أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

مخاوف من تأثير سلبي للانفجار السكاني في ظل اقتصاد ريعي هش في العراق

بغداد تعتمد على إيرادات النفط في تمويل خزينة الدولة دون وضع آليات مناسبة لتنشيط القطاع الخاص والاستثمار في المجالات الأخرى.

إسطنبول – الرافدين

يتوقع باحثون في الشأن الاقتصادي إقبال العراق على انفجار سكاني خلال السنوات المقبلة مع زيادة مضطردة بأعداد النفوس في بلد لا يزال يعتمد على إيرادات بيع النفط لتمويل ما يصل إلى نحو 95 بالمائة من النفقات.

ووفق تقديرات وزارة التخطيط، فإن عدد سكان العراق بلغ 41 مليونًا و190 ألف نسمة في 2021، ارتفاعًا من 40 مليونًا و150 ألف نسمة في العام السابق له.

وتشير توقعات جهاز الإحصاء المركزي التابع لوزارة التخطيط، إلى أن عدد سكان البلاد سيصل إلى 50 مليونًا و200 ألف نسمة بحلول عام 2030.

وتثير هذه التوقعات مخاوف الباحثين في الشأن الاقتصادي من أن العراق مقبل على انفجار سكاني قد يخلف الكثير من التداعيات السلبية على اقتصاد البلاد والوضع المعيشي للسكان.

الانفجار السكاني يفاقم من الأزمة الاقتصادية ويعقد المشهد في العراق

وهذه المخاوف مدفوعة بالواقع الاقتصادي للبلد الذي يعتبر ريعيًا ويعتمد بشكل شبه كلي على إيرادات بيع النفط لتأمين نفقات الدولة مع تداعي وتهالك جزء كبير من البنى التحتية للخدمات العامة والقطاعات الحيوية مثل الصناعة والزراعة بعد الاحتلال ومخرجاته على الصعيد السياسي والأمني.

دريد الشاكر العنزي: الزيادة المضطرده للسكان ستجعل من الفرد العراقي معيلًا لأكثر من 5 أشخاص

وقال الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي دريد الشاكر العنزي، للأناضول، إن “الولادات لعام 2021 تعتبر في العراق طفرة غير مسبوقة”.

وتوقع العنزي أن “يشهد العراق انفجارًا سكانيًا في حال استمرار هذا المعدل من الولادات”، مبينًا أن “الأعداد السكانية ستتضاعف خلال السنوات المقبلة”.

وأضاف أن “الحلول الحكومية لهذا الملف غير موجودة”، موضحًا أن “هذه الزيادات السنوية وعدم وجود اقتصاد داعم لها ولذويها سيحول الفرد العراقي إلى معيل لأكثر من خمسة أشخاص، وبهذا سيتحول الاقتصاد إلى استهلاك مفرط دون أي إمكانية لتراكم مالي؛ أي استهلاك من اليد إلى الفم”.

وأشار إلى أن “الحكومة عاجزة عن توفير حليب للقادمين الجدد وأمهاتهم قبل وبعد الولادة فكيف سينشأ هذا الجيل وبأي صحة وبأي قابلية على العمل والإنتاج”.

ويبلغ معدل حجم الأسرة في العراق 5.7 أفراد، وفق أرقام وزارة التخطيط لعام 2021.

والأرقام المعلنة من وزارة التخطيط ليست دقيقة، لأن العراق لم يجر تعدادًا سكانيًا رسميًا منذ عام 1997.‎

وعلى مدى 15 عامًا الماضية لم تنجز الأحزاب الحاكمة التعداد السكاني خدمة لأهدافها في إكمال مشروع التغيير الديموغرافي كما يقول مراقبون.

الحكومات المتعاقبة بعد 2003 تعرقل إنجار التعداد السكاني لإكمال مشروع التغيير الديموغرافي

ومن أبرز المشاكل التي تعرقل إجراء هذا التعداد الخلاف القائم بين بغداد وأربيل بشأن السيطرة على المناطق الخاضعة للمادة 140 من الدستور الحالي أو ما تعرف بـ “المناطق المتنازع عليها”، ولعل أبرزها محافظة التأميم الغنية بالنفط.

من جانبها، قللت وزارة التخطيط من أهمية الزيادة المتواصلة لأعداد السكان في البلاد.

وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح صحفي، إن “الزيادة الطفيفة التي سجلت في أعداد الولادات العام الماضي ضمن الحدود الطبيعية”.

وأوضح أن “الزيادة تأتي ضمن النسق الطبيعي؛ كون عدد السكان في العراق تجاوز 41 مليونًا وفقًا لإحصائيات الوزارة”.

وتابع الهنداوي قائلًا إن “20 مليونًا من الشعب العراقي تتراوح أعمارهم بين 15 و50 عامًا هم في مرحلة الإنجاب فبالتالي الزيادة طبيعية”.

وبشأن قدرة العراق على استيعاب الزيادة المستمرة، أوضح الهنداوي، أن “الوزارة وضعت خططًا بشأن الزيادة المتوقعة وإمكانية استيعابها على نطاق النظام الصحي والتعليمي وغيرها”.

وختم حديثه بالقول إنه “بتطبيق الخطط الموضوعة من قبل الوزارة والتي تتضمن لجانًا مختصة يمكن السيطرة واحتواء الأعداد المتزايدة”.

ويعد العراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بعد السعودية، بمتوسط إنتاج 4.6 ملايين برميل يوميًا في الظروف الطبيعية.

اعتماد العراق على الإيرادات النفطية وإهمال القطاعات الأخرى يفاقم الأزمة الاقتصادية في ظل زيادة السكان

وستضغط الزيادة السكانية المضطردة على الإيرادات المتأتية من بيع النفط مع ضعف القطاعات الإنتاجية الأخرى والحاجة للسيولة لدفع رواتب الموظفين.

أحمد صدام: زيادة عدد السكان تستلزم اتخاذ خطط اقتصادية ناجعة

وقال الخبير الاقتصادي العراقي أحمد صدام، في تصريح صحفي، إن “زيادة عدد السكان تستلزم اتخاذ الخطط الاقتصادية الكفيلة لتحويل أثر ذلك إلى جوانب إيجابية”.

وأوضح أن “ارتفاع عدد السكان يمكن أن يسهم في زيادة النمو الاقتصادي ولكن بشرط توفير المقومات الداعمة لذلك من أجل تحويله إلى طاقة اقتصادية بدلًا من أن يكون مؤثرًا سلبًا”.

وأضاف أن “صناع القرار التخطيطي مطالبون بزيادة عدد المدارس وبما يوازي حجم أعداد الداخلين إليها سنويًا، فضلًا عن زيادة مستوى المؤسسات الصحية والخدمات المرتبطة بها وفق خطط مدروسة”.

وأردف “كما يتطلب الأمر تحسين واقع التخطيط الحضري وبناء المجمعات السكنية من خلال تسهيل الإجراءات وخلق المنافسة بين الشركات في سبيل الارتقاء بهذا القطاع لا سيما وأن مشكلة الإسكان ما زالت قائمة ويقدر النقص في الوحدات السكنية بحدود 4 إلى 5 ملايين وحدة سكنية”.

وأشار صدام إلى “أهمية تفعيل السياسات الكفيلة بتحفيز التنويع الاقتصادي للمشاريع غير النفطية في سبيل خلق فرص عمل وبشكل تدريجي لمواجهة أعداد الداخلين في سوق العمل من السكان؛ وهذا يعني إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص المحلي والأجنبي في سبيل تحريك الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بذلك”.

وبيّن أن “الزيادة السكانية أيضًا تعني زيادة الطلب على المواد الغذائية، فضلًا عن السلع الأخرى وهذا يجب أن يدفع الخطط الاقتصادية نحو تحسين واقع القطاع الزراعي وكذلك قطاع الصناعات التحويلية لأنه خلاف ذلك فإن مستوى الاستيرادات الاستهلاكية سوف يرتفع بشكل كبير في المستقبل ويشكل عبئًا أكبر على الموازنة العامة للدولة”.

وتبلغ نسبة البطالة في العراق 27 بالمائة، فيما تبلغ نسبة الفقر 31.7 بالمائة، وفق أحدث إحصاء لوزارة التخطيط.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى