دبلوماسية السفير والبقرة المقدسة!
تذكر القصص والروايات التاريخية أنه قبل سبعة عقود فيما مضى من الزمن، حين كانت جمهورية الهند محتلة من قبل الاستعمار البريطاني (1858- 1947)، كان السفير البريطاني والقنصل الإنجليزي يتجولان بأحد شوارع نيودلهي في العاصمة الهندية. فشاهدا طالبا هنديا يركل بقوة بقرة بقدمه من الخلف ويبعدها عن المارة. فأمر السفير البريطاني سائق السيارة التي تقلهما بالوقوف حالا.
ترجل السفير من السيارة مسرعا وركل الطالب وابعده عن البقرة بعد أن عنفه بقوة، فيما ذهب إلى البقرة وأخد يتمسح بجسمها ويطلب منها العفو والمغفرة والصفح والتسامح على ما قام به الطالب الجامعي الهندي غير المؤدب الذي اعتدى عليها أمام الناس، وسط دهشة وذهول المارة الذين سحلوا الطالب أمام البقرة لإرضائها والتنكيل به، بعد ان سجد أمامها سفير الدولة العظمى.
وذهب السفير إلى أبعد من ذلك حين غسل وجهه ورأسه ببول البقرة نفسها أمام الناس، ومن ثم عاد وجلس على كرسيه المخصص في السيارة الدبلوماسية بشعر مشعث وملابس مبلله بالبول. بجانب زميله القنصل البريطاني الذي لم يخف دهشته من المشهد الغريب.
سأل القنصل سعادة السفير: هل حقا انت مقتنع بما فعلته بنفسك، وهل تؤمن إيمانا مطلقا بعقيدة عبادة البقر؟
فرد السفير بإجابة دبلوماسية لا تخلو من اللؤم والخبث والدهاء والمكر، وقال يا سعادة القنصل، واجبنا هنا أن نعرف ونقدر الظروف بهذا البلد، لأن ركلة الطالب للبقرة التي يعبدونها اهل البلد، تعني ركل الجهل والعبودية والتخلف إلى الأبد، ومن مصلحتنا الاستراتيجية والسياسية أن تبقى هذه الشعوب متخلفة وأكثر جهلا، لكي لا تعرف الحقيقة، ولا تتقدم إلى الأمام، لكي نستمر بسياستنا الاستعمارية لاستعباد واستغفال الشعوب والسيطرة الكاملة على هذه العقول المتخلفة الجوفاء وسفهاء العقيدة، التي تعبد البقر وتقدسه وهي لا تعلم الحقيقة.
الجهل والخرافة والطائفية والمذهبية والتخلف والتعصب والتطرف، يا سعادة القنصل، هي جيوشنا النافعة الجرارة التي نحارب بها المجتمعات المتخلفة المتحجرة، لكي نسيطر عليها تماما. وتعكس عبقرية الطغيان الذكي على العقول الفارغة الهشة، لاسيما أن دولنا تتقدم وتزدهر وتطمئن وتنمو في ظل هذه السياسة الذكية التي نعتمدها في تسخير وتشجيع وتجهيل المجتمعات المتخلفة!
ومع نهاية هذه القصة المستغربة. وبعد كل هذا كله لازالت هناك مجتمعات عربية وإسلامية وآسيوية، تعبد وتأله البشر وتقدس القبور، وتمارس الطقوس والشعوذة والشرك والتخلف والجهل، وتكرس الطائفية وتذكي المذهبية وتعزز التطرف والغلو، وتشجع الجهل وتغييب العقول، لتمارس طغيانها وجبروتها وتوغل في متاهات العقل وانشغال المجتمعات بأفكار وهمية وجهل وخرافات وتمارس الظلالة في وضح النهار، لكي لا يبزغ فجر جديد، ينسف عقيدتهم ومذاهبهم واعتقاداتهم المنحرفة، المظللة لكسب المصالح الضيقة والفردية على حساب تراجع الأوطان وتخلفها.
تلك الاعتقادات التي شوهت الدول وأعادتها إلى الجهل والتخلف والتراجع عن ناصية كسب العلم وإدراك المعرفة نحو التطور، والتميز والنمو والإبداع. بينما أولئك أصحاب الغلو والتخلف لازالوا يمارسون نفس دور سعادة السفير الذكي، الذي أنصف البقرة المقدسة المظلومة المعنفة، من ركلة الطالب الهندي، الذي حين اكتشف الحقيقة وقعت عليه الواقعة، ليسحل بالشارع وتكرم فيه البقرة المقدسة ويستمر الجهل والعنف ويتفشى التخلف وتغييب العقول عندما يتم غسل الأدمغة بالخرافة!