أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

هيئة علماء المسلمين في العراق: الدعوات الطائفية للتيار الصدري تأتي في سياق الفشل المتكرر سياسيًا

القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق: لقد كان لزامًا على ممثلة الأمين العام أن تعلنها صراحة بأن مشكلة العراق تكمن في النظام السياسي المفروض عليه، وفي الأحزاب والقوى والميليشيات المهيمنة على مقدرات العراق والعراقيين، وقبل ذلك الاحتلال المستمر لبلد كان يومًا ذا سيادة واستقرار.

عمان- الرافدين
قال القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق إن الدعوة السياسية ذات البعد الطائفي من قبل مقتدى الصدر إلى جعل (غدير خم) عطلة رسمية، تأتي في سياق الفشل المتكرر سياسيًا للتيار الصدري بعد عدم استطاعته تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الماضية، وترك مقتدى الصدر المجال لخصومه السياسيين لقيادة الـمرحلة السابـقة وتـشكيل الحكومـة، فضلًا عن إعلانه قبل مدة عن (التيار الوطني الشيعي)، الذي أظهر عدمَ إدراكه للواقع السياسي والاجتماعي، وتناقضه مع دعواته الإصلاحية، ومن ثم تسلّط أتباعه على الناس وإرهاب كل من يبدي رأيًا منتقدًا لشخصه أو سياساته أو تصرفات تياره.
وذكر التقرير الدوري الثالث عشر عن الحالة السياسية في العراق الذي صدر الثلاثاء عن القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق، بأن الإحاطة الدورية للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت المقدمة إلى الأمم المتحدة، لم تخرج عن إطار الإحاطات السابقة؛ فهي في عمومها تحاول إضفاء الشرعية على العملية السياسية في البلاد، والتغافل عن الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها أحزاب السلطة وميليشياتها وشخوصها، فضلًا عن بقاء السمة الأبرز في هذه الإحاطة كما في الإحاطات السابقة؛ وهي التناقض في وصف المشهد القاتم في العراق، الذي يبدو أنه خيار متعمد وثابت في هذه الإحاطات؛ لحسابات وأهداف تدور بين تلبية رغبات الاحتلال الأمريكي وبين الدوافع الشخصية.
وهنا النص الكامل للتقرير الدوري الثالث عشر عن الحالة السياسية في العراق الذي أصدره القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق.


أولًا: المحور الأول: التصعيد الطائفي

1- دعوة مقتدى الصدر إلى جعل (غدير خم) عطلة رسمية

في خطوة جديدة من خطوات التصعيد الطائفي في البلاد؛ دعا مقتدى الصدر بتاريخ (19/4/2024م) إلى اعتماد مناسبة (غدير خم) عطلة رسمية في العراق. ومناسبة (غدير خم): هي حادثة تأريخية، ومختصر ما فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع أصحابه عند بئر بين مكة والمدينة اسمه (غدير خم)، بعدما سمع أخبارَ غضبِ بعضهم على سيدنا علي -رضي الله عنه- بسبب حرصه على أموال المسلمين من الغنائم ومنعه التصرف بها قبل وصولها لرسول الله؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ).
وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث فيما حسنه آخرون، وبغض النظر عن صحته من عدمها، فإن هذا الخبر هو من الأحاديث التي تدل على مناقب سيدنا علي رضي الله عنه وفضله. ومعنى الحديث متفِق مع ما هو ثابت ومعروف ومعلوم للأُمة بالضرورة؛ من أن أفضل الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم- هم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-؛ لأن ثبوت فضلٍ معين لأحد الصحابة، لا يدل على أنه أفضلهم.
أما خبر (مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ)، فهو يدل على محبة علي -رضي الله عنه- ونصرته، وما يقترب من هذه المعاني التي يستحقها ووفت بها له الأمة، ولا يتعدى ذلك إلى إثبات ما ألحقه به الغالون من تقديمه -رضي الله عنه- على الصحابة كلهم، أو إلى الطعن فيهم بأنهم سلبوه حقًا من حقوقه -رضي الله عنه- ومما يدل على ذلك سيرة ومسيرة سيدنا علي الخليفة الراشد -رضي الله عنه- وعلاقته بالخلفاء الراشدين من قبل -رضي الله عنهم-.
وتأتي هذه الدعوة السياسية ذات البعد الطائفي في هذا التوقيت -فيما يبدو- في سياق الفشل المتكرر سياسيًا للتيار الصدري بعد عدم استطاعته تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الماضية، وترك مقتدى الصدر المجال لخصومه السياسيين لقيادة الـمرحلة السابـقة وتـشكيل الحكومـة، فضلًا عن إعلانه قبل مدة عن (التيار الوطني الشيعي)، الذي أظهر عدمَ إدراكه للواقع السياسي والاجتماعي، وتناقضه مع دعواته الإصلاحية، ومن ثم تسلّط أتباعه على الناس وإرهاب كل من يبدي رأيًا منتقدًا لشخصه أو سياساته أو تصرفات تياره.
ثم عاد مقتدى الصدر ليخرج في (17/5/2024م) بخطاب طائفي مقيت يعيد فيه مرة أخرى المطالبة بفرض (يوم الغدير) عطلة رسمية، ساردًا فيه كلامًا مليئًا بالتناقضات والمغالطات، التي لا تخفى على أي متابع للأحداث منذ (2003م)، وحتى يومنا هذا، ومعتمدًا فيه لغة تأجيج طائفي، تكتنفها عبارات فيها تهديد ووعيد لا تخطئه الأذن لمن يخالفه الرأي؛ مما ينذر بدخول العراق في موجة جديدة من المشاكل والفتن الطائفية.

2 – حملة التهجم على الصحابة الكرام

وفي السياق نفسه الذي خرجت فيه دعوة مقتدى الصدر؛ ظهر المدعو (علي تركي) وهو نائب عن ميليشيا ما تسمى (عصائب أهل الحق) في برنامج تلفزيوني حواري؛ وتطاول فيه على مسلمات الأمة وحقائق التأريخ، وتناول بالطعن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتجاوز بكل وقاحة على الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- وكال لهم عبارات السب واللعن، مدعيًا أنها من عقائدهم التي أوصى بها علماء آل البيت -رضوان الله عليهم-، ومستهينًا بعقائد السواد الأعظم من المسلمين.
وأثبتت هذه التجاوزات الخطيرة والسافرة، وما قبلها من تجاوزات مقتدى الصدر ونوري المالكي وغيرهم يقينًا؛ أن محاسبة المقصرين والمتجاوزين في العراق لا تسري على أصحاب السلطة من الميليشيات وأحزابها وشخوصها؛ لأنهم فوق القانون وإلا فقد تجاوز هؤلاء القوانين كلها التي وضعوها هم لأنفسهم وعلى مقاساتهم.
فضلًا عن تأكيدها على مُسلّمة عدم إمكان قيام نظام سياسي حقيقي في العراق -كما يدعون- في ظل تحكم الاعتقادات الخاصة، والمتبنيات الفكرية الفئوية، على أذهان وتصرفات من يدعون قيادة البلاد وسياسة الناس.

ثانيًا: المحور الثاني: العملية السياسية وما يتعلق بها

1- الإحاطة الدورية للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق
لم تخرج الإحاطة الدورية للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق (جنين بلاسخارت) المقدمة إلى الأمم المتحدة في (16/5/2024م) عن إطار الإحاطات السابقة؛ فهي في عمومها تحاول إضفاء الشرعية على العملية السياسية في البلاد، والتغافل عن الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها أحزاب السلطة وميليشياتها وشخوصها، فضلًا عن بقاء السمة الأبرز في هذه الإحاطة كما في الإحاطات السابقة؛ وهي التناقض في وصف المشهد القاتم في العراق، الذي يبدو أنه خيار متعمد وثابت في هذه الإحاطات؛ لحسابات وأهداف تدور بين تلبية رغبات الاحتلال الأمريكي وبين الدوافع الشخصية.
وقد بدأت الإحاطة بادعاء أن العراق يتقدم في مجالات الخدمات والإعمار، ثم وصفت البلاد بأنها تشهد عراقًا ناهضًا! والحقيقة أن هذا الوصف لا يتطابق مع الوضع في العراق، ولا يخفى على عاقل أو متابع لمعاناة العراقيين؛ أن من أكثر ما يعانيه الشعب العراقي بعد مآسي النظام السياسي وهيمنته؛ هي انعدام الخدمات وضروريات الحياة وأساسياتها أو هزالها على المستويات كافة، ولا سيما: الكهرباء، وإمدادات المياه، وفرص التعليم، وضروريات العلاج والعناية الطبية.
ولعله من غير المعقول أن يصمت العراقيون على ادعاء الممثلة الأممية توفر الخدمات الضرورية في العراق. أما توفير البيئة الآمنة للمستثمرين فيكفي الرد على الإحاطة بما صرحت به السفيرة الألمانية في بغداد (كرستيانا هومان) عندما كشفت عن: أن مستثمرين ألمانًا قد تعرضوا للابتزاز، وطُلب منهم دفع الأتاوات في العراق.

الصورة المزيفة التي تقدمها بلاسخارت للأوضاع السياسية في العراق تعكس فساد الممثلة الأممية كجزء من فساد الطبقة السياسية الحاكمة

ويبدو التناقض في إحاطة المبعوثة الأممية فجًا وصريحًا في مواضع عدة؛ فهي تعترف بأن “مؤسسات الدولة ما تزال هشة”؛ ولكنها سرعان ما تحاول معالجة هذا الاعتراف بقولها: “حان الوقت للحكم على البلد على أساس التقدم المتحقق، وطي صفحة الصور الأكثر قتامة لماضي العراق”؟! وكيف يكون ذلك وصور القتامة ومظاهرها تتكاثر يومًا بعد يوم وتستمر في إنتاج واقع سوداوي.
ثم تعود (بلاسخارت) لوصف الحالة في العراق عندما تعترف مرة أخرى بوجود ما وصفته: بآفات الفساد، والفئوية، والإفلات من العقاب، والتدخل غير القانوني، ووجود الجهات المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة، والتهميش والإقصاء الذي يطال فئات معينة من الشعب وينتشر في أوساطها، والاستئثار بالسلطة، والسياسات العقابية على شريحة واحدة من المجتمع، وتقصد بها هنا كما لا يخفى (السنة) في العراق؛ منبهة على زيادة عمليات الإعدام الجماعية غير المـُعلنة، وكيف أن هذه الزيادة هي مصدر قلق كبير، ومشيرة إلى عدم وجود فضاء مدني فاعل يتمتع بالتمكين والحماية.
أما على صعيد المشاكل والتجاذبات السياسية؛ فقد تضمنت الإحاطة ذكر: وجود مشاكل سياسية في مجلسي محافظتي: ديالى وكركوك، ومشكلة اختيار رئيس مجلس للنواب، وأشارت أيضًا إلى وجود تداخل بين السلطات عند حديثها عن تدخل المحكمة الاتحادية لحل الخلافات الدستورية الكثيرة، ووصفت هذه التدخلات بأنها مقلقة.
ثم انتقلت إلى بيان الوضع في (سنجار) عندما صرحت: بأن الزمن قد توقف في سنجار إذ لا تزال المدينة تقبعُ تحت الركام على الرغم من مرور (9) سنوات من سيطرة السلطات الحكومية على المدينة. ثم أشارت إلى أن (سنجار، وجرف الصخر) ومناطق أخرى تسيطر عليها جماعات مسلحة لا تسمح بعودة النازحين إليها ولا تسمح لأحد حتى بزيارتها، وهي بذلك تشير إلى أن المناطق التي هجر منها أهلها بالقوة، ولم تستطع لا هي ولا غيرها من الوصول إليها بسبب سيطرة الميليشيات الإرهابية عليها؛ لكنها كعادتها لا تصف الحقائق بوصفها الصريح وتحابيها لاعتبارات خاصة بها تتناقض مع طبيعة مهمتها الدولية!
وتخلص الإحاطة بعد ذكر ما تقدم إلى حقيقة مفادها: “عدم وجود حالة من الاستقرار في العراق”؛ ولكنها تعود سريعًا لتتناقض مع نفسها وتصرح بالقول: “يسعدني أن أقول إن العراق تسوده في الوقت الحالي بيئة أمنية أكثر استقرارًا”، ثم تناقض نفسها مرة أخرى وكأنها تريد إيجاد عذر لخطئها في تقويم الأمور ووصف الحالة كما هي؛ فتقول: “ومع ذلك، ونظرًا للمشهد المعقد في البلاد والمتمثل بوجود جهات مسلحة تعمل خارج سلطة الدولة، بالإضافة إلى الضغوط الإقليمية الشديدة، فإن الوضع لا يزال قابلًا للاشتعال وبعبارة أخرى، إن خطر سوء التقدير لا يزال عاليًا جدًا”.
ثم ختمت المبعوثة الأممية إحاطتها بقولها: “في بعض الأحيان كان المجتمع العراقي والإطار السياسي على وشك التداعي، وليس بوسعنا أن نتوقع اختفاء الظروف التي سمحت بهذا الاختلال بين عشية وضحاها… وهناك تحديات مستمرة وخطيرة…”.
ولعل مما خلت منه الإحاطة كعادتها؛ هو التطرق لموضوع العراقيين الذين قتلتهم الميليشيات وما زالت تغيبهم قسرًا أو تقتلهم بطريقة أو أخرى؛ حيث إن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة التغيير الديمغرافي؛ ما زالت مستمرة تحت نظر الحكومات وفي ظل العملية السياسية.
لقد كان لزامًا على ممثلة الأمين العام في العراق أن تعلنها صراحة -بحسب ما يمليه عليها منصبها المهم-: بأن مشكلة العراق تكمن في النظام السياسي المفروض عليه، وفي الأحزاب والقوى والميليشيات المهيمنة على مقدرات العراق والعراقيين، وقبل ذلك الاحتلال المستمر لبلد كان يومًا ذا سيادة واستقرار.

2- معاناة النازحين

ملف النازحين في العراق ملف طويل ومؤلم؛ حيث ما زالت معاناة النازحين مستمرة منذ عدة سنوات، وهم يخرجون من محنة ليدخلوا في محنة أخرى أشد منها؛ ولا سيما وهم يواجهون الآن كارثة نزوح جديدة تزيد من معاناتهم؛ فبعد أن أكرهوا على ترك منازلهم وأراضيهم وأعمالهم ولجؤوا إلى مناطق أخرى داخل العراق للحصول على مأوى يحميهم من بطش وسطوة الميليشيات من جهة ومن الانتهاكات الحكومية من جهة أخرى؛ ها هي حكومة السوداني تجبر النازحين على النزوح مرة أخرى؛ لكن هذه المرة من مخيمات النزوح في (كردستان العراق) إلى المجهول.
إن سعي وزارة الهجرة في الحكومة الحالية إلى غلق المخيمات وإجبار النازحين على الخروج منها؛ هو بحد ذاته تشريد لهم مرة أخرى، فهم ما زالوا يقيمون في هذه المخيمات بأعداد كبيرة نتيجة عدم استطاعتهم العودة لمدنهم وبلداتهم التي نزحوا منها، ولا سيما سكان المناطق التي أخليت من ساكنيها واستولت عليها الميليشيات في محافظات: بغداد والأنبار وبابل وديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل.

توجه حكومي لتسوية منقوصة لملف النزوح في العراق

وبدل أن تُخرج الحكومة الحالية الميليشيات من المناطق والقرى والمدن التي تستولي عليها وترجع أهلها إليها، ها هي الآن تجبر النازحين على ترك الخيام والتشرد بالعراء واختيار مناطق جديدة لهم للعيش فيها في موعد أقصاه (1/7/2024)؛ وهذا يؤكد أن الحكومة والميليشيات تتبادلان الأدوار فيما بينهما لإعادة تهجير النازحين وتقرير الأمر الواقع في مناطقهم، التي لا يستطيعون العودة إليها وبما يؤدي إلى تكريس حالة التغيير الديمغرافي.
علمًا أن الحكومة في بغداد قد أهملت هذه المخيمات من حيث توفير الخدمات الأساسية، وأغلقت قبل مدة ممثليات مديريات التربية في محافظات (كردستان العراق)؛ مما زاد من معانتهم وأغلق أمامهم سبل مواصلة التعليم.

3- الأزمة السياسية:

يبدو أن أزمات العملية السياسية البائسة في العراق لم تنتهِ ولن تنتهي في المدى القريب أو المتوسط. وبغض النظر عن موقفنا من هذه العملية، التي طالما وصفناها بأنها (أُسُ) المشاكل و(أصلُ) معاناة العراقيين؛ فإن الانقلابات على الاتفاقات بين الشركاء المتشاكسين فيها؛ قد أصبحت هي القاعدة المستمرة، وأن السير نحو الاستحواذ على جميع السلطات؛ أضحى هو السمة البارزة في صراعاتهم.
ولعل مشكلة منصب رئاسة مجلس النواب المستمرة منذ مدة ليست قصيرة، واستخدام المحكمة الاتحادية مرة أخرى لحسم الأمور فيها وإبعاد (رئيس المجلس) السابق وإنهاء عضويته ومحاولات التعويض عنه بشخص أكثر قربًا من منظومة الحكم الطائفية بغض النظر عن خيار ما تسمى (القوى السنية)؛ هي الشاهد الأبرز على ذلك في هذه المرحلة؛ حيث تستمر بعض الأحزاب الطائفية المهيمنة على القرار والحكم -بمرور الوقت وضعف السياسيين السنة- في التدخل في المرشحين لهذا المنصب، وفرضه عليهم، سواء قبلوا بذلك أم لم يقبلوا؛ حيث لا يكون لهم من أمرهم إلا ما تريده لهم هذه الأحزاب الطائفية، في إعادة صناعة متكررة لمشهد الهيمنة والافتيات والاستخفاف بهم، ممن يدعون التوافق والشراكة في الحكم معهم؟!.
وهذا ما كنا نحذر منه دائمًا ومنذ بدء فرض العملية السياسية ومخرجاتها على الشعب العراقي، وبما يشير إلى أن المرحلة القادمة ستكون أكثر سوءًا مما سبقها، وأن صراع الأحزاب سيشتد وسيكون الشعب هو الخاسر الأكبر.

ثالثًا: المحور الثالث: الشأن العربي والإسلامي

طوفان الأقصى
بعد ما يربو على ثمانية أشهر من عمر معركة طوفان الأقصى وما يصاحبها من عدوان صهيوني وجرائم إبادة جماعية يرتكبها كيان الاحتلال بحق المستضعفين من أهالي قطاع غزة؛ يُبرز المشهد في القطاع جملة من الحقائق، أبرزها:
امتداد المعركة طوال المدة الزمنية، وبما يكشف عن طبيعة الإستراتيجية التي يتبعها كيان الاحتلال الذي بات يتكئ على عامل الزمن المصاحب لحالة الإيغال في الإجرام بحق المدنيين، للتغطية على فشله الذريع في تحقيق شيء من أهدافه التي أعلنها ولا سيما ما راهن عليه بعد بدء المعارك البرية، حين وجد نفسه يخوض في مراحل متلاحقة من الإخفاقات، مع ما يسعى إليه لمجاراة أزمة حكومة (نتنياهو) على الجوانب الأخرى كافة والتي تتفاقم بمرور الوقت وتهدد بمزيد من التصدعات في داخل الكيان نفسه.
وفي المقابل؛ تؤكد هذه المدة من عمر المعركة؛ صمود المقاومة الفلسطينية وثباتها بموازاة الفعاليات النوعية التي أرغمت وسائل إعلام العدو على الإكثار من تداول البيانات التي تُصدّر بعبارة “سُمح بالنشر”، التي تـتضمن في العادة كشفًا عن أرقام وحجم الخسائر البشرية من قتلى وجرحى في صفوف جنود العدو ومرتزقته برغم أن الأرقام المعلنة أقل بكثير من الواقع.


شاهد على حرب الإبادة

عودة المواجهات إلى مناطق شمال القطاع التي سبق لجيش الاحتلال أن أعلن عن السيطرة عليها؛ على الرغم من أن الأنظار كلها كانت تتجه صوب رفح في الجنوب، وفي تجدد إطلاق الرشقات الصاروخية من قطاع غزة صوب مستوطنات الاحتلال؛ تكشف عجز الاحتلال عن الإمساك بالأرض التي يتوغل فيها من جهة، وصدق المقاومة في ثباتها وصمودها دون انكسار رغم الألم الكبير والجرح الغائر الذين ألحقه العدوان بأهالي القطاع، من جهة أخرى.
وُفقت المقاومة بموافقتها على الهدنة ذات المراحل بينما كانت حكومة (نتنياهو) تُصعّد من لهجتها التهديدية صوب رفح؛ الأمر الذي جعل العدو في مأزق حقيقي، وتردد محرج بين قرارين: إما التمرد على الوسطاء ورفض الهدنة وإما الرضوخ إلى القبول بها والنزول عند شروطها؛ فأما القرار الأول فإنه يعمّق من غطرسة الكيان الصهيوني تجاه الرأي العام، ويظهر تماديه في الاستخفاف بمستوطنيه وعدم اكتراثه بحياة أسراهم أو بتداعيات الحرب على ما يسمى (المجتمع اليهودي)، التي استنزفت منه خسائر فادحة سواء من الجنود والضباط على الصعيد العسكري، أو بالخسائر الاقتصادية وما يلحق بها من أزمات سياسية، وأمّا القرار الآخر فهو يعني الفشل التام في حملته العسكرية على القطاع بالكلية؛ لأنه لم يستطع تحقيق الحد الأدنى من أهدافه كما أسلفنا.
ولما كانت الكثير من الشعوب المسلمة والعربية تتظاهر، وتحتج، وتقاطع، وتتبرع بالمال، وتلهج بالدعاء، وتبذل وسعها وتقدم من الجهود ما تستطيعه برغم ما يُفرض عليها من حالات التضييق والاستضعاف والتقييد والمحدودية في التعبير والتحرك؛ فإن الواجب يقتضي عليها زيادة الزخم، وإعلاء الصوت وبذل المزيد من المواقف على المستويات كافة؛ لأن وتيرة العدوان وتأثيره وإيغاله في الإبادة تتناسب كلّها بشكل طردي مع عامل الوقت، ولا يمكن صدّ التصعيد الذي يكون على هذه الوتيرة إلا بزخم مكثف وجهد مضاعف.
2- مركز تكوين
في تحدٍ صارخٍ لمشاعر الأمة وما تؤمن به ظهرت من بين ركام التوهمات الفكرية، والتشوهات المعرفية، ومدابرة الثوابت ومصادمتها؛ خزعبلات نقدية تستند على انكفاء العقول؛ ومحاولات بائسة تريد التكسب من بيع الأمراض وتسويق الوهم وبث التشكيك في عقلية الأمة مُتسمية باسم (مركز تكوين)، الذي أعلن عن تأسيسه قبل مدة قصيرة في القاهرة.
وكان يمكن للمجموعة المؤسسة لهذا المركز، أن يكون لها اسم من جنس المسمى كما هو معتاد في التسميات؛ لكنه جاء هذه المرة بالضد منه فقد تسموا بالتكوين، وهم جميعًا غير قادرين على التمكن من القيام بما كلفوا به من دوائر بث الشبهات وتكوين مراكز شلل العقول؛ ليمارسوا هذه المرة تشكيكًا صارخًا في وضح النهار وأمام الأمة جميعًا.
ويدل فعلهم هذا على أن العدو -بثوبه الفكري- يريد بدء مرحلة جديدة من مراحل عدوانه على ثوابت الأمة وفكرها وثقافتها عن طريق تعميق منهجية الاستخفاف هذه المرة؛ حيث وصل -فيما يبدو- إلى مرحلة عدم الاكتراث لردود الأفعال؛ ظنًا منه أن إبر التخدير ومشارط التقطيع قد فعلت فعلها في جسد الأمة، الذي نريد له القيام ويعمل غيرنا على بقائه مقطعًا مشلول الإرادة.
إن الموقف الذي نراه جديرًا إزاء هذا المشروع الجديد القديم؛ يتجسد في ضرورة العمل بوعي تامٍ وعالٍ على التحذير منه، وأن تكون الأمة بشبابها وشيبها ورجالها ونسائها على علم بخطورة هذه الخطوة، وأن يتبع ذلك استنفار من العلماء الأعلام؛ ليوجهوا الأمة إلى كيف يكون الرد وماذا يجب من موقف؛ فليس صحيحًا تجاهل هؤلاء؛ فإن لهم منابر ومراكز ومؤسسات تعمل على ترويج هذه الأفكار وإدخال الشك في قلوب الضعفاء فكريًا من المسلمين.
والتصدي لهؤلاء مناط بالأمة جميعًا وبنخبها المثقفة المدركة خصوصًا، وإفهام المسلمين وإنذارهم واجب على علمائها ودعاتها المخلصين؛ ولذلك وجب شد الهمة وإعداد البرامج وتعزيز الدراسات والتمكين لأدوات الرد وآلياته؛ لتكوين رأي حصيف معتبر يكون ثقافة للأمة، ووسيلة لرد العدوان الذي يتهدد حصونها من الداخل والخارج على حد سواء.

أمهات المعتقلين: “كافي ظلم كافي طلعوا المعتقل”
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى