أخبار الرافدين
د. مثنى حارث الضاري

فيض ذاكرة

مشروعات المصالحة ومؤتمر الوفاق في القاهرة

المصالحة: جرى الحديث في أواخر سنة 2004 ومطالع سنة 2005 بكثرة عما سميّ مشروع “المصالحة الوطنية”.
وقد اجتمعت القوى المناهضة للاحتلال برعاية الهيئة في مقرها العام بجامع “أم القرى” في “15 شباط 2005″؛ لمناقشة هذا الموضوع، وبيان رأيها فيه. وانتهت هذه القوى بعد اجتماع مطول إلى أن المصالحة الوطنية الحقيقية ينبغي أن تقوم على: توحيد الموقف من الاحتلال أولًا، وأنه لا ينبغي الحديث في العراق عن مصالحة وطنية دون توضيح الموقف من هذا الاحتلال، الذي يعده بعضهم تحريرًا، فيما يعده الآخرون -كما هو الواقع- احتلالًا.
وصدر عن هذا الاجتماع بيان وقعت عليه قوى كثيرة من مختلف الأطياف العراقية، من أبرزها: التيار القومي، والمدرسة الخالصية، وهيئة علماء المسلمين، والتيار الصدري، وجهات أخرى كثيرة مهنية وعشائرية وشعبية، فضلًا عن الشخصيات المستقلة. ونص البيان على أن المصالحة الحقيقية هي تلك التي لا تقوم إلا بعد تحديد الموقف من الاحتلال، بغضّ النظر عن طريقة المقاومة التي تستخدمها كل جهة، وأنه لابد من أسس أخرى مهمة مكملة لذلك، هي:
1- جدولة واضحة ومحددة ومعلنة وملتزم بها وفق ضمانات دولية لانسحاب قوات الاحتلال من العراق بجميع مظاهرها وأشكالها.
2- إلغاء مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والإثنية، واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون.
3- إقرار مبدأ حق الشعب العراقي في رفض الاحتلال والاعتراف بالمقاومة العراقية وحقها المشروع في الدفاع عن بلدها ومقدراته ورفض “الإرهاب” الذي يستهدف العراقيين الأبرياء والمنشآت والمؤسسات ذات النفع العام واستهداف دور العبادة من مساجد وحسينيات وكنائس وجميع الأماكن المقدسة.
4- بما أن الانتخابات التي أجريت ناقصة الشرعية لقيامها على قانون إدارة الدولة المرفوض، ولعدم استنادها على الأُطر القانونية والأمنية، والمقاطعة الشعبية الواسعة لها، والتزوير الحاصل فيها؛ فإنه لا يحق للإدارة الناشئة عنها إبرام أي اتفاقية أو معاهدة من شأنها المساس بسيادة العراق ووحدته أرضًا وشعبًا واقتصادًا والحفاظ على ثرواته.
5- اعتماد طريقة الانتخاب كخيار وحيد لتداول السلطة سلميًا، والعمل على تهيئة الأجواء والقوانين التي من شأنها إجراء العملية السياسية في أجواء نزيهة وشفافة، وبإشراف دولي ومحايد.
6- التأكيد على هوية العراق الوطنية والعربية والإسلامية، والوقوف بحزم بوجه كل الدعوات التي من شأنها أن تفقده هذه الهوية.
7- إطلاق سراح جميع المعتقلين والمحتجزين في سجون الاحتلال والحكومة المؤقتة، ولا سيما النساء، وإيقاف عمليات الدهم المستمرة وانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العراق، والمطالبة بتعمير المدن العراقية المخربة وتعويض أهلها تعويضًا عادلًا ومنصفًا”.
مؤتمر الوفاق: ثم انتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة أخرى في جهودنا السياسية المتعلقة بموضوع رؤيتنا للحل العام في العراق، أو المتعلقة بالموضوعات التفصيلية، ومنها “المصالحة”؛ وهي محاولة إيصال هذه الرؤية للجهات الإقليمية والدولية بأي وسيلة ممكنة، وجرت في سبيل ذلك جهود كثيرة، حتى وصلنا إلى “مؤتمر الوفاق العراقي” في نهاية 2005 بالقاهرة، الذي حضرته الهيئة والقوى المناهضة للاحتلال في إطار المؤتمر التأسيسي، بعد الاتفاق مع الجامعة العربية على أسس محددة للمشاركة، أهمها: أن يكون هذا اللقاء بين قوى مناهضة للاحتلال، وجهات متعاونة مع الاحتلال، برعاية عربية وأممية، وأن هذا المؤتمر لا يمكن أن يُعد جزءًا من العملية السياسية، وأن يكون اللقاء تحت قبة الجامعة العربية.
وقد كان المؤتمر فرصة مناسبة لعرض وجهة نظر القوى المناهضة للاحتلال والتعبير عن رأي المقاومة العراقية. حتى أن الجامعة العربية وقتها كانت على استعداد تام لاستقبال وفد من المقاومة العراقية؛ لبيان وجهة نظره، إن لم يكن في المؤتمر، فقبل المؤتمر أو قريبًا منه، ولكن قضايا فنية حالت دون ذلك.
وفي المؤتمر كانت هناك كلمة لأمين عام الهيئة الشيخ حارث الضاري “رحمه الله”، أوضح فيها الأمور التي ينبغي أن تُحل في ضوئها الأزمة في العراق، وأعاد التذكير بخطة الجدولة، التي قدمت للأمم المتحدة في عام 2004، وركز على نقاط أخرى مهمة، وكذلك موضوع المصالحة من وجهة نظر القوى المناهضة للاحتلال، وحقيقة المشكلة في العراق.
واتفقنا في نهاية اجتماعات المؤتمر، بعد جلستين من المفاوضات مع القوى الأخرى على موضوع الجدولة، وإعادة النظر في كثير من المواضيع، ولكن قبل أن يجف حبر هذه التوصيات؛ نُقضت في العراق من الحكومة وقتها، ولم يُطبق أي حرف منها.
وعلى الرغم من ذلك تم التحضير لعقد اجتماع اللجنة التحضيرية في عام 2006 لبحث إمكانية عقد المؤتمر، وكان هناك قرار من القوى المناهضة للاحتلال بعدم المشاركة؛ بسبب عدم تنفيذ توصيات المؤتمر السابق، وأعلنت هذه القوى عن الأسس الستة التي ينبغي للجامعة العربية الالتزام بها للمؤتمر التأسيسي حتى يُعدل عن قرار عدم المشاركة، وبعد تعهد الجامعة العربية بذلك؛ عقد المؤتمر التأسيسي اجتماعًا لبحث الموضوع، واتخذ قرارًا بحضور ممثلين عنه للمؤتمر لبيان هذه الحقيقة، وإثبات الواقع لكل الذين كانوا يرعون المؤتمر، وهم: الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.
وهكذا عقد اجتماع القاهرة الثاني الذي كان لقاءًا مختصرًا لم تسلط عليه الأضواء، وأهمل تمامًا؛ على الرغم من توصلنا فيه إلى نتائج مهمة: كتأكيد موضوع جدولة الانسحاب وإعادة النظر في الدستور كاملًا. وهي أمور تحققت بعد جهد جهيد ومشادات ومجادلات مع ممثلي أحزاب العملية السياسية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى