أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

واقع حال الموصل يكشف زيف تصريحات الكاظمي حول إعادة إعمار المدينة

أبناء الموصل يأخذون على عاتقهم زمام المبادرة لإعادة إعمار مدينتهم ولملمة جراحها ويصفون وعود الحكومة بالكلامية والفارغة.

الموصل – الرافدين
أثارت تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، حول ما وصفها بـ “الجهود الجبارة لإعادة إعمار الموصل”، صدمة في الشارع الموصلي لبعدها الكبير عن واقع المدينة التي مازالت العديد من أحيائها وجثث سكانها مدفونة تحت الركام بعد أكثر من خمس سنوات على إعلان استعادتها من تنظيم داعش عقب الحرب التي شهدتها المدينة.
وأكد الكاظمي في بيان نشره مكتبه عقب زيارته إلى الموصل ووضعه حجر الأساس لتأهيل مطار المدينة برفقة محافظ نينوى نجم الدين الجبوري أن عمليات إعادة الإعمار تخضع لمواكبة ومتابعة مباشرة منه؛ بما يضمن أن يتم إنجاز هذه المشاريع والأعمال بأسرع وقت ممكن.
وفتح تصريح الكاظمي الذي وصفته الأوساط الشعبية بـ “المثير للجدل” الباب على مصراعيه للحديث عن الجهود الحكومية الخجولة في إعادة إعمار المدينة التي تخضع لهيمنة الميليشيات ومكاتبها الاقتصادية وفقًا لمراقبين.
ويقول مسؤول بارز في مجلس محافظة نينوى رفض الكشف عن اسمه إن كل جهود السنوات الخمس الماضية في الإعمار لم تتعد أكثر من خمسة عشر بالمائة، والخراب الباقي بحاجة إلى مبالغ ضخمة ولم تف بغداد بوعودها في منح السكان مبالغ تعويضية عن منازلهم لإعمارها أو لإعمار المباني والمنشآت الخدمية العامة.
ويضيف المسؤول، أنه “لغاية الآن، يتم انتشال جثث جديدة وهناك جثث ما زالت تحت الأنقاض لمدنيين قضوا بالقصف، وهناك أيضًا آلاف المواطنين مختفين لا يعلم أحد مصيرهم ويعتقد أنهم قضوا أيضًا بالمعارك والمدينة لم تحصل إلا على الوعود الكلامية”، وفقاً لتعبيره.
ويتفق الناشط الموصلي يحيى الأعرجي مع ما ذهب إليه المسؤول في مجلس المحافظة إذ يؤكد أن”المدينة لا تزال تعاني من أنقاض لم يتم رفعها، وهناك مقابر جماعية لم يتم اكتشافها، ناهيك عن كون ملف تعويض الأهالي شهد عرقلة كبيرة بسبب إرادات سياسية لا تريد أن تعود الحياة إلى طبيعتها في المدينة”.
ويضيف الأعرجي أن “مدينة الموصل تحوَّلت بعد استعادتها إلى معسكر لعمل الفصائل المسلحة والجهات الحزبية، وهي تفرض إرادة سياسية وأمنية وشروطاً قاسية مقابل عمل التجار والمستثمرين”، مشيرًا إلى أن “الموصل حاليًا محتلة بعلم الدولة، وتحتاج إلى قرارات حكومية حازمة بشأن الاهتمام بها وإبعاد الدخلاء عليها”.
وبدوره قال عضو مجلس محافظة نينوى حسام العبار إن “مدينة الموصل بعد داعش ليست تلك التي كانت قبل سيطرة التنظيم، وهي تتعرض لعمليات ابتزاز وهيمنة من شركات وعصابات وجماعات مسلحة لها ارتباطات سياسية، والجميع ما زال يعاني”.
وأضاف العبار في تصريح صحفي، أن “هناك فاعلين لا يريدون للموصل أن تنهض من جديد، ويمنعون أي تقدّم عمراني فيها، والخراب فيها ما زال واسعًا”.
وأشار إلى أن “هذه الإرادات في الأصل هي من خارج محافظة نينوى، وتمارس ضغوطًا على الجهات الاستثمارية والشركات الأهلية، بل حتى الأجنبية، في سبيل التربّح منها”.
ومنذ إعلان الحكومة إحكام سيطرتها على الموصل في العاشر من تموز 2017 بعد معارك عنيفة استمرت تسعة أشهر؛ ما تزال مشاهد الدمار والخراب ماثلة في أرجائها على الرغم من المحاولات الشعبية للملمة الجراح وإعادة الحياة إلى شوارعها وأسواقها وبيوتها التي دمرت.
وتبدو المتاجر التي فتحت أبوابها كواحة حياة صغيرة وسط دمار كبير لا يزال واضحًا للعيان في الأسواق التي كانت تعج بالزبائن قبل العام 2014.
ويقول أحمد رياض (22عامًا) الذي يملك محلًا في سوق الكورنيش أنه تمكن من إعادة بناء متجره من ماله الخاص.
ويضيف رياض: “عادت الحياة تدريجيًا إلى منطقتنا المنكوبة بعد إعمار محالنا على حسابنا الشخصي”، مؤكدًا: “لم نحصل على أي تعويض حكومي أو من المنظمات المهتمة”.

أهالي الموصل يقومون بترميم محالهم التجارية على نفقتهم الخاصة

كما أوضح أن من بين نحو 400 محل وكشك “10 بالمائة فقط عادت إلى العمل في ظل المصاعب التي يواجهها كثر في إعادة فتح محالهم من جديد لأنهم لا يملكون المال”.
ويشعر أهل المدينة عمومًا بوجود إهمال حكومي لهم بسبب تأخر صرف التعويضات عن الأضرار التي تسببت فيها الحرب.
وبحسب مدير دائرة التعويضات في المحافظة محمود العكلة، هناك أكثر من مائة ألف طلب في نينوى للحصول على تعويضات قدمها من “تضرروا جراء العمليات العسكرية وما رافقها من قصف وتفجير وتدمير للبنى التحتية الأساسية”.
ويحمّل قائممقام قضاء الموصل زهير الأعرجي من جانبه مسؤولية التأخير إلى “لجنة التعويضات في بغداد، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووزارة المالية”.
وتعليقًا على أوضاع الموصل، يقول الناشط الحقوقي والمدني أيوب ذنون، إن “الجهود الحكومية لا زالت دون المطلوب بل هي ضعيفة، حيث العديد من البنى التحتية والمرافق الحيوية هنا لا زالت متخلفة كالمستشفيات والجسور والطرقات”.
ويناشد ذنون وهو من أبناء الموصل باسم أبناء المدينة الجهات الحكومية المعنية للإسراع في رفع وتيرة عملية إعادة البناء والإعمار وتعويض المتضررين، ورفع أنقاض الحرب وطي تركتها الثقيلة”.
ويرى عضو مجلس محافظة الموصل للخدمات العامة فهد سعد، في الفساد السبب الرئيس لتأخر كل شيء، وان السلطات قامت فقط بإعادة ترميم الشوارع وتبليطها، ولكن أبناء الموصل هم من أعادوا بناء بيوتهم ونظفوا شوارعهم وعملوا على إرجاع الحياة للمدينة”.
ويضيف سعد أن “معظم مناطق المدينة ما تزال محطمة و ما تزال بحاجة لترميم او إعادة بناء”، مشيرًا إلى أن ذلك ناجم عن “سوء إدارة للسلطات الحكومية”.
ويرى، أن “التقدم الحاصل في إعادة الاعمار كان على نحو ترقيعي”، وأن “اغلب ما تم تحقيقه يرجع لتكافل جهود أبناء المدينة الذي مكن من إعادة الحياة للمدينة، وليس للحكومة”.

معظم مناطق الموصل ما زالت مدمرة بسبب غياب خطط الإعمار

وتبلغ كلفة إعادة إعمار نينوى، بحسب مصدر رسمي، مائة مليار دولار، وهو رقم يفوق قدرة الدولة العراقية التي ينخر الفساد مؤسساتها وفقًا لخبراء في الاقتصاد.
بدورها، تقدر الحكومة القيمة الفعلية لإعمار الموصل بأكثر من سبعة عشر مليار دولار فقط في حين لم يصل حجم الإنفاق حتى اليوم إلى ثلاثين بالمائة من القيمة المقدرة.
وبلغت ميزانية البلد الكلية، وفقًا لتقارير مختصة حال انتهاء المعارك عام 2017 نحو اثنين وعشرين مليار دولار، أي أقل بكثير من تقديرات البنك الدولي لكلفة إعادة اعمار المناطق المتضررة جميعها والتي قدرت بحدود ثمانية وثمانين مليار دولار”.
في وقت، “تمكن فيه مؤتمر المانحين الدوليين الذي عقد في شباط 2018 من جمع جزء صغير من هذا المبلغ، الذي قدم لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة والذي صرف في إصلاح واستعادة أغلب البنى التحتية المتعلقة بالمياه والكهرباء”.
وتقدر تقارير لمجلس النواب الحالي حجم الدمار الذي طال البنى التحتية في محافظة نينوى بنحو تسعين بالمائة، حيث لا تزال مئات المعامل والمنشآت مدمرة، ويبدو أنها خارج خطة الإعمار المزعومة.
وفي هذا الإطار، يشدد مدير صندوق إعمار الموصل سالم يحيى على أن الدمار كبير جدًا ولا يتناسب مع حجم المخصصات التي رُصدت لإعادة الإعمار.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى