أخبار الرافدين
كرم نعمة

العمى السياسي لا يتغير إلى جنة ديمقراطية

بعد ساعات من فوز التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية نهاية عام 2021 كتب هذه الجملة في قراءة مبكرة لما يمكن أن يحدث في العراق “مقتدى لم يكن حلًا، ولن يزيد التيار الصدري العراق إلا مِحَنًا”.
دافعت عن فكرتي آنذاك بتلك القصة الواقعية بالقول: قبل يومين من إعلان فوز التيار الصدري بالانتخابات البرلمانية وجدت جثة الشاب حيدر محمد الزاملي ملقاة في المياه بمدينة الديوانية جنوب العراق، وبعد يوم واحد من اختطافه.
لم يفعل حيدر الناشط في تظاهرات ثورة تشرين التي عمت المدينة على مدار سنتين غير أن نشر على حسابه على فيسبوك رسما كاريكاتيريًّا لرجل دين يشبه مقتدى الصدر يقف خلف قطيع من الأغنام وهي تتقدم بانتظام للتصويت في صندوق انتخابي مثبت عليه شعار الإصلاح.
اليوم وبعد فوز التيار الصدري في الانتخابات واحتفال أنصاره بقوة، ليس بمقدور الجهات الأمنية مواصلة التحقيق في جريمة قتل حيدر، بينما كل الدلائل تشير إلى ميليشيات سرايا السلام.
مع ذلك، أنا بحاجة اليوم أن أتراجع عن عنواني المتشائم عن الثقة بمقتدى وبمستقبل العراق تحت سطوة التيار الصدري، بمجرد أن أجد ما يفنده من المدافعين عن الصدر وما يمكن أن يُسموا بمُنظري الفكر الصدري، وبعد اقتحام مناصري التيار مبنى مجلس النواب، ومن ثم كلمة الصدر التي زعمت بعدم التراجع عن هدم المعبد على رؤوس مشيديه الفاسدين، وكأنه ليس من البناة الأوائل لمعبد الأباطيل السياسية والطائفية الفاسدة.
هناك الكثير من الوعود والكثير من الصراخ، خلال الأيام الماضية، فحتى لو كانت هناك مجموعة أفكار مفيدة فإنها تضيع في هذا الصخب. الصراخ يقابل بصراخ آخر فمن بمقدوره الاستماع بعده.
الصدريون لا يمتلكون الأفكار أصلًا وفق تاريخهم القصير، ويدافعون عن “مقتداهم” بالصراخ. فاذا كان المدافعون عن الإطار التنسيقي يمارسون دور الأحمق عندما يتحدثون عن العقلانية والدولة والقانون والسيادة والدستور ويريدون من العراقيين أن يأخذونهم على محمل الجد، إلا إذا أخذ العراقيون مقتدى الصدر على محمل الجد على أنه يمتلك مشروعًا وطنيًا ويريد محاسبة الفاسدين!
مع ذلك، من الصحيح الاتفاق مع ادعاءات الصدر المتكررة والمطالبة بتهديم معبد العملية السياسية على رؤوس مشيديه ومحاكمة لصوص الدولة، باعتبارها مطلبًا وطنيًا عراقيًا قائمًا قبل وبعد ثورة تشرين، لكن التيار الصدري لا يمثل الحل ولا يمتلكه، وإن زعم أنه يريد محاسبة الفاسدين.
من المفيد هنا الاستعانة بما ذكره توبي دودغ أحد المحللين القلائل الذين يقرؤون المزاج السياسي والتاريخي العراقي من خارج عدسات السائح والصحفي البريطاني بقوله “الصدر ليس ثوريًا. هو يريد استمرار النظام لكن على أن يكون في وضع يتيح له هيمنة أكبر”.
ووصف دودغ الأزمة بأنها “شجار داخل نخبة شعبيتها آخذة في التضاؤل، في بلد تسبب فيه سوء الحكم والإدارة والفساد في انقطاعات متكررة في الكهرباء والمياه وتفشي الفقر والبطالة رغم أن بالبلاد ثروات نفطية ضخمة”.
وقال الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد “ربما كانت هناك حسابات خاطئة وغلطات. لكن يبدو لي أنه يوجد في كل مرحلة من تلك العملية طرف أو آخر يتخذ خطوات لتجنب العنف”.
ذلك يوصلنا بأن العمى السياسي لا يمكن أن يتغير إلى جنة ديمقراطية، فقد فَتحَ قرب انهيار العملية السياسية ما يمكن تسميته بعالم النوافذ المكسورة الذي تسببت به الولايات المتحدة منذ احتلال العراق، وفَتحْ الباب أمام تحليلات جادة تنبه مصدر القرار الأمريكي على فشل اختراع دول على شاكلتها كما يحدث في العراق اليوم.
وضع أحد أهم منظري التيار الصدري وهو من القلائل الذين يمتلكون فكرًا جادًا مقابل حشود المسكونيين بخرافة المقدس الطائفي، في اختبار جدّي أمام الخيار الذي عرضه ما يسمى بوزير الصدر على هادي العامري بفك العلاقة مع نوري المالكي، قبل الحديث عن حوار مشترك.
كيف لكم أن تُبرؤوا العامري “لورد القتل على الهوية” بمجرد عزله عن المالكي الذي لا يقل تفاهة طائفية وسياسية عنه.
لنا أن نتخّيل ما رد به أهم المدافعين عن الصدر بأفكار معتدلة!! بوصفه “الحاج هادي العامري شخصية وطنية متفق عليها عراقيًا”!
يا للكارثة! ذلك ما يمكن أن يعتقده الصدر في انتقائية محاسبة الفاسدين ولوردات القتل على الهوية.
فهل يمكن أن أجد بعد ذلك ما يدفعني إلى التراجع عن عنواني السابق الذي كتبته قبل عام تقريبا؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى