أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

رؤوس متنفذة وراء شبكة البتاوين للمخدرات والاتجار بالبشر

ضابط برتبة مقدم في وزارة الداخلية يؤكد على أن شبكة البتاوين للاتجار بالبشر والمخدرات تدر أموالا ضخمة على أشخاص متنفذين في القضاء والميليشيات وأحزاب معروفة لنا جميعًا.

بغداد- الرافدين
أخفت السلطات الأمنية في حكومة الإطار التنسيقي الرؤوس المتنفذة التي تقف وراء شبكة دعارة ومخدرات واتجار بالبشر، بعد توقيف 300 عنصر في بغداد يوم الخميس.
وقالت مصادر في الشرطة العراقية إن غالبية منتسبي قوى الأمن الداخلي يعرفون من يدير هذه الشبكة، لكن لا أحد يجرؤ على الكشف عنهم.
وقال ضابط برتبة مقدم في وزارة الداخلية لوسائل إعلام محلية عراقية، إن هذه الشبكة تدر أموالا ضخمة على أشخاص متنفذين في القضاء والميليشيات وأحزاب معروفة لنا جميعًا.
ووصف الضابط تلك الشبكة بانها مشروع سياسي تجاري مشترك بين زعماء معروفين للعراقيين جميعا لأنهم يظهرون على شاشة التلفزيون أكثر من المطربين.
وشدد على أن تلك التجارة رائجة إلى درجة لديها من “يحميها”، بالنظر لما تدر عليهم من أموال هائلة. لكنه رفض التأكيد على تورط جهات أمنية في تلك التجارة.
وعزا الكشف المتأخر عن هذه الشبكة، إلى خلافات على الحصص وانتقام بين زعمائها، الأمر الذي دفع السلطات الحكومية إلى التعجيل بالانقضاض عليها.
وقال المقدم “إن عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم يصل إلى 300 عنصر، لكن أي من زعماء الشبكة لم يكن بينهم، فهم بمثابة خط أحمر لا تجرؤ السلطات الحكومية من الاقتراب منهم”.
وأعلنت وزارة الداخلية الخميس، توقيف أكثر من 300 شخص خلال مداهمة واسعة النطاق في حي البتاوين وسط بغداد، استهدفت شبكات دعارة ومخدرات واتجار بالبشر.
وبين الموقوفين عدد من الجنسيات غير العراقية في وضع إقامة غير نظامي، بحسب ما أفاد أحد أفراد الجالية العربية من سكان منطقة البتاوين التي تعتبر وكراً للجريمة المنظمة، لوكالة الصحافة الفرنسية شرط عدم الكشف عن هويته.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء مقداد ميري، إن “العملية ستستمر لعدة أيام، وهي الأولى من نوعها منذ سنوات”.
وأضاف أن “عملية البتاوين الأمنية شهدت القبض على شبكات دعارة ومخدرات وجريمة منظمة وعصابات الاتجار بالبشر ومعامل غش صناعي ومكاتب نقل بضائع غير مجازة وشبكات كثيرة”.
وأشار إلى وجود مواطنين عرب وبنغلاديشيين خصوصًا في المنطقة.
وقال العميد شعلان الحسناوي قائد شرطة الرصافة، إنه بحسب الإحصاءات الأولية تم “إلقاء القبض على 207 متهمين وفق مواد مختلفة”.
وأضاف أن قوات الأمن عثرت أيضًا على أسلحة وبنادق غير مرخصة و ”مكاتب لتحويل العملات” تديرها أوساط “الجريمة المنظمة” في الحي.
وتقوم قوات الأمن في العراق الذي يعاني من الفساد وتهريب المخدرات وانتشار الأسلحة، بشكل منتظم بمداهمات ضد أوكار الجريمة المنظمة.
وعبر عراقيون عن ترحيبهم بالقبض على عناصر هذه الشبكة، إلا انهم تساءلوا عما إذا كان بمقدور السلطات الحكومية أن تكشف عن الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء إدارتها.
وذكر مدونون عراقيون أن شبكة البتاوين للدعارة والمخدرات والاتجار بالبشر لا تمثل إلا الجزء الضئيل من حقيقة ما يجري في تلك التجارة الشنيعة.
ولا يمثل خبر شبكة البتاوين مفاجأة للرأي العام في العراق، فالاتجار بالبشر صار بمثابة اقتصاد موازي لزعماء ميليشيات وشركات ومسؤولين متنفذين.
ولفت مسؤول في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني إلى أن “أشكال الاتجار بالبشر، وما تؤدي إليه، تتوزع على قطاعات عمل واضحة لدى وزارة الهجرة وبقية الوزارات والجهات ذات العلاقة، ومن بينها الدعارة، والعمل في الملاهي الليلية، وتهريب الممنوعات، وخصوصاً المخدرات، إضافة إلى ظاهرة التسوّل، وهناك عصابات مسؤولة عن إدخال معوقين من بلدان من بينها باكستان وبنغلادش وإيران، ونشرهم في الشوارع بهدف التسول، فضلاً عن استخدام الاتجار بالبشر كوسيلة للتجارة بالأعضاء البشرية”.
وسبق أن أقرت وزارة الهجرة والمهجرين بالارتفاع المستمر لمعدلات جرائم الاتجار بالبشر، نتيجة كثرة العصابات التي تمارس هذه الجريمة.
وحمل مراقبون حكومة السوداني؛ المسؤولية عن تفاقم ظاهرة الاتجار بالبشر في البلاد، وذلك لتهاونها في إدارة هذا الملف، مشددين على أن المشكلة ممنهجة وتتعلق بالسلطات التنفيذية، ونفوذ وقوة الجهات المتورطة بتلك الجرائم.
وقالت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أن البلاد لا تزال دون المستوى المطلوب لإيقاف ظاهرة الاتجار بالبشر، بحسب التصنيف الدولي.

طفولة مسلوبة بين مافيات التسول والإهمال الحكومي

ولفتت المفوضية إلى أنه على الرغم من وجود قانون مكافحة الاتجار بالبشر في العراق، إلا أن السلطات الحكومية لم تنفذ القانون بعد مرور أكثر من 10 سنوات على إقراره، في ظل عدم فعالية ما تسمى باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.
وسبق أن أفادت مصادر أمنية بأن سماسرة وشخصيات نافذة في الحكومة متورطة بإيقاع ضحايا في شباك الاتجار بالبشر مستغلة نفوذها في مؤسسات أمنية تسهل عليها التملص من المساءلة القانونية والإفلات من العقاب
وكشف فيلم وثائقي انتجه المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” عن انتشار تجارة البشر في العراق منذ عام 2003 بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مكنتها شبكة المصالح بين أحزاب السلطة والميليشيات المسلحة.
وذكر المعهد في ندوة تمهيدية لعرض الفيلم “أن انتشار تجارة البشر جاء نتيجة لإرث الولايات المتحدة في العراق والمزيج السام للتحالف بين الأحزاب والميليشيات الذي رسخ الفقر والجهل والتهميش لكثير من طبقات المجتمع لاسيما فئة النساء التي أصبحت أكثر عرضة لتجارة البشر والاستغلال”.
وأجمع متحدثون في الندوة على أن جهود السلطات الحكومية المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر والأعضاء غير فعالة، وفي كثير من الأحيان يتعرض الناجون للتهميش وحتى القتل، مؤكدين على أن النظام السياسي الحالي والفساد ساهم بتكريس هذه الانتهاكات والتجارة.
وتزداد معدلات الاتجار بالبشر في المناطق الفقيرة والمناطق التي تقع تحت سيطرة الميليشيات المسلحة التي اتخذت هذه التجارة كدخل أساسي لتمويل عملياتها، بالإضافة إلى استغلال هذه التجارة في بيع أعضاء المختطفين إلى جانب اجبارهم على العمل في الدعارة وتجارة المخدرات.
وسبق أن حمّل تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالإتجار بالبشر في العراق، الحكومة مسؤولية عدم الامتثال للحد الأدنى من المعايير الخاصة بالقضاء على الإتجار بالأشخاص. وافتقادها إلى خدمات الحماية الملائمة لضحايا كافة أشكال الاتجار بالبشر.
وذكر التقرير “أن الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لم تستوفيا الحد الأدنى من المعايير المطلوبة في عدة مجالات رئيسية. أوجه القصور في إجراءات التعرف على الضحايا وإحالتهم، علاوة على افتقار السلطات لفهم الاتجار، ظلت تحول دون تلقي الكثير من الضحايا لخدمات الحماية الملائمة”.
وأضاف “لا تتعرف السلطات بشكل استباقي على ضحايا الاتجار وسط الفئات السكانية الضعيفة، الأمر الذي أدى إلى الاستمرار في معاقبة بعض الضحايا على أفعال غير قانونية أجبرهم عليها المتاجرون بهم، مثل مخالفات الهجرة والدعارة”.
ووثقت منظمة “المصير” العراقية ارتفاعًا صادما في أعداد جرائم الاتجار بالبشر التي يقع ضحيتها النساء والأطفال، معتبرة أن الأسباب المباشرة ترجع إلى زيادة نسب الفقر والبطالة، وتصاعد قوة عصابات الجريمة المنظمة، وزيادة عمليات بيع الأعضاء عالمياً، فضلاً عن تفشي الاستغلال الجنسي والتسول والإكراه على العمل.
وخلصت المنظمة إلى أن القضاء العراقي ما زال يتجنب في بعض أحكامه اللجوء إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر في 2012، ويصدر أحكامه وفقاً لقانون العقوبات الصادر في 1969، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الاستغلال الجنسي، كما أنّ المؤسسات الحكومية تفتقر إلى وجود تعريف موحد لمفهوم الاتجار بالبشر، وهناك حاجة ملحة لمنح إجازات لفتح منظمات المجتمع المدني مراكز لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى