أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الكاظمي يمارس خديعة الأرقام المليارية للتغطية على الفشل الحكومي

عراقيون يتساءلون ما أهمية مزاعم الكاظمي عن احتياطيات البنك المركزي، إذا كانت عاجزة عن إيصال التيار الكهربائي الى منازلهم، وتوفير مدارس لائقة لأولادهم.

بغداد- الرافدين
وصف خبير اقتصادي عراقي متقاعد تصريح رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي بأن احتياطيات البنك المركزي ستبلغ تسعين مليار دولار بنهاية العام الحالي. بالخديعة الرقمية التي لا أهمية لها على أرض الواقع وفقا للاستراتيجيات الاقتصادية.
وقال الخبير الذي تقلد مناصب حكومية في العراق حتى نهاية سبعينات القرن الماضي، ليعمل بعدها خبيرا لدى الأمم المتحدة، ان كلام الكاظمي عن الأرقام قد يكون صحيحا مع ارتفاع أسعار البترول، لكن قوة اقتصاديات البلدان ورفاهية الشعوب، لا تقاس وفق التصريحات وما يُعلن فيها من أرقام الأموال، بقدر قياس ما يشعر به المواطن من رفاهية حقيقية وكرامة وطنية، وهذه المعطيات المتردية في العراق تفند من أهمية مزاعم الكاظمي المتفائلة.
وأضاف الخبير المتقاعد الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لقناة “الرافدين” “مهما استعان الكاظمي بالأرقام المهولة عن ثروة العراق بوصفها حقنة إعلامية لطمأنة العراقيين، فهو عاجز عن تغيير مرتبة العراق في مؤشر الفساد الدولي”.
وعبر الخبير الذي يعيش في العاصمة الأسكتلندية إدنبرة، بعد تقاعده من العمل في الأمم المتحدة، عن أمله بان تكون نيات الكاظمي صادقة في استثمار المبلغ الذي أعلن عنه، في رفاهية العراقيين وإعادة بناء الدولة المنهكة. مشيرا الى أن كل المؤشرات السياسية على الأرض تقول ان أموال الدولة العراقية وضعت في جيوب اللادولة التي تديرها الميليشيات منذ عام 2003، لذلك يفتقر العراقيون اليوم الى الكرامة في بلدهم، قبل افتقارهم الى العمل والتعليم والخدمات.
وكان الكاظمي قد صرح الثلاثاء، أن احتياطيات البنك المركزي العراقي من العملة الصعبة ستصل بنهاية العام الحالي إلى تسعين مليار دولار.
وقال “خلال عامين من عمر الحكومة الحالية كان احتياطي البنك المركزي أقل من خمسين مليار دولار والآن وصل إلى 76 مليار دولار، وسيصل إلى تسعين مليار دولار نهاية العام الحالي”.
ولا يعول العراقيون على مزاعم رئيس الحكومة بشأن الأرقام، لأنهم لا يرون انعكاس مردودها على واقعم المعيشي والخدمي.
ويتساءلون عما إذا كانت كل هذه الثروة لا تكفي لإيصال التيار الكهربائي بشكل طبيعي الى منازلهم، أو توفير مدارس لائقة لأولادهم. مطالبين الكاظمي بالاعتراف بالفشل وخضوعه لسلطة لصوص الدولة.
وعلق صحفي عراقي متهكما على تصريح رئيس الحكومة بالقول “إن الكاظمي أعلن عن وجود هذا المبلغ الضخم لتنبيه قوى الفساد المتمثلة بالأحزاب والميليشيات للاستعداد وأخذ حصتها منه”.
وكان العراق قد تبوأ المرتبة الأولى عالميا في ظل حكومة نوري المالكي، بوصفها أكبر دولة فاسدة في التاريخ بحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية.
وفرط المالكي أبان رئاسته للحكومة ما بين عامي 2006 الى 2014 بما يقارب مئتي مليار دولار في صفقات فساد دولية وهمية لشراء الأسلحة وبناء المصافي ومحطات الكهرباء والمشاريع الخدمية.
وسبق وان اعترف الرئيس الحالي برهم صالح أن عوائد النفط منذ سنة 2003 تقدّر بحوالي ألف مليار دولار أهدر معظمها وهُرّب منها إلى الخارج نحو 150 مليار دولار.
وكان الصحفي روبرت وورث قد فتح نافذة أمام الرأي العام العالمي تكشف عن العناوين الكبيرة في الفساد الجاثم على صدر العراق بتقرير مطول في صحيفة نيويورك تايمز شرح فيه تفاصيل استحواذ قادة الميليشيات على نسبة من كل عقود المقاولات التي توقع مع الحكومة. إلى درجة أصبح ما سرق من ثروة العراق منذ عام 2003 يصعب عده.
وكتب وورث بعد أن ذكر أسماء قادة الميليشيات الفاسدة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، فهم ليسوا فقط عملاء لإيران بالوكالة، بل هم أيضا الوجه الجديد لحكم اللصوص البيروقراطي، وإن من دعم ومكن هذه الميليشيات هي الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي لا تسعى إلا إلى الثراء.
وقال “لقد قامت هذه العصابات متعددة الطوائف لسنوات عديدة بممارسة الاحتيال على كافة المستويات ومن ضمنها السيطرة المستمرة على نقاط التفتيش، والاحتيال المصرفي، والتحايل على نظام الرواتب الحكومي”.
وكتب أنّ الميليشيات أصبحت تشكّل طبقة جديدة، أخلاقياتها الوحيدة هي إثراء الذات. وعلى مرّ السنين أتقنت هذه العصابة العابرة للطوائف الحيل على جميع المستويات من الاحتيال المصرفي إلى الاختلاس من الرواتب الحكومية.
ويشبّه التقرير الحياة السياسية في العراق بحرب عصابات قائلا إنّ سطحها المضطرب يخفي عملا هادئا للنهب، ففي كل وزارة يتم تخصيص أكبر الغنائم بالاتفاق غير المكتوب لفصيل أو لآخر. فلدى الصدريين وزارة الصحة، ولدى منظمة بدر منذ فترة طويلة وزارة الداخلية، ووزارة النفط تابعة لتيار الحكمة.
ولا يخلي الصحافي وورث الولايات المتّحدة من المسؤولية عما آل إليه العراق من فساد عظيم، قائلا في تقريره إن واشنطن متورطة بشدة في كل هذا، ليس فقط لأن غزوها دمر البلاد بل لأنها تقدّم الأموال التي يستفيد منها الفاسدون، إذ لا يزال الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك يمد العراق بما لا يقل عن 10 مليارات دولار سنويا بالعملة الصعبة من مبيعات النفط. وقد تم تمرير الكثير من ذلك إلى البنوك التجارية ظاهريا لتغطية الواردات لكنّ العملية اختطفتها منذ فترة طويلة عصابات غسل الأموال.
ولا يرى مراقبون سياسيون أن تصريحات الكاظمي المتفائلة ستعيد البوصلة السياسية العراقية، عن الاتجاه الذي رسمت لها منذ احتلال العراق عام 2003.
وقال الصحفي كرم نعمة “إن جميع المسؤولين الذين يتقلدون مناصب حكومية عليا، يشعرون بضعفهم أمام أنفسهم، ويريدون أن يصدقوا أنهم يتقلدون فعلا هذا المنصب الرفيع في إدارة الدولة، الأكثر من ذلك أنا لا أشك أن من يمتلك منهم وعيا مقبولا يتساءل مع نفسه عمّا إذا كانت هناك دولة بالفعل في العراق، وأين هي إن لم تكن دولة افتراضية تختصرها المنطقة الخضراء المحمية”.
وأعتبر كرم نعمة من قبيل المهزلة الاعتقاد بسلطة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. فهو غير قادر على الاستفادة من المصانع السياسية كمصدر للحوكمة الرشيدة. ليس لأنه لا يريد ذلك، بل لأن لا سياسة في العراق أصلا بوجود اللادولة وسلطة الميليشيات.
بينما كتب المعلق السياسي فاروق يوسف ان كوكب العراق هو مريخ الأرض الذي سيُسجل فساده في صفحات التاريخ كونه مؤشرا على بلوغ البشرية أسوأ مراحل انهيارها وانحطاطها وتدهورها الأخلاقي، وسيكون في إمكان العراقيين أن ينظروا إلى سنوات ذلك الفساد باعتباره الزمن الذي تحولت فيه بلادهم إلى كوكب مظلم يدور حول نفسه بعيدا عن الشمس.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى