أخبار الرافدين
د.عبد الوهاب القصاب

عواصف ترابية تلف العراق

ما الذي حصل في العراق لتلفه عواصف الرمال ليلًا ونهاًرا على مدى أسابيع وأيام وليالٍ بحيث لم يعد بإمكان المواطن العراقي حتى تنفس هواءٍ نظيف خلقه الله ليتمتع به ليتم به العيش على السنة التي استنها الله تعالى للإنسان حيث جعل سر عيشه في ركنين هما الماء والهواء.
ثمة من يقول إن الحرمان من الماء والهواء الذي يعاني منه هو قدر من الله تعالى، بل ربما غضب منه تعالى على العراقيين نتيجة ما قاموا به فدمروا وطنهم.
وجوابنا على ذلك أن الله تعالى أرحم من أن يأخذ الناس بجريرة عصبة فاسدة ذيلية عميلة لمن هو خلف حدود وطنهم من الشرق. الحقيقة أن نقص الماء سببه الرئيس موئل ومآل هذه العصبة الفاسدة من الميليشيات والأحزاب إيران التي بادرت بقطع زهاء مائة نهر حدودي منها أنهار كبرى كانت تغذي وادي الرافدين منذ خلق الله هذا الوادي، وكانت سببًا رئيساً لإمداد نهر دجلة بما لا يقل عن عن 70 بالمائة من احتياجاته المائية فعلى سبيل المثال لا الحصر يمثل نهر الزاب الأسفل حوالي 40 بالمائة من إجمالي ما يدخل إلى دجلة من تركيا.

ولعل سائلًا يسأل لماذا نلوم إيران ولا نلوم تركيا مثلاً؟ والجواب أنه ليس ثمة من لا يلوم من يلحق بالعراق الأذى في إمدادات المياه، لكن تصريحات السفير التركي في بغداد ومن بغداد بأن الحكومة العراقية الحالية هي من طلب من تركيا عدم فتح السدود لتمرير كمات من المياه للعراق، ولم نسمع رداً أو تفنيداً لهذا التصريح من الحكومة العراقية الحالية على حد علمنا وسمعنا.
في الحقيقة أن نقص المياه جانب مهم مما يعاني منه المواطن العراقي الآن، لكن المسؤول عنه هو ليس الجيران على عظم مسؤوليتهم وبالأخص إيران التي قطعت 100 بالمائة من التجهيز، لكن المسؤول الحقيقي هو السلطة القائمة التي كان عليها أن تتبع من الوسائل ما يجبر الجيران على احترام حصة العراق المائية وعليهم أن يتوجهوا باللوم أساساً لسيدهم القابع في قم أو طهران ليطلبوا منه العدل في توزيع المياه انطلاقًا من القاعدة الإسلامية المعروفة الناس شركاء في ثلاثة أولها الماء. ثم إن عليهم أن يتخذوا من الإجراءات التي تؤمن انسيابية الماء للاستخدام الزراعي والبشري بوسائل حضارية علمية أضحت معروفة للقاصي والداني.
ما دفعنا للاستطراد في قضية الماء هي كونها أحد ركنين خلقهما الله لاستدامة الحياة الإنسانية حيث أن كل ما يعدهما هو تبع لهما فالكلأ وهو الطعام يتولد من الماء فمن الماء كل شيء حي كما أبلغنا رب العزة والجلالة
وإذا اعتبرنا النار التي هي ثالثة أركان الشراكة التي يشترك فيها الناس كلهم بأنها تمثل الطاقة فلا طاقة بدون وجود هواء نظيف.
قد يحمل بعض المبررين سبب عواصف الرمال الأخيرة على الجفاف الذي سبب زيادة التصحر، وللجفاف دور لا ينكر في ذلك. لكن دورات الرطوبة والجفاف كانت تمر على العراق منذ فجر التاريخ، وكانت عواصف الرمال أمرًا معروفاً منذ خلق الله هذه المنطقة وتبدل جوها من الرطوبة الدائمة إلى الجفاف والتصحر بانزياح العصر الجليدي الأخير قبل عشرة آلاف عام من الآن. إلا أن دورات هذه العواصف لم تكن بهذا التركيز والتكرارية التي سببت إصابة أعداد ليست قليلة من السكان بالربو وأمراض الحساسية الأخرى التي ليس لها من يعالجها بسبب فساد نظام الخدمات الصحية في العراق وفشله في تأمين الخدمة الصحية لمن يحتاجها بعد أن كان العراق من أنجح بلدان العالم الثالث في إسداء الخدمات الصحية للمواطنين قبل الاحتلال المشؤوم عام 2003 حتى تحت ظروف الحصار الظالم الذي خضع له العراق بموجب القرار الدولي 987 سيء الصيت.
المسؤولية هنا تقع على عاتق من يقبض بالسلطة ويدير أمور الناس. التصحر والجفاف ظاهرتان معروفتان لكن الجديد هو إتلاف الغطاء النباتي والعشبي في منطقة الهضبة الغربية والجنوبية الغربية بفعل فاعل لعل حركة المليشيات غير الشرعية بآلياتها وحفرها الشقوق والخنادق وإتلافها هذا الغطاء أحد أسباب هذه العواصف. الكل يعلم أن ثمة إجراءات عديدة منها ما هو مؤقت، ومنها ما هو دائمي لتثبيت الكثبان الرملية وهي بالمناسبة لا تشكل ظاهرة في البادية العراقية كما هي في بلدان مجاورة أخرى كالمملكة العربية السعودية أو الكويت أو دولة الإمارات العربية المتحدة. تم تحويل الصحاري إلى جنان كذلك لكم في الصين مثلاً عندما حولت صحراء غوبي العنيفة إلى جنان وانتجت الكهرباء وحولت المزارع إلى مالك لما ينتجه على عكس ما يقول به النظام الشيوعي. في عهد نظام الحكم الوطني شرع بمشروع لإنشاء واحات في هذه المنطقة نجح فيها إنبات غابات الزيتون وأنشئت سدود على الوديان للسيطرة على مياه السيول. وحديثًا ثمة مشروع تقدم به مستثمرون سعوديون لتطوير المنطقة بإنشاء غطاء نباتي منتج كان سيشغل عشرات الآلاف من الأيادي ويؤمن إنتاجًا زراعيًا يكفي الاستهلاك الداخلي ويصدر منه ما يزيد، إلا أن السلطة الذيلية حاربته فقط لأن المشروع كما هو مشروع إمداد الكهرباء للعراق هو مشروع معونة سعودية كريمة للعراق، ولأن سيدتهم دولة ولاية الفقيه لن ترضى عنه لأنه سيحرمها من الاستمرار في حلب العراق.
الغبار وعواصفه ليست غضبة ربانية بل فشل حكومي في تولي أمر العراق بما يأمر به ربنا بالمعروف.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى