لماذا فرط السوداني بحقوق تعويض العراقيين؟
اطلعت على مقالة تؤكد قيام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإلغاء لجنة تعويضات الحروب التي شنتها الولايات المتحدة وحليفاتها على العراق منذ عام 1991 وبشكل مستمر ولغاية اليوم حيث تحولت الحروب النظامية إلى حروب القصف الجوي والبدرونات.
إن من أهم تبعات هذه الحروب هو قيام أمريكا وبريطانيا بتلويث العراق بمئات الأطنان من أسلحة اليورانيوم المنضب الإشعاعية لمناطق البصرة والناصرية والفلوجة والحلة والنجف وبعقوبة والقادسية وغيرها من المدن العراقية، ناهيك عن التلوث الناجم عن قصف مفاعلات الطاقة النووية في التويثة لثلاث مرات. يضاف لذلك التلوث الصناعي والكيمياوي الناتج عن القصف المتعمد للمصانع ومحطات تكرير النفط والبتروكيميائيات والأهداف المدنية وحرق مساحات كبيرة من غابات النخيل ومئات الآلاف من الوحدات السكنية والمؤسسات الحكومية الخدمية والبنى التحتية والتي يفترض أن تكون محمية باتفاقيات جنيف وملاحقها بما يعطي للعراق الحق القانوني للمطالبة بالتعويضات المالية والفنية عن الخسائر الجسيمة التي تحملها طيلة العقود الماضية.
لقد تم تشكيل لجنة تحديد أضرار الحرب والمطالبة بالتعويضات منذ عام 1992. وقدمت هذه اللجنة لمجلس الأمن العديد من المذكرات التي تطالب بالتعويضات على وفق ما جاء في القانون الدولي أثناء الحصار الاقتصادي الجائر إلا أن هذه المذكرات لم تلق استجابة من المنظمة الدولية بسبب الموقف الأمريكي المعادي للعراق وبدعم مما يسمى في حينها بدول التحالف الدولي ضد العراق.
ولا شك أن عمل لجنة التعويضات تم تغييره على نحو جوهري بعد الاحتلال غير القانوني للعراق منذ عام 2003. إذ بدأت حكومات المنطقة الخضراء بتقديم التنازلات لواشنطن عبر تزييف الحقائق وتوجيه اتهامات باطلة للنظام الوطني قبل الاحتلال بتلويث العراق بديلا عن دول الغزو والعدوان والاحتلال.
وعلى ما يبدو أن هذه اللجنة عجزت لمدة تزيد على عقدين من الزمن عن الحصول على أي مكتسب للعراق عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية على الرغم من أن التلوث الإشعاعي كان يحصد أرواح عشرات الآلاف من العراقيين وبخاصة في مناطق جنوب العراق وتفاقم التدهور البيئي على كافة الأصعدة من شماله إلى جنوبه نتيجة تدمير مرتكزات السلامة والإدارة البيئية الكفوءة.
إن اللافت للنظر في هذا الموضوع الحيوي هو توقيت الغاء لجنة الأضرار الذي جاء بعد قيام المحاكم في دول أوربية مثل ايطاليا وفرنسا وحتى بريطانيا بإقرار التعويضات للجنود اللذين تعرضوا لتلوث اليورانيوم المنضب بحروب كوسوفو والبانيا بملايين الدولارات علما أنهم تعرضوا أثناء الواجب القتالي لهذه الاسلحة التي استخدمتها بريطانيا وأمريكا في (2001-1999)، فكيف إذا كانوا مدنيين عراقيين تم قصف مدنهم بهذه الاسلحة الاشعاعية بشكل متعمد مثل الزبير وصفوان وجبل سنام وغرب البصرة والسماوة والفلوجة وبغداد والحلة والناصرية وغيرها مع توافر الاثباتات كافة والتي تم تثبيتها في البحوث التي المنجزة منذ عام 1993 لغاية 2003.
لقد سبق وان أشرنا لهذا الموضوع في مقالة سابقة جاء فيها نشر “فيل ميلر” بتاريخ الثاني من أيار 2023 مقالة عنوانها حول قرار المحاكم الإيطالية بتعويض ثلاثمائة جندي إيطالي بملايين الدولارات من الذين تعرضوا للتلوث الإشعاعي لأسلحة اليورانيوم المنضب أثناء مشاركتهم في الحرب في كوسوفو مع قوات حلف الناتو عام 2001، علما أن كمية قذائف اليورانيوم المنضب التي استخدمت في هذا الحرب لم تتجاوز (12.5) طن في حين أن كمية أعتدة اليورانيوم المنضب التي استخدمت ضد العراق تجاوزت (800) طن وتعرض لها في حرب الخليج الأولى عام 1991 مئات الآلاف من سكان محافظات البصرة والناصرية والمثنى وفي العمليات العسكرية لاحتلال العراق في 2003 أعادت قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني استخدام هذه الأسلحة في نفس المناطق السابقة وضاعفت خطورة إصابة سكانها بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والعقم واللوكيميا والفشل الكلوي وكذلك وسعت نطاق استخدامها في نفس المناطق السابقة وضاعفت خطورة إصابة سكانها بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والعقم واللوكيميا والفشل الكلوي وكذلك وسعت نطاق استخدامها في مناطق النجف والحلة وبغداد وبعقوبة وسامراء والفلوجة وغيرها من مناطق العراق.
إن إقرار التعويضات للجنود الأوربيين اعتراف صريح من قبل المحاكم في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا التي استمرت أكثر من عشر سنوات تستعين بالاختصاصيين من أطباء وعلماء بيئة وبايولوجي بأن أسلحة اليورانيوم المنضب المشعة هي التي سببت لهؤلاء الجنود الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والوفيات.
وهنا يأتي السؤال المهم: هل ضغطت الولايات المتحدة على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن لإنهاء عمل هذه اللجنة؟ وإذا كان هذا هو واقع الحال، إلى متى يتم التنازل عن حقوق العراق وشعبه وثرواته ومستقبل أجياله لتضمن أمريكا وحليفاتها بقاء كراسي الحكم في الخضراء؟