أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

متعة روحية في ترميم المصاحف مع حلول شهر رمضان المبارك

المشرف على ورشة صيانة المصاحف في ليبيا مبروك الأمين: العمل مع كتاب الله ممتع جدًا ولا نشعر بالضجر على الرغم من ضخامة العمل

طرابلس- مع حلول شهر رمضان ينشط فريق تطوعي قوامه عشرة أشخاص في العاصمة الليبية طرابلس لترميم المصاحف المرتبطة بمشاعر روحية خاصة خلال هذا الشهر.

يأتي أعضاء هذا الفريق يوميًا إلى ورشة فنية للمصاحف في طرابلس. بأدواتهم الرئيسية، وهي المقص والصمغ والورق المقوى والخيط، يعملون مثل خلية نحل في صمت، فيما تملأ رائحة الورق المكان، ولا شيء يسمع بوضوح سوى تلاوة القرآن عبر تلفاز قديم وضع في إحدى زوايا الغرفة الرئيسية.

ويلاحظ فني صيانة المصاحف الأشهر في ليبيا خالد الدريبي أن ارتفاع ثمن المصاحف دفع عددًا كبيرًا من الناس إلى صيانة القديمة منها، وخصوصًا أنها تكون مرتبطة بذكرى إنسانية تعني لهم.

ارتفاع ثمن المصاحف دفع عددًا كبيرًا من الناس إلى صيانة القديمة منها

ويوضح الدريبي لوكالة الصحافة الفرنسية من داخل ورشة لصيانة المصاحف أقيمت داخل جامع ميزران التاريخي في العاصمة طرابلس أن “شراء المصاحف الجديدة ينشط في شهر رمضان، لكن هذا الأمر تغير في ليبيا في الآونة الأخيرة، إذ صار شراؤها مكلفًا وباهظًا، فبات الإقبال على ترميم المصاحف القديمة يلقى رواجًا غير مسبوق”.

ويشرح أن “أسعار شراء المصاحف في ليبيا شهدت طفرة كبيرة جدًا، مع غياب طباعتها حكوميًا، وتجاوز ثمن بعضها العشرين دولارًا، وهو رقم كبير، إذ كانت الأسعار السابقة رمزية، أو كانت المصاحف تتوافر مجانًا”.

ويضيف “الأمر لا يقتصر على شراء المصاحف، بل ثمة ارتباط روحي لدى بعض الزبائن الذين يأتون ويطلبون منا بإلحاح صيانة مصاحفهم نظرًا إلى كونها متصلة بذكرى إنسانية خاصة، أو لأن ملكية المصحف تعود لأحبائهم، والبعض يقول هذا المصحف فيه رائحة جدي أو أبي أو أمي”.

أعمال صيانة المصاحف تتم بشكل طوعي

ويشير إلى أن كل أعمال الصيانة تتم “تطوعيًا” وعبر “هبات” ومخصصات مالية يقدمها أهل الخير والإحسان، مؤكدًا عدم تقاضي العاملين في فريق الترميم أي منح أو رواتب نظير المهمة التي ينفذونها.

و “تتفاوت صيانة المصحف وتغليفه تبعًا لحالته ومستوى تلفه” بحسب فني الصيانة عبد الرزاق العروسي الذي يقول إن “المصاحف تفرز بحسب حالة كلنها بعد تسلّمها” من أصحابها.

ويشرح العروسي لوكالة الصحافة الفرنسية أن “صيانة مصحف محدود التضرر لا يستغرق أكثر من ساعة، أما المتضرر كثيرًا فيحتاج إلى ساعتين أو أكثر، إذ تستلزم صيانته مراحل عدة، كاللصق بالصمغ وخياطة الأساس واستبدال القاعدة الورقية، وبعضها بحاجة إلى تفكيكها بالكامل وإعادة تجميعها، وهي عملية مضنية تستلزم وقتًا وتركيزًا عاليًا لضمان إعادة المصحف إلى هيئته السابقة”.

وداخل ورشة الصيانة توجد آلاف المصاحف التالفة أو التي خضعت إلى ترميم وينتظر تسليمها إلى أصحابها.

ويرى المشرف على ورشة الصيانة مبروك الأمين أن “أعمال الترميم والتنجيد تحتاج إلى عدد جيد من الفنيين للتعامل معها، وكذلك تدخل عملية إلكترونية في الصيانة باستخدام تقنيات حديثة لمعالجة الأوراق التالفة أو المفقودة لبعض المصاحف”.

ويضيف “العمل مع كتاب الله ممتع جدا ولا نشعر بالضجر على الرغم من ضخامة العمل. إنها سعادة غير مفهومة في هذا العمل”.

ورش تدريبية واسعة شملت الرجال والنساء لصيانة المصاحف القديمة

ومنذ افتتاح ورشة صيانة المصاحف في طرابلس عام 2008، تمت صيانة نحو نصف مليون مصحف. كذلك تم تخريج أكثر من 1500 متدرب من الجنسين، شاركوا في تنظيم 150 دورة تدريبة على صيانة المصاحف.

ويبلغ نحو مليون عدد المصاحف التي تولت ترميمها أكثر من 40 ورشة صيانة مصاحف “فرعية” منتشرة على مستوى ليبيا.

لا يقتصر تدريب الأشخاص على صيانة المصاحف على الرجال، بل توسعت هذه الدورات لتشمل النساء أيضًا، وصار بمقدورهن صيانة المصاحف عبر ورش نسائية متخصصة.

ويقول الفني خالد الدريبي، وهو أيضًا مدرب في هذا المجال “تمت الاستعانة ببعض النساء وتأهيلهن حتى أصبحن يتمتعن بالخبرة، فتولين بدورهن تدريب عدد كبير من النساء على صيانة المصحف الشريف، واليوم باتت لديهن ورش وقسم تدريب وصيانة خاصة، وبالتالي توسعت قاعدة المتدربين بالتوازي مع عدد المصاحف الضخم التي تنبغي صيانتها”.

النساء يشاركن الرجال في صيانة المصاحف القديمة

ويشير إلى تطور كبير في عمليات تدريب النساء يتمثل في تولي إحدى المدربات تأهيل سيدات “مكفوفات”.

ويروي أن “مدربة فاضلة قامت بعمل استثنائي، ودربت للمرة الأولى عددًا من النساء المكفوفات”.

ويقول “هذا عمل لم نفكر به ولم نكن لنتمكن من القيام به لولا هذه السيدة القديرة”.

وتعتبر خديجة محمود، إحدى المتدربات في صيانة المصاحف بمدينة الزاوية الواقعة على بعد 40 كيلومترًا إلى الغرب من طرابلس، أن “صيانة المصاحف في ورشة نسائية” أتاح لها ولزميلاتها “العمل من دون ضعوط وبوتيرة أكبر”.

وتوضح هذه المعلمة المتقاعدة لوكالة الصحافة الفرنسية “نعمل معًا كنساء من دون القيود التي قد تنجم عن وجود الرجال، وهذا جعلنا نقوم بصيانة عدد كبير جدًا من المصاحف يوميًا”.

وتؤكد أن هذا العمل التطوعي يجعلها وآخريات يمكنهن من ملء “أوقات الفراع”.

وتقول في هذا الشأن “شريحة كبيرة من المتدربات والفنيات، هن من المتقاعدات عن الخدمة، وبالتالي لا أجمل من قضاء أوقات فراغنا من القرآن وخدمته”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى