أخبار الرافدين
د.أيمن العاني

طوفان الأقصى وأكذوبة “قوة الردع”

قد يكون الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس على مناطق “غلاف غزة” يوم السبت الماضي أكبر الإخفاقات الاستخباراتية الصهيونية منذ حرب عام 1973. وشمل الهجوم غير المسبوق العشرات من عمليات التوغل عن طريق البر والبحر والجو، إلى جانب الرشقات الصاروخية والهجمات بطائرات درون، وهو هجوم نوعي تضمن تطورًا ملحوظًا في التخطيط والتنسيق الذي كان يفترض أن تتولى وكالات الاستخبارات رصده، والذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 700 من الصهاينة وإصابة أكثر من 2200 آخرين، يزاد عليهم أعداد كبيرة من الأسرى، بحسب المصادر الصهيونية، التي ترجح ارتفاع حصيلة القتلى لأكثر من ألف قتيل لأن الكثير من المستوطنات لا تزال تحوي أعدادا كبيرة من القتلى الذين لم تستطع سلطات الاحتلال من جمع جثثهم بعد.
وبينما حذر مسؤولون صهاينة قبل أشهر من إن الفصائل الفلسطينية المسلحة تستعد لتنفيذ أعمال عنف، على حد تعبيرهم، يبدو أن عنصر المفاجأة كان حاضرًا وبقوة فيما يخص توقيت وحجم الهجوم الذي فاجأ رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وجعله مرتكبًا ومتخبطًا ومتهورا ومنكسرا في ذات الوقت. وما يزال الكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة – التي ساهمت بمبلغ 3.3 مليار دولار للكيان في الإنفاق “الدفاعي” الصهيوني في عام 2022 – يدرسان من هو المسؤول الأكبر عن الإخفاق الحاصل وكيف حدث ذلك الهجوم.
وقال مارتن إنديك، سفير واشنطن السابق لدى الكيان الصهيوني “إنه لأمر صادم بالنسبة لي أنهم تمكنوا من القيام بذلك دون أن تلتقط إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمر”، مضيفا “الفشل واضح في الاستعداد، والفشل واضح في عدم وجود قوات كافية على طول الحدود، وفشل الجدار على طول الحدود الذي أنفقوا من أجله المليارات”.
ومما يزيد الأمر إثارة للصدمة أن هذا الهجوم يأتي بعد مرور خمسين عامًا على فشل إسرائيل في درء هجوم مفاجئ شنته مصر وسوريا في حينه، وقد أدى هذا الفشل الاستخباراتي إلى استحداث لجنة خاصة لمعرفة الأخطاء التي حدثت، وأصبحت موضوعًا لعدد لا يحصى من الكتب والمقالات، في حين يرفض فيه مسؤولون صهاينة مقارنة الذي حدث بما جرى عام 1973، ويقولون إنه من السابق لأوانه معرفة الخطأ الذي حدث.
وفي مؤتمر صحفي؛ قال المتحدث باسم قوات الاحتلال الصهيوني ريتشارد هيشت “لا تعطوا حماس ثقل تعقيدات حرب 1973″، مضيفا “أعلم أن هناك الكثير من الأسئلة حول الاستخبارات، أرجو التوقف عن السؤال بهذا الخصوص ونحن الآن في حالة حرب. أنا متأكد من أنه سيكون هناك الكثير من المناقشات حول المعلومات الاستخباراتية في المستقبل”.
وللحديث بموضوعية عن الذي حصل سنستعرض آراء بعض متخصصي الاستخبارات الذين عادة ما يميزون بين الفشل في جمع المعلومات، والفشل في التحليل المعلوماتي، وفشل صناع القرار في الاستجابة للتحذيرات الاستخباراتية. فبادئ ذي بدء، كانت هناك حقيقة بسيطة وهي أن الكيان الصهيوني كان في منتصف عطلة، وهنا تثار التساؤلات حول ما إذا كان جيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية منشغلة بالاقتتال الداخلي في الكيان.
وبهذا الشأن قال آرون ديفيد ميلر، زميل بارز في مؤسسة كارنيغي ومفاوض سابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية “المشكلة الحقيقية هنا هي أن الإسرائيليين لم يتوقعوا أن حماس ستخاطر بالتسلل عبر الحدود”. وأضاف أن “عدم وجود قوات إسرائيلية كافية في تلك المنطقة كان بمثابة فشل ذريع”.
وفقًا لموظف في الكونغرس طلب عدم الكشف عن هويته “سيحتاج الكونغرس الأمريكي إلى طرح أسئلة صعبة، لأنه كان ينبغي أن تكتشف وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية هجومًا بهذا الحجم”.
ويتجلى هذا الفشل بشكل أكثر وضوحًا إذا أخذنا في الاعتبار أن الكيان الصهيوني يكرس موارد كبيرة لمراقبة المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك حماس، من خلال شبكات التجسس البشرية، فضلا عن تكنولوجيا المراقبة التي طالما تنطع بها الكيان.
وقالت إميلي هاردينج، المحللة السابقة لشؤون الشرق الأوسط في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “إن الهجوم، الذي من المفترض أن يكون قد تم التخطيط له منذ أشهر، يجب ألا يكون مفاجئًا وفقا لمدى القدرة التي أصبحت عليها أجهزة المخابرات الإسرائيلية”. وأضافت “من المفاجئ للغاية أن الإسرائيليين لم يدركوا التخطيط لهذا الهجوم. الزمن سيحدد ما حدث بالفعل – ستكون هناك تحقيقات مستقبلية لتجميع ما عرفه الجيش الإسرائيلي والموساد بشأن الهجوم ومتى عرفوا ذلك”.
مما تقدم -وغيره كثير- يتأكد للقاصي والداني بأن ما تسمى “قوة الردع الصهيوني” مجرد أكذوبة جرى الترويج لها طوال العقود الماضية عن كيان كان مجرد نمر من ورق رأى الجميع حالة الفزع التي يعيشها جنوده وهم يستسلمون لعناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وأن الكيان الصهيوني الآن بحالة صدمة لم يفق منها بعد ويعيش كابوسًا مروعًا وحالة انكسار غير مسبوقة على الرغم من الدعم الأمريكي غير المحدود له وعلى الصعد كافة، وأن الأعداد الكبيرة للقتلى في صفوف الصهاينة وبينهم عدد من القادة العسكريين والأمنيين، تؤكد أنه لم يكن فشل الاستخبارات الصهيونية وسوء استعدادها هما المشكلتان الوحيدتان، بل يبدو أن ما يسمى “المفهوم الدفاعي الصهيوني” في غزة قد تحطم؛ الأمر الذي يعزز حقيقة الخسارة الفادحة التي تكبدها الكيان الصهيوني في كل الأحوال في معركة طوفان الأقصى، التي سيكون لها ما بعدها، وما تسبب عنها من زلازل سياسية صادمة جعلت الأوساط الصهيونية كافة تعيش في حالة تخبط ما تزال قائمة حتى تاريخ هذا المقال.
وبشأن سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها النظام الدولي الجائر الداعم للهمجية، لا بد لنا من ذكر مقاربة بسيطة تقول إنه لو استبدلنا الكيان الصهيوني بروسيا، وفلسطين بأوكرانيا، ستجد حينها تعريف النفاق الصارخ من أمريكا وأوروبا، فلو أن أوكرانيا فعلت ما فعلته حماس لكانت هناك احتفالات صاخبة في أمريكا وأوروبا وفي الكيان الصهيوني العنصري نفسه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى