أعوام على الجمر
يقاس حجم الأخطار، التي تعصف بالدول والشعوب، من خلال نوع الخطر والاستراتيجية المرسومة له وطبيعة القائمين على تنفيذ تلك الاستراتيجية، والمديات الزمانية التي تم تحديدها للوصول إلى الأهداف القريبة والبعيدة، وعلى الطرف الثاني تظهر صفحات مختلفة، تبدأ من مؤشر رفض تلك الاستراتيجيات والعمل على إفشالها وأدوات التصدي لها.
وبين بروز الخطر وتصاعده وانتشاره ومحاولة القائمين على تنفيذه بلوغ الهدف الأكبر المتمثل بقضم العراق كاملا وإلغائه من الخارطة، وهذا ما خطط له أصحاب ودعاة مشروع غزو العراق واحتلاله، وهو ما توصل إليه الدكتور رافع الفلاحي في كتابه الذي اختار له عنوانا معبرا بدقة عن هذه السنوات ألا وهو “أعوام على الجمر” معلنا بصورة واضحة أن العراق سيعيش لسنوات جحيم الاحتلال وتداعيات عمليته السياسية البائسة.
وبقدر ما تزداد الأخطار، فإن هناك من نذر نفسه مقاوما ومتصديا ورافضا لكل ذلك الجحيم، وبدون شك يقف الشيخ الراحل الدكتور حارث الضاري في مقدمة المتصدين والرافضين والمقاومين للغزو والاحتلال وتراكمات ذلك في حياة العراقيين، وهذا ما يرصده الدكتور الفلاحي في الكتاب آنف الذكر.
لم يكن الدكتور رافع الفلاحي مؤلف كتاب “أعوام على الجمر” بعيدا عن الشيخ الراحل، كان قريبا منه يلتقيه باستمرار ويحاوره ويتأملون المشهد بكل غيومه وشذرات النور وإشراقاته الأصيلة التي لا تغيب عن أفق المشهد العراقي، وقد وظّف المؤلف رؤيته الشخصية ومتابعاته اليومية ورصده لكل شاردة وواردة في العراق، معززا ذلك بحجم معرفته بقدرات المقاومة العراقية واستراتيجيتها بعيدة الأمد في التصدي للغزاة، ولمن آزرهم وساندهم وقدم العون لارتكاب المزيد من جرائمهم بحق العراق والعراقيين.
وعندما يسطر الباحث الفلاحي الصفحات عن حياة الشيخ الضاري فإنه يوثق لحقبة خطيرة في تاريخ العراق، ويلقي المزيد من الإضاءات في رحلة الراحل وهو يتصدى لمشروع الاحتلال ويبذل الجهود الكبيرة والمضنية لتعزيز الخط الوطني العراقي ويقويه، ويشدّ من أزر السائرين في هذا الطريق الشائك والصعب والذي يزخر بالمخاطر. وطالما يطول السفر في هذا المسار فإن الثبات من أصعب التحديات التي تواجه السائرين في إتونه، وطالما تخوف الشيخ الضاري رحمه الله من تساقط الوجوه والأسماء وتناثرها بين الصمت والانزواء واللحاق بركب “مدمري ومخربي” العراق وأدواتهم بذلك عملية الاحتلال السياسية، التي أحرقت الأخضر واليابس وعصفت بالعراق ومازالت، على الطرف الآخر فإن الشيخ الضاري كان يعيش التفاؤل بمستقبل العراق، مدركا تماما أن العابثين بالعراق وتحت مختلف العناوين لن يستمروا كثيرا، فهم متساقطون ومكشوفون أمام العراقيين ويبدأ فشلهم من هذا المنحنى، ليبدأ العد التراجعي لمخططاتهم وأفعالهم وجرائمهم المرتكبة بحق العراقيين جميعا.
بدون شك أن كتاب “أعوام على الجمر” إضافة نوعية للمكتبة العراقية والعربية، وأنه يؤرخ ويوثق لمسيرة الشيخ الراحل الدكتور حارث الضاري.