أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

المدارس الفلسطينية في القدس المحتلة تقاوم المناهج الصهيونية حتى الرمق الأخير

الكيان الصهيوني يستبدل المنهاج الفلسطيني بآخر محرف يتبنى روايته العنصرية.

القدس المحتلة- يُصارع الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967 في القدس من أجل الحفاظ على مناهجهم التعليمية، غير أن محاولات الكيان الصهيوني المكثفة لفرض منهاجه يضعهم أمام صعوبات كبيرة.
وتُعلِّم المدارس في تلك المناطق من القدس المنهاج الفلسطيني الذي يختتم بشهادة الثانوية العامة “التوجيهي”، ولكن “إسرائيل” تريد منها تدريس المنهاج الصهيوني الذي يتكلل بامتحان “البجروت”.
ونتيجة الرفض الفلسطيني الشامل، أخفقت “إسرائيل” في فرض منهاجها التعليمي على مدارس المحتلة بعد 1967، غير أن محاولاتها لم تتوقف منذ ذلك الحين.
وثمّة أربعة أنواع من المدارس في الجانب الشرقي من القدس: الخاصة، والتابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، والتابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وتلك التابعة للحكومة الصهيونية في المناطق المحتلة بعد عام 1947.
ووفقًا للقانون الصهيوني، لا يمكن تفعيل أي مدرسة في المناطق المحتلة بعد عام 1947 دون ترخيص صادر عن وزارة التعليم، وبالتالي فإن كل المدارس الأهلية والبلدية تحصل على ترخيص منها.
ولكنّ أغلب هذه المدارس، تُدرّس المنهاج الفلسطيني بموجب الكتب الدراسية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي توزعها مجانًا على هذه المدارس.
ويوضح نهاد أرشيد، محامي الكلية الإبراهيمية (خاصة)، أن الأوضاع بدأت تتغير منذ 2011، حيث لم تكن “إسرائيل” قبل هذا التاريخ تتدخل في فحوى المناهج التي تُدرس بما في ذلك المدارس التابعة لبلدية القدس التابعة لحكومة الكيان.
ويضيف أرشيد “في سنة 2011، ولأول مرة كانت هناك مطالبة من قبل “المؤسسات الإسرائيلية” بحذف جزء من الكتب التدريسية المعمول فيها بالمنهاج الفلسطيني”.
وتابع “في حينه، قامت وزارة التعليم وبلدية القدس التابعة للكيان الصهيوني بطباعة كتب شبيهة بتلك المعمول فيها في مناطق السلطة الفلسطينية، ولكن من ناحية الغلاف فإنه تم نزع جميع الرموز الفلسطينية، أمّا من ناحية الفحوى فقد تم حذف عدة نصوص من مضمون الكتب بذريعة أنها مُحرّضة”.
ورأى أرشيد أن هذه كانت بمثابة المحاولة الثانية من قبل الكيان الصهيوني، بعد أن رفض الفلسطينيون منهاجه التعليمي سنة 1967 وهو عام احتلال القدس.
وقال: “الفكر البديل الذي توجّهت له “إسرائيل” هو تغيير المضمون، وبدلا من الرواية الفلسطينية في الكتاب يتم وضع رواية أخرى، بحيث إن الطالب الفلسطيني عندما يدرس في المدارس، يتعلم رواية أخرى تختلف كليًا”.
وفي هذا الصدد، يطرح أرشيد مثالًا يتمثل في شطب السلطات الصهيونية النص الموجود في كتاب الدراسات الاجتماعية للصف التاسع والذي يقول: “وكانت الكارثة العنصرية الكبرى التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 عندما احتلت العصابات الصهيونية المسلحة سبعة وسبعين بالمائة من فلسطين وارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين وتدمير 531 فلسطينية وتهجير مليون فلسطيني إلى أماكن اللجوء فيما تبقى من فلسطين أو إلى دول الجوار كالأردن وسوريا ولبنان وغيرها من أماكن الشتات”.
ويتابع النص “وأكملت احتلالها لما تبقى من فلسطين في حزيران 1967، وما زال الاحتلال الصهيوني يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إضافة إلى إنكاره القرار الدولي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين”.
وأضاف أرشيد أن “هذا النص شطبته السلطات الصهيونية من الكتب بداعي أنه نص مُحرض” ضدها.
وكشف عن قضية أخرى تتعلق بهذا الملف، وهي أن السلطات الصهيونية لا تكتفي بحذف أجزاء من مضمون المناهج، بل تضيف فقرات بديلة.
وتابع: “تبين أنه على الرغم من ادعاء وزارة التعليم الصهيونية بأنها تمرر الكتب تحت الرقابة، وتحذف جزءًا من النصوص، فإنها تقوم بما هو أكثر من ذلك، فهي تدخل نصوصًا كاملة جديدة في الكتب، والتي تختلف كليا عن النصوص المعمول بها في المنهاج الفلسطيني”.
وأردف “الإسرائيليون يقولون لنا بما معناه: إذا كنتم تريدون نظامًا توجيهيا، فليبقى، على أن يكون التوجيهي الذي نحدده نحن، وليس التوجيهي الذي يريد الطلاب تعلمه”.
غير أن الفلسطينيين، رفضوا التعاطي مع هذه الخطوة الصهيونية، وأصروا على مواصلة الدراسة بالكتب الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
وعاد الكيان الصهيوني لمحاولة فرض منهاجه التعليمي، ولكن بأسلوب الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.
وأشار أرشيد إلى أن “إسرائيل” بدأت تكثف جهدها في تغيير المناهج منذ العام الدراسي 2017-2018، من خلال استدراج المدارس في القدس لتعليم المنهاج الصهيوني (البجروت) عن طريق اقتراح منح مالية، بمبالغ عالية جدًا للمدارس الخاصة، التي تفتح مسارًا له، ومن خلال المدارس الحديثة التي أقامتها بلدية القدس التي تُعلم المنهاج الإسرائيلي”.
وأضاف “ارتفع عدد الطلبة الفلسطينيين المتقدمين لامتحان البجروت الإسرائيلي بشكل ملحوظ، من بضع مئات في عام 2013 إلى 8400 طالب عام 2020”.
وفي تموز 2022، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى خطوة جديدة، تتمثل في ترهيب المدارس، إذ دعت الكلية الإبراهيمية، التي تحتضن ما يزيد عن 1300 طالب في جميع مراحلها، ومدارس الإيمان، التي تضم 5 فروع، ويصل عدد طلابها إلى 2000 طالب، إلى جلسة استماع في وزارة التعليم الصهيونية.
وقال المحامي أرشيد، الذي يُمثّل الكلية الإبراهيمية “في كتاب الدعوة الذي تم توجيهه إلى الكلية، تم اتهامنا بشبهة أننا نستخدم كتبًا تدريسية تشمل مضامين محرضة ضد “إسرائيل”، ومواد لها تأثير على طلاب المدرسة”.
وأضاف “وتمت الإشارة بشكل خاص إلى النص الذي يختصر الرواية الفلسطينية من النكبة وحتى جدار الفصل العنصري (المقام على أرض الضفة الغربية) على أن هذا النص، هو نص تحريضي ضد إسرائيل”
وتابع “بعد أن تم استعراض الشبهة المنسوبة إلى المدرسة، تمت الإشارة إلى أن الوكيل العام لوزارة التعليم (الصهيونية)، يدرس إمكانية سحب الترخيص، وإصدار أمر بإغلاق المدرسة”.
وأكمل أرشيد: “حضرنا جلسة الاستماع، وجوابنا الأساسي كان أنه لا يعقل أن تنسب لنا شبهة تدريس المواد التحريضية الموجودة في ما يقارب 200 كتاب لكل المراحل التدريسية بدون تحديد كل النصوص التي ينسبون لها شبهة التحريض، وإذا ما كانت كل الكتب تشمل نصوصًا تحريضية”.
وقال “ككلية إبراهيمية كان موقفنا أننا غير قادرين على الإجابة في هذه المرحلة على الشبهة التي تُلصق بالنصوص المشمولة في هذه الكتب بأنها نصوص تحريضية، فهذا موضوع بحاجة لدراسة وتدقيق وفحص”.
وأضاف “قلنا إننا بحاجة إلى عدة أشهر لإجراء فحص وعرض الكتب على خبراء في التاريخ والسياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد، ليحددوا هل هي مواد فعلًا تحريضية أو رواية تاريخية حقيقية، لجانب معين من الصراع”.
وتابع “انتهت الجلسة بمنحنا 5 أيام إضافية لاستكمال ردنا على الشُبَه المنسوبة لنا بشكل مكتوب، وتقدمنا برد خطي ولا زلنا في انتظار قرار الوزارة الصهيونية”.
غير أن وزارة التعليم الصهيونية أصدرت بيانا في الثامن والعشرين من تموز الماضي، أعلنت من خلاله أنها أوعزت لوزارتها بسحب التراخيص القائمة من الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان، ومنحهم ترخيصًا مؤقتًا لسنة تدريسية واحدة من أجل التعامل مع الكتب التدريسية.
إلا أن أرشيد قال “نحن لم نستلم أي قرار، لا بإلغاء التصاريح القائمة، ولا بمنحنا تراخيص مؤقتة، كما جاء في البيان الإعلامي، وقلنا لهم في رسالة إنه لا يعقل تعميم بيان إعلامي بقرار معين، في الوقت الذي لم أبلغ فيه أنا صاحب الشأن، بهذا القرار”.
وكشف النقاب عن أن السلطات الصهيونية عمّمت لاحقا، رسالة على باقي المدارس في القدس، تدعوها إلى أخذ العبرة مما حدث مع مدارس الإيمان والإبراهيمية، وتفادي أي إشكالية في السنة الدراسية القادمة باستعمال الكتب الصادرة عن وزارة التعليم الصهيونية، وعدم استعمال الكتب الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
وقال أرشيد “هذا يدل على أنها كانت محاولة من قبل وزارة التعليم الصهيونية، لاستخدام مدارس الإيمان والإبراهيمية، كوسيلة، لإرهاب بقية المدارس”.
وأثار القرار الصهيوني موجة استياء في الأراضي المحتلة بعد عام 1967 فيما يعرف بـ “القدس الشرقية”، ولكن الفلسطينيين أدركوا أن معركة الحفاظ على المنهاج الفلسطيني في مدارسهم دخلت مرحلة جديدة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى