أخبار الرافدين
وليد الزبيدي

درء الجوع عن العراق

حقق الدكتور محمد مهدي صالح الراوي نجاحا منقطع النظير في قيادته وإدارته لبرنامج “درء الجوع عن العراق”، ونقصد به ما عرف عند العراقيين بـ”البطاقة التموينية”، الذي تم وفق برنامجها توفير الاحتياجات الرئيسية للعائلة العراقية،
بعد أن وضعت الولايات المتحدة وبدعم دولي برنامج تجويع العراقيين من خلال لافتة الحصار الشامل والقاسي على العراق اعتبارا من آب 1990، والبرنامج الذي يتحدث عنه الدكتور الراوي في كتابه الجديد الذي اختار له نفس عنوان المقال، يشمل مخطط احتياجات العائلة العراقية من المستلزمات الغذائية والأدوية.
ولتوضيح خطورة الأوضاع في العراق بعد الحصار الذي جاء على خلفية غزو العراق للكويت مطلع آب 1990، نشير إلى أن العراق لم يضع في حساباته، أن يتعرض لحصار، يتم بموجبه منع استيراد كل شيء، بما في ذلك أقلام الرصاص لطلبة المدارس. وبعد عدة أشهر من بدء الحصار، شهد السوق العراقي نقصا هائلا في مادة الطحين والخبز، وكانت الخطوة الأولى باعتماد نظام الكوبونات والتقنين في المواد الغذائية بجميع مفرداتها، وبرزت ظاهرة الوقوف في طوابير أمام الأفران والمخابز، وفي ظل هذه المعضلة الكبيرة بدأت الخطوات الأولى لتنظيم عملية توفير مستلزمات ومتطلبات العائلة العراقية، وتصدى الدكتور محمد الراوي لهذه القضية بقدرات إدارية وتنظيمية كبيرة.
طبعا الأمر لا ينحصر في الجانب الإداري والتنظيمي الذي برز بوضوح منذ انطلاق عمل البطاقة التموينية، وإنما في توفير المبالغ الخاصة باستيراد تلك المفردات، وبما يكفي جميع أنحاء العراق وكل من يوجد على الأراضي العراقية من عرب وأجانب، إذ شمل قرار الحصار منع العراق من تصدير النفط بصورة تامة، ومعروف أن العراق يعيش باقتصاد ريعي، حيث يعتمد على إيرادات النفط المتأتية من تصديره بنسبة تقترب من الـ98 في المائة. وكانت هذه المعضلة من أصعب وأحرج الجوانب في تلك الفترة، خصوصا أن نفوس العراق في تلك الفترة بحدود خمسة وعشرين مليون نسمة، لكن تمكنت الحكومة العراقية من توفير المبالغ المطلوبة، وأدارها بنجاح وزير التجارة والطاقم العامل معه من مديرين ومستشارين، وبقي الوضع على حاله حتى أصدر مجلس الأمن قراره في العام 1995، وتم تنفيذه على مراحل اعتبارا من العام 1996، وسمي في حينه “النفط مقابل الغذاء والدواء”.
وكتب الزميل الراحل الصحفي سلام الشماع عن برنامج البطاقة التموينية قبيل رحيله في مقال له، يقول الشماع، رحمه الله “عدَّت الأمم المتحدة نظام البطاقة التموينية الأكبر والأكفأ في توزيع المواد الغذائية في العالم، كما أوردت ذلك جريدة الواشنطن بوست الصادرة في 3 شباط 2003”.
ويبقى كتاب الدكتور محمد مهدي صالح وثيقة في غاية الأهمية، بما يتضمنه من دروس عن إدارة الأزمات الكبيرة، وكيف تمكن وزير التجارة من “درء الجوع عن العراق” في أصعب الظروف.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى