دوائر حكومية تتخذ من بيوت متهالكة مستأجرة مقرًا لها
دوائر التسجيل العقاري والأحوال المدنية والضريبة في العراق تتخذ من مبان قديمة ودور سكنية مستأجرة من قبل أصحاب الأملاك الخاصة وبأسعار مرتفعة، من دون معرفة كيف تجري هذه الآلية في ظل عدم وجود قانون للشراكة مع القطاع الخاص.
بغداد – الرافدين
آثار مراقبون تساؤلات حول ما يجري من قيام بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية بإيجار مبانٍ ودور سكنية، لغرض استغلالها كمواقع إدارية لإكمال المعاملات الخاصة بالمواطنين، خصوصًا أن الكثير منها غير مؤهل، لأن يكون كدائرة تتوفر فيها البنى التحتية واللوجستية لاستقبال حشود المراجعين.
وتأتي التساؤلات في وقت ما زالت دوائر التسجيل العقاري والأحوال المدنية والضريبة وغيرها من المؤسسات الحكومية تتخذ من مبان ودور سكنية مستأجرة من قبل أصحاب الأملاك الخاصة وبأسعار مرتفعة، من دون معرفة كيف تجري هذه الآلية في ظل عدم وجود قانون للشراكة مع القطاع الخاص.
وطبقت حكومات ما بعد عام 2003 إجراءات لاستئجار منازل يملكها مواطنون أو استخدام أخرى سكنية تابعة للدولة دوائر رسمية.
وزعمت أن الإجراءات ترتبط بالحاجة إلى استحداث دوائر جديدة تستوعب متطلبات المواطنين، منها كتاب العدل والمجالس المحلية في دوائر المحافظة، وتلك للنفوس في وزارة الداخلية، ودوائر المرور التابعة للداخلية أيضا، ودوائر البطاقة التموينية التابعة لوزارة التجارة وغيرها.
وزعمت الحكومة حينها أن تدابيرها “مؤقتة”، لكنها استمرت وتوسّعت لأنها أقل كلفة من إنشاء الحكومة مباني جديدة لدوائرها الرسمية.
وتعد مرافق هذه الدوائر غير صحيّة وغير مناسبة، وتتسبب في اكتظاظ عدد المراجعين وصولاً إلى حصول اختناقات بينهم بسبب الزحام وعدم القدرة على استيعاب عدد كبير من المواطنين.

وشكا مواطنون من استمرار اعتماد الحكومة على مباني وبيوتًا قديمة ومتهالكة واستخدامها كدوائر رسمية في محافظات عدة، لاسيما أنها لا تقدم الخدمات المطلوبة وغير مؤهلة لأن تكون دوائر رسمية تتسع للموظفين والمراجعين.
وطالب المواطنون تشييد مبانٍ حديثة لتكون دوائر رسمية أو استخدام المباني والقصور الرئاسية وتحويلها إلى دوائر حكومية وخدمية بدلًا من أن تكون مقرات للأحزاب والميليشيات كما هو الوضع الأن.
وأوضح إبراهيم الزيدي، العضو في المجلس محافظة بغداد، أنّ “الفكرة الأساس من إنشاء دوائر رسمية في منازل سكنية هي خدمة المواطنين، وأن تكون الدوائر قرب مناطق سكنهم، وهذه فكرة جيدة لكنها يجب أن تكون مؤقتة وغير دائمة، فالدوائر ذات تصاميم خاصة، ولا يمكن في أي حال تحويل تصميم بيت إلى تصميم دائرة”.
لكن يبدو أن هذه الفكرة لا يوجد لها بديل لدى الحكومة حتى الآن، إذ لم تخطط لاستحداث مبانٍ جديدة بدلاً من الدوائر المتهالكة بحسب مسؤولين.
ويحاول مسؤولون في الحكومة الحالية إلقاء اللوم على الحكومات السابقة التي تعاقبت بعد 2003 وأنها تراكمت على الحكومة الحالية.
ويقول المسؤول في وزارة التخطيط محمد الهاشمي إن “المشكلة تتثمل في التراكمات التي تسلمتها الحكومة الحالية من الحكومات السابقة. وأن كل البنى التحتية للمؤسسات الحكومية تحتاج إلى توسيع، والمخصصات المالية لا تكفي لفعل ذلك”.
وأكد على أن الحكومة الحالية لا تملك حاليًا خططا للمدى القريب تحديدًا من أجل استبدال هذه الدوائر بمبان جديدة، وهي لا تستطيع بناء مبنى جديد وفقًا للمتطلبات الحديثة بدلاً من كل دائرة وذلك بسبب قلة المخصصات المالية لهذا الامر”.
ولا تقتصر المشكلة في بغداد وحدها، حيث تعاني أغلب محافظات ومدن العراق من المشكلة ذاتها ولاسيما في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية، مثل البصرة التي يعاني أهلها من سوء الدوائر الحكومية والاكتظاظ أثناء المراجعات.
وأبدى مراجعون لدائرة كاتب العدل في البصرة استياءهم وانزعاجهم بسبب سوء مبنى الدائرة الحكومية، الذي هو عبارة عن منزل صغير متهالك، وطالبوا بتغيير المبنى من خلال شكوى قدمها المراجعون إلى وزارة العدل.
وناشد مواطنون عبر صفحات التواصل الاجتماعي إنهاء العمل الرسمي في المنزل القديم والصغير واستحداث مبنى جديد يستوعب عدد المراجعين، إذ لا يمكن أن يستمر العمل في هذا المنزل.
ولم يصدر أي رد رسمي من قبل وزارة العدل والجهات المسؤولة عن متابعة شكاوى المواطنين، علمًا أن السلطات تلتزم الصمت المطبق في شأن الملف المتفاقم منذ سنوات، والذي لم يجد أي حلول.

يأتي ذلك في وقت طالب فيه مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي بالكشف عن إعفاءات أو بدلات إيجار بأسعار رمزية يمنحها مسؤولون للجهات المستأجرة للكثير من عقارات الدولة وذلك لقاءَ مصالح قد تكون نسبًا مالية أو مساهمة استثمارية.
وفي الوقت الذي تستأجر فيه الدولة بيوتًا متهالكة بأسعار مرتفعة وتحولها كدوائر حكومية، تفيد معلومات بأن هناك مسؤولين عراقيين منحوا أشخاصا منازل تابعة للدولة في بغداد بأسعار لا تتناسب مع العقار وقيمته في مؤشر على استغلال موقعه الوظيفي لأجل مصالح خاصة.
ووصل الأمرَ إلى منح عقارات لأشخاص متصدين للتحليل السياسي في القنوات الفضائية ومنصات التواصل بأثمان مخالفة لبدلات الإيجار القانونية مقابل إظهار جهد ذلك المسؤول بشكل إيجابي.
ومع تحجج الحكومة بقلة التخصيصات المالية لتوسيع الدوائر الحكومية اقترح مختصون بأنه على المؤسسات الحكومية التي تعجز عن تطوير وتوسيع مجال تخصصها الفني أو الإداري، بسبب تهالك مبانيها وبناها التحتية، أن تستعين بأموال القطاع الخاص، إذا لم تجد التمويل الحكومي، ومن خلال الخدمات التي تقدمها، يمكن لها أن تستوفي الأرباح لجميع الأطراف المعنية وهي الدولة والمستثمر والمؤسسة الحكومية، لاسيما أن أغلب هذه الدوائر تأخذ أموالًا كبيرة من المراجعين.
وأكدوا على أن تنظيم معاملات المراجعين عبر البوابات الإلكترونية سيكون الحل الأمثل لتسهيل معاملات المواطنين وتغنيهم عن مراجعة الدوائر الحكومية التي ليس فيها ما يوحي بأنها دائرة حكومية، ولا تتوفر فيها الشروط التي تعمل على راحة المواطن.