أخبار الرافدين
د.أيمن العاني

الوقوف مع المظلوم.. حين يُصبح الحقُ تهمة!

تخيلوا أن إنسانًا يقول كلمة حقٍّ فيُعاقَب، وأن من يدافع عن المظلوم يُتَّهَم، وأن من يلتزم بالعدل يُنظَر إليه وكأنه متمرِّد! فعندما تنقلب الموازين، يُصبح الصمت أمانًا، والكلام خطرًا، ويغدو الحق تهمة، والباطل وجهة نظر!.هذا المشهد ليس خيالًا؛ بل هو واقعٌ نراه ونعيشه جميعًا، حين يُظلَم الإنسان لا لذنبٍ ارتكبه؛ بل لأنه تمسك بمبدأ أو قال كلمة صدق؛ من هنا، كانت هذه المحاضرة التي نحاول من خلالها التذكير بقيمةٍ عظيمةٍ ألا وهي: نصرة المظلوم.. حين يكون الحق تهمة.
ومن جملة الأسباب التي دفعتنا لتقديم هذه المحاضرة ضمن نشاطات هذا المجلس الثقافي الموقر:
أولًا: توضيح واقع معكوس في كثير من الأحيان، عندما يعيش الناس في زمنٍ يُصبح فيه الحق موضع اتهام، ويُظلم من يتمسك بالمبادئ، ويُمدح من يتلون أو يصمت. هذه المحاضرة تسلط الضوء على هذا الاختلال الأخلاقي في ميزان القيم.
ثانيًا: إحياء قيمة (نصرة المظلوم)؛ فنصرة المظلوم مبدأ إسلامي وإنساني راسخ، قال النبي (ﷺ): “انصر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا”. وعندما سُئل: كيف ننصره ظالـمًا؟ قال: “تمنعه من الظلم فذلك نصرُك إيّاه.”
ثالثًا: بيان ثمن السكوت عن الظلم؛ فهذه المحاضرة تُذكّر الناس بأن السكوت عن الظلم مشاركة فيه، وأن الوقوف مع الحق واجب حتى لو كان ثمنه باهظًا.
وأنه في كل الأحوال يظل ثمن الوقوف مع الحق محدودًا مقارنة بثمن السكوت عن الظلم؛ لأن الخضوع لإرادة الظالم وعدم إنكار أفعاله له عواقب وخيمة منها: الفتن والمحن التي تصيب الجميع، وليس فقط الظالمين، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: 25]؛ فالتحذير ليس فقط للظالمين؛ بل لكل من يرى الظلم ولا يغيره ولا ينكره، لأن الفتنة تعم الجميع إذا لم يقم الناس بالواجب عليهم.
ومن أخصِّ ما يُذكر ها هنا ما روي بإسنادٍ صحيحٍ عن الصّديق -- أنَّه خطب الناس بعد وفاة النبي (ﷺ) فقرأ عليهم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: 105]، وقال: “أيُّها الناس، إنَّكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعتُ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه) (رواه أبود داود والترمذي).
وهذا الحديث يُفيد وجوب الحذر من السكوت على المنكر، وأنَّ المؤمن يُنكر المنكر حسب موقعه وإمكاناته، وهذا معنى قوله (ﷺ): )مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان( (رواه مسلم).
رابعًا: رفع الوعي المجتمعي: تسعى المحاضرة إلى تعزيز الوعي بأن من يتكلم بالحق ليس عدوًّا للمجتمع؛ بل هو الذي يحميه من الانحدار. فهي دعوة إلى الجرأة الأخلاقية وتحمل المسؤولية في قول الحق والثبات عليه.
خامسًا: إبراز البعد الإنساني والشرعي: تجمع المحاضرة بين الجانب الإنساني في الدفاع عن الكرامة والعدالة، وبين الجانب الشرعي المتمثل بالتزام أوامر الله في العدل ونبذ الظلم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ..﴾ [المائدة: 8].
سادسًا: تشجيع المصلحين وأصحاب المبادئ: ومن أهداف المحاضرة أيضًا؛ رفع معنويات كل من يُتهم لأنه صادق، ويُحارب لأنه متمسك بالحق، وإشعار أفراد هذه الفئة المجتمعية المهمة أنهم ليسوا وحدهم، وتأكيد أن الابتلاء في سبيل الحق سُنة الأنبياء والمصلحين.
أيها الجمع الكريم: نلتقي اليوم في زمنٍ تتكلم فيه الشعارات باسم العدالة، وتُخنق فيه الحقيقة باسم النظام الدولي، وبات الوقوف مع المظلوم جريمة بنظر من لا يملكون سوى القوة بلا ضمير، وبلا وعي، وبلا إنصاف. هذه القوة التي تتفنن في صناعة الروايات وقلب الوقائع؛ حتى يصبح القاتل ضحية، والمظلوم مُدانًا، والشهادة على الجريمة تحريضًا يستوجب العقاب.
نلتقي في زمنٍ يُتَّهَم فيه صاحب الحق بجرم، ويُلاحَق فيه من يقول كلمة صدقٍ كأنه اقترف ذنبًا عظيمًا، بينما يُصفَّق للمنافق، ويُرفَع شأن من باع ضميره وسكت عن الظلم؛ ومن هنا تأتي هذه المحاضرة لنُذكِّر أنفسنا أن الوقوف مع المظلوم ليس خيارًا؛ بل واجبٌ شرعيٌّ وإنسانيٌّ وأخلاقيٌّ لا يسقط مهما تغيّرت الظروف أو تبدّلت الموازين، وإن الحق لا يفقد قيمته حين يُحارَب، والمظلوم لا يضعف حين يُخذَل.
ولئن كان في قول الحق ثمن يدفعه صاحبه، فإن للسكوت عن الظلم ثمن يدفعه المجتمع كلّه حين يضيع منه العدل ويُرفع فيه صوت الباطل.
وسنبحث اليوم معًا كيف ننصر المظلوم بالكلمة والموقف، وكيف نحمي الحق حين يُتَّهَم، وكيف نحافظ على ضمائرنا حيّةً في وجه الخوف والمصالح والضغوط.

المحاور الأساسية
المحور الأول: معنى النصرة ومكانتها في الإسلام:
قال تعالى: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار﴾ [هود: 113]، وهذا تحذير واضح من الميل إلى الظالمين أو الركون إليهم أو الرضا بأفعالهم الظالمة؛ لأن ذلك يؤدي إلى عقاب الله بالنار والعذاب يوم القيامة. وتوضح هذه الآية أيضًا: أن الركون إلى الظالمين يشمل: الميل، والموافقة، والاطمئنان إليهم.
وقال (ﷺ): (انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا) (رواه البخاري).
– الفرق بين النصرة العاطفية والنصرة الواعية:
النصرة العاطفية: هي المساندة التي تنبع من العاطفة أو الانتماء الشخصي، دون تمحيص أو بحث عن الحقائق. ودافعها: العاطفة، والقرابة، والصداقة، والانتماء القبلي أو الحزبي أو الطائفي.
أما سماتها؛ فهي:
1- غلبة الانفعال السريع عليها، وردّ الفعل المؤقت.
2- قد تؤدي إلى الظلم أو الانحياز دون حق.
3- لا تعتمد على أدلة أو تفكير منطقي.
ومثال ذلك: أن تدافع عن ابن عمك في خلاف لمجرد أنه قريبك بالدم، دون أن تتحقق من كونه ظالمـًا أم مظلومًا.
أما النصرة الواعية المبنية على الحق والعدل: فهي المساندة التي تقوم على وعي، وفهم، وتمييز بين الحق والباطل، دون تحيز أعمى، ودافعها: الإيمان بالعدل والحق، والرغبة في إنصاف المظلوم أيًا كان.
وسماتها:
1- تنطلق من القيم والمبادئ، لا من المشاعر العابرة.
2- تُوازن بين العاطفة والعقل.
3- تهدف إلى إحقاق الحق لا إلى الانتصار لشخص.
ومثال ذلك: أن تقف مع خصمك في قضية بعدما تتيقن أنه هو المحق، رغم أن ميولك العاطفية تميل لغيره. والحديث النبوي المتقدم يُلخّص المعنى؛ فعندما سئل الرسول (ﷺ): يا رسول الله (ﷺ): أنصره إذ كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالـمًا كيف أنصره؟! قال: (تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره) (رواه البخاري).

المحور الثاني: حين يصبح الحق تهمة: (الحق تحت المجهر.. والظالم فوق القانون)
لطالما قيل: إن العدالة عمياء؛ لكنها في واقعنا ليست كذلك؛ فهي ترى جيدًا؛ لكنها تنظر فقط باتجاه من يدفع أكثر، أو من يملك عضوية دائمة في مجلس يُقال إنه “آمن”.
لا أحد يُسائِل دولة الاحتلال هذه أو تلك عندما تحاصر وتُجوّع وتُبيد؛ لكن يُسائلون من يرفع صوته صادقًا، ومن يندد، ومن يرفض أن يكون شاهد زور؛ إذ لم يعد العالم يُعاقب الجريمة؛ بل يُعاقب من يُسميها.
– عندما يصبح الدفاع عن الحياة تهديدًا للأمن!: في العالم المـُعاصر؛ لم تعد مناصرة العراق أو فلسطين أو السودان أو أي مظلوم حقيقي؛ مسألة إنسانية؛ بل باتت اختزالًا سياسيًا شديد الخطورة، يدخل الناس في قوائم سوداء، ويُعرضهم لحملات شيطنة، وربما لعقوبات اقتصادية أو قضائية.
وأصبح من يُطالب بتحقيق دولي مهمشًا، أو يُصنَّف “عدوًا للحضارة”، ومن يُندد بالمجزرة يُتَّهم بـ “التحريض”، أو “الإرهاب”!.
بل إن محكمة الجنايات الدولية التي يُفترض بها أن تحمي الضعفاء، تتعرض للتهديد علنًا إن هي تجرأت على النظر في ملفات “غير مرغوب بها”.
– من لا يملكون سوى القوة.. يخافون الكلمة: من يملك الحقيقة لا يخاف الصوت الحر؛ لكن من لا يملكون إلا القوة، يخافون حتى الهمس، ويخشون القصيدة، والصورة، والرواية، والشاهد، والوثيقة، والكلمة الصادقة؛ لأنهم يعرفون أن الحقيقة تقوّض جبروتهم أكثر مما تفعل القنابل.
ولهذا يُجرّم الوقوف مع المظلوم؛ لأنه في قاموسهم جريمة أخلاقية لا تُغتفر، ولأنه يُهدد الرواية التي أنفقوا المليارات لصناعتها، ويُربك تحالفات الأوهام التي شُيّدت على أنقاض البلاد والحقوق المنتهكة.
– بيان الواقع الذي ينقلب فيه ميزان القيم؛ حيث يُتهم الصادق، ويُمدح المنافق.
من الأمثلة التاريخية على أن بيان الواقع قد ينقلب فيه ميزان القيم؛ فيُتهم الصادق، ويُمدح المنافق: ظلم الأنبياء والمصلحين عبر العصور.
ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك: أن يُحارب مُبيّنُ الواقعَ كما هو؛ لأنه يقول الحقيقة أو يدافع عن الضعفاء. وفيما يأتي بعض أمثلة -على ما تقدم- من الواقع العراقي المعاصر؛ تُوضّح كيف أن الوقوف مع الحق أو المطالبة بالعدالة قد تُعدُّ تهمة أو تواجه قمعًا :
1- اعتقالات تعسفية: تمتلئ السجون في العراق بالأبرياء؛ حيث يُعتقل الناس لمجرد وضعهم إطارًا على صفحتهم الشخصية تضامنًا مع التظاهرات، أو بعد نشرهم على أحد المواقع العامة دعوة للتحرك والاعتصام تضامنًا مع احتجاجات محلية. وهذا ما تم توثيقه من قبل العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
حيث يتم الاعتقال بسبب ما يوصف بأنه “تحريض على التظاهر”، رغم أن المنشورات كانت دعوات سلمية للتضامن. وهذا مثال على كيفية أن مجرد التعبير عن التضامن والمشاركة في الحراك السلمي تضع المرء تحت طائلة التهمة.
أما الحديث عن مصير من اختار مقاومة الاحتلال، من رفض الخضوع للظلم أو التبعية فهو حديث مؤلم ومعقّد؛ لأنه يمس قضايا الشرف والكرامة والحرية، وفي الوقت نفسه يكشف حجم المعاناة والتضحيات التي يتحمّلها أصحاب المبدأ حين يقفون في وجه قوى ظالمة عاثت قتلًا وتدميرًا وإفسادًا في البلاد.
2- الاختطاف والإخفاء القسري للناشطين: بحسب تقارير دولية صدرت في نهاية (2019م) وحتى أواخر (2024م)؛ هناك حملات اختطاف واختفاء قسري بحق ناشطين مدنيين وداعمين ميدانيين ومتظاهرين سلميين شاركوا في احتجاجات في بغداد والمدن الأخرى، ومن الأمثلة على ذلك: ناشطة مدنية كانت تعمل مسعفة تطوعية في ساحات الاعتصام؛ خُطِفت في بغداد أثناء العودة إلى منزلها، ولم يُعرف مصيرها إلا بعد مدة.
وهذا يُظهر أن الوقوف مع الحق -أي المشاركة في حركة احتجاج للمطالبة بالإصلاح أو الحقوق- قد تمت مجابهته بخطر حقيقي، ليس فقط عبر التهمة؛ بل أيضًا عبر الإخفاء أو الاعتداء.

3- محاكمات وعقوبات على مطالب حقوقية: في إحدى القضايا، حكمت محكمة جنائية في محافظة ذي قـار جنوبي العراق على ناشط مدني بالسجن (15) عامًا بتهم ملفقة تتعلق بالقتل في سياق الاحتجاجات، رغم أن جماعات حقوقية قدمت أدلة تثبت بأن التهم ملفقة.
كذلك، أوضحت تقارير حديثة أن عشرات القضايا الجنائية رُفعت ضد ناشطين منذ (2019م)؛ لكن مَن أساء إليهم لم يُحاسب؛ مما تسبب في توريط أفرادٍ يدافعون عن الحق في مواجهة تهم وملاحقات قانونية.
وما يمكن استخلاصه من هذه الأمثلة:
– إن المطالبة بالحق أو المشاركة في حركة اجتماعية تُعدّ في معظم الحالات تهديدًا للنظام الحاكم أو الأحزاب المتنفّذة، فيُحوّل الناشط إلى “مخرّب” أو “مهدّد” بدلًا من أن يُنظر إليه كمواطن يمارس حقه.
– تُستخدم الأداة القانونية أو الأمنية غالبًا ليس لمعاقبة ظلم حقيقي؛ بل لاحتواء أو منع التغيير، أو لإسكات المطالب بالعدالة.
– التهمة ليست دائمًا مباشرة؛ بحيث يمكن أن يقال: “أنا ارتكبت جريمة” بقدر ما هي: “أنا شاركت في حقّ أو ناديت بإصلاح”، ومن ثم تستخدم التهمة كوسيلة ردع.
ولدينا في قسم حقوق الإنسان في الهيئة: قوائم مفصلة لما تقدم: تشمل اسم كل ناشط أو مدني تعرض لذلك، مع ذكر المدينة، والتهمة، والحالة الراهنة له: (معتقل، مختفي، مطلق السراح) ـ

هيئة علماء المسلمين في العراق: نصرة المظلوم وتهمة الوقوف معه
تعرّضت هيئة علماء المسلمين في العراق، وما زالت تتعرض لمختلف أشكال التضييق والاتهام بسبب مواقفها الواضحة وممارساتها المبدئية، في صورةٍ تُجسّد ما يمكن وصفه بـ “تحويل الوقوف مع الحق في نصرة المظلوم إلى تهمة”.
تأسست الهيئة في (14/4/2003م)، بعد انهيار مؤسسات الدولة إثر الغزو الأمريكي، وضمت علماء من اتجاهات متعددة، وجعلت من الدفاع عن وحدة العراق ورفض الظلم والتدخل الأجنبي نهجًا ثابتًا لها.
ومن أبرز شواهد التضييق عليها: اغتيال عدد كبير من أعضائها، وإغلاق مقرها عام (2007م) بأمر رسمي بحجة معارضتها (مجالس الصحوة)، واتهامها بإثارة الفتنة الطائفية، فضلًا عن صدور مذكرة اعتقال بحق أمينها العام الراحل الشيخ حارث الضاري -رحمه الله- وعدد من أعضائها، من قبل حكومة الاحتلال في بغداد؛ ما يعكس حجم المواجهة التي خاضتها مع القوى المتحكمة في المشهد السياسي والأمني.
لقد ناصرت الهيئة المظلومين والمهمَّشين من مختلف المكونات، ورفضت القوانين والمشروعات التي رأت فيها تفريطًا بحقوق العراقيين أو خضوعًا لإرادات خارجية؛ فواجهت بسبب ذلك حملات تشويه وضغوطًا إعلامية وإدارية متواصلة، وصلت إلى حدّ الحصار وإغلاق المقرات ومنع النشاطات، ومصادرة المؤسسات كما حصل لإذاعتها (أم القرى) مثالًا.
ومع أن المواقف السياسية بطبيعتها تحتمل التعدد في التفسير؛ فإن الثابت أن الهيئة قد دفعت ثمن تمسّكها بمبدئها في نصرة المظلومين والمقهورين والدفاع عن حقوقهم، في زمنٍ صار فيه الإنصاف تهمة، والسكوت عن الباطل سلامة.

ملحوظات مهمة:
لا يعني الحصار بالضرورة اعتقال أو إغلاق كامل دائم؛ لكن الاستهداف الإعلامي، والتشويه، والضغط الإداري أو القانوني، وإغلاق المقر العام والفروع، ومنع النشاط، كلها صور للحصار.
وأيضًا لا يُعدُّ كل موقف للهيئة “نصرة للمظلوم” تلقائيًا أو مباشرةً، فالمواقف السياسية والاجتماعية مُعقّدة، ويمكن أن تُفسَّر بطرق متعددة بحسب الزاوية التي يُنظر منها.

– تحليل نفسي واجتماعي: لماذا يخاف الناس من الحق؟
يخاف الناس من الحق لأنهم:
1- نفسيًا:
– يخشون فقدان مصالحهم ومكتسباتهم.
– أو يكرهون التغيير ومواجهة أخطائهم.
– أو يخافون من العزلة أو رفض المجتمع لهم.
2- اجتماعيًا:
– يعيشون في بيئات قمعية تُعاقِب من يقول الحق.
– أو تغلب عليهم ثقافة الولاء للجماعة لا للمبدأ.
– أو يتأثرون بإعلام يشوّه الحق ويقدّم الصمت كحكمة.

الخلاصة:
الناس يخافون من الحق؛ لأنه يهزّ مصالحهم واستقرارهم، ويكشف زيفهم، بينما الباطل مريح وسهل الاتباع. وقد لخص النبي (ﷺ) هذه الحالة أفضل تلخيص؛ بقوله: (حُفَّتِ الجنةُ بالمكاره، وحُفَّتِ النارُ بالشهوات) (رواه البخاري ومسلم).

المحور الثالث: صور نصرة المظلوم في حياتنا اليومية
من صور نصرة المظلوم الممكنة في حياتنا اليومية:
– نصرته بالكلمة: بقول الحق وعدم تبرير الظلم.
-نصرته بالموقف: بالوقوف إلى جانب المظلوم ولو بالكلمة الطيبة أو التضامن.
– نصرته بالنصيحة: تذكير الظالم بعاقبة ظلمه برفقٍ وحكمة.
– نصرته بالدعاء: حين تُغلق الأبواب، يبقى باب الدعاء مفتوحًا.

المحور الرابع: ثمن الحق وثواب الثبات
في سياق الحديث عن الابتلاء في سبيل الحق، نقرأ قول الله تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ [السجدة: 24].
ومن نماذج هذا الابتلاء في السيرة النبوية: النبي (ﷺ) وصحابته، ومنهم: سيدنا بلال، وسيدنا خبّاب، وسيدنا ابن مسعود -رضي الله عنهم-.
ولا بد هنا من التذكير بأن: الصبر على الظلم مع العمل لتغييره هو طريق النصر والعزة.

المحور الخامس: كيف نعيد التوازن للمجتمع؟
يعاد التوازن للمجتمع، وتسترد موازينه الصحيحة ومعاييره الدقيقة؛ بوسائل عدة، منها:
– نشر ثقافة العدل والمسؤولية الجماعية.
– تربية الأجيال على الشجاعة الأدبية، وقول الحق.
– بناء وعيٍ يميز بين (الاختلاف) و(العداوة)، وبين (النقد) و(الفتنة).
– تفعيل دور المؤسسات والدعاة والمثقفين في حماية المظلومين.

الخاتمة:
نصل إلى ختام محاضرتنا، بالوقوف على خلاصات مهمة:
– إن نصرة المظلوم ليست موقفًا سياسيًا أو عاطفيًا؛ بل هي واجب ديني وإنساني، وإن من يقف مع الحق حين يُتهم، إنما يسير على درب الأنبياء والصالحين.
– إن نصرة المظلوم ليست مجرّد كلمة نقولها، ولا شعارًا نرفعه؛ بل هي موقفُ ضميرٍ حيٍّ، واختبارُ إيمانٍ صادقٍ.
– علّمنا ديننا أن الحق لا يُوزَن بعدد أتباعه، وإنما بصفائه وثباته، وأن الله تعالى لا يخذل من تمسك بالعدل، ولو خذله الناس أجمعون؛ فكم من مظلومٍ رفع يديه إلى السماء، فنصره الله بعد حين، وكم من ظالمٍ ظنّ أن قوته تحميه، فسقط وهو لا يشعر.
فلنكن جميعًا ممن ينصرون المظلوم بالكلمة، وبالموقف، وبالنية الصادقة، ولنكن صوتًا لمن لا صوت له، ودرعًا لمن أنهكهم الجور والافتراء.
وليكن شعارنا في زمن تتبدّل فيه الموازين: الحق حقٌّ ولو أُتُّهم، والباطل باطلٌ ولو رُوِّج له.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى