أرباح عالية من عوائد الاستثمار في الأسواق التجارية”.
وأضاف أن “هذه السياسات لا تعتبر ناجحة بشكل كبير وهذه الإصدارية من السندات يمكن أن تستفيد منها المصارف بالدرجة الأساس لكن الغالبية العظمى من المواطنين لا أعتقد أنهم سيستفيدون من شراء هذه السندات، فمثلا متوسط إمكانية العائلات العراقية أن يشتري المواطن مثلًا 10 ملايين دينار بالسندات بما يعني 10 سندات بقيمة مليون دينار، لكي يحصل على فائدة 8.5 بالمائة وهي نسبة غير كبيرة ولا تشكل عائدًا مجزيًا مقابل ما تم استثماره”.
ولفت إلى أن “هذه السندات لديها مدة إصدار وبعد ذلك فإن وزارة المالية ملزمة بأن تعيد مبلغ السند إلى المشتري أو تمدده في حالة وجود إقبال قوي عليها لكن تدفع الفائدة كل ستة أشهر من قبل وزارة المالية وبالتأكيد من الممكن بيعها عبر سوق العراق للأوراق المالية حالها كحال أسهم الشركات التي يتم بيعها في هذا السوق”.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن “هذا الإجراء طبيعي تتخذه معظم الحكومات في العالم والعراق ليس الدولة الأولى التي تقوم به عندما تحتاج إلى تمويل لسد العجز أو لمشاريع استثمارية، حيث تصدر أحيانا هذه السندات لتحقيق أهداف محددة مثلا بناء جسور أو سدود أو خدمات معينة، لكن غرض هذه السندات في العراق سد عجز في الموازنة العامة وإجراء لسحب السيولة من السوق”.
وتابع “لكننا عندما نتحدث عن العجز فإننا نتحدث عن 80 أو 92 تريليون دينار هي قيمة العجز في الموازنة وهذه الإصدارية من السندات بقيمة تريليوني دينار أو حتى لو كانت بقيمة أربعة تريليونات دينار فإنها لا يمكن أن تسد كامل العجز في الموازنة”.

ارتفاع مخاطر حدوث اضطراب اجتماعي في العراق على وقع ارتفاع معدلات البطالة والفقر في ظل موازنات انفجارية ونفقات ضخمة

ويتفق الخبير الاقتصادي همام الشماع، مع ما ذهب إليه المشهداني، بالقول إن “الهدف من إعلان بيع السندات الحكومية للمواطنين والمؤسسات هو سد العجز من جهة وتوفير السيولة المادية من جهة أخرى، كون مجموعة الإنفاق الشهري في الوقت الحاضر تزيد على ثمانية تريليونات دينار بينما لا تتجاوز مبيعات البنك المركزي من نافذة بيع العملة خمسة تريليونات دينار شهريا”.
ويكمل الشماع “بالتالي فهم يحتاجون إلى سيولة لتغطية النفقات وهذه السيولة مكلفة والعجز كبير جدا يصل إلى 35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهي كلفه تقع على عاتق الأجيال المقبلة فالإنفاق الحكومي يتم الآن على حساب المستقبل وفق سياسة مالية غير دقيقة ذات أبعاد سياسية أكثر من كونها أبعادًا اقتصادية”.
وكان مجلس النواب قد صوّت في الثاني عشر من حزيران 2023، على قانون الموازنة للأعوام 2023 و2024 و2025، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد من حيث حجم الموازنة وكذلك عدد السنوات المالية، بقيمة 197 تريليونا و828 مليار دينار، بعجز مالي قدره 63 تريليون دينار، أي ما يقارب ثلث الموازنة.
وتواجه حكومة السوداني انتقادات، بسبب تأخر إرسال جداول الموازنة العامة للدولة لعام 2024 بسبب تضخم قيمة العجز المالي وارتفاع النفقات في وقت تحث فيه الخطى نحو تحقيق مصادر مالية أخرى على غرار طرح السندات للاكتتاب العام.

توقعات بعزوف العراقيين عن شراء السندات الحكومية بالمقارنة مع ما يتحقق من عائدات أكبر عند الاستثمار في التجارة

وجاء الحديث عن إصدار السندات لتعويض الموازنة ما فقدته من سيولة جراء تضخم العجز متزامنًا مع تقرير لشركة “BMI” للأبحاث إحدى شركات مجموعة ” Fitch Solutions” للتصنيف الائتماني والذي رفعت بموجبه توقعاتها لعجز موازنة العراق في 2024 من 3.3 بالمائة إلى 7 بالمائة، جراء ضعف آفاق إيرادات النفط التي تمثل 93 بالمائة من إجمالي الإيرادات الحكومية.
وقالت الشركة إن توقعات عجز الموازنة المعدلة تستند إلى آفاق أكثر تشاؤمًا لإنتاج النفط وإيراداته في عام 2024.
وأضاف التقرير أن هذه العوامل ستبقى حتى نهاية النصف الأول من عام 2024 ونتيجة لذلك، خفض فريق الشركة المعني بالنفط والغاز توقعاته لإنتاج العراق من النفط في عام 2024 ككل، إلى انكماش بنسبة 5.3 في المائة، مقارنة مع انكماش بنسبة 1.9 بالمائة في السابق.
وقالت الشركة إنه “بالنظر إلى أننا نعتقد أن الحكومة لن تكون قادرة على خفض الإنفاق الحالي بشكل كبير بسبب مخاطر حدوث اضطراب اجتماعي، فمن المرجح أن يؤدي الانخفاض الأكثر قوة في الإيرادات إلى عجز أكبر في الموازنة مما نتوقعه حاليًا”.
ويرى الباحث الاقتصادي علي العامري أن ارتفاع النفقات التشغيلية ضمن جداول الموازنة وارتفاع الديون الخارجية والداخلية فاقم من نسبة العجز، وشكل خطورة بالغة على الاقتصاد الوطني العراقي.
وأضاف العامري أن “الحكومة لم تستثمر فرصة ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الإيرادات المالية العائدة منها في تخصيص جزء مالي لسداد الديون وخفض تأثيرها من أجل الحد من ارتفاع مستويات الديون المترتبة على ذمة العراق”.
وأشار إلى أن “التعيينات التي وصلت إلى عشرات الآلاف دون تخطيط حقيقي ستكون عبئًا على الدولة، ولا يمكن الاستمرار في دفع الرواتب مع أي انخفاض محتمل لأسعار بيع النفط في الأسواق العالمية”.
وأفاد الباحث الاقتصادي بأن “ارتفاع مستويات العجز سوف يستنزف موارد الدولة المالية ويقيد الفرص المتاحة للتنمية المستدامة، ويعرض البلد لأزمة مديونية لا يمكن التخلص منها ما لم يتم تجاوزها من خلال الاستثمار الأمثل لموارد الدولة، والحد من مستويات الإنفاق الحكومي”.
وشدّد على “أهمية فتح مجالات جديدة للاستثمار وتعديد مصادر الدخل العام للدولة العراقية من أجل تجاوز أزمة مالية واقتصادية كبيرة قد تكلف العراق الكثير من الخسائر على المستوى الداخلي والخارجي”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى