أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

مدارس بلا مقاعد ولا كتب في عام دراسي جديد في العراق

مدير التعليم العام السابق ذو الفقار حسين: الفساد ينخر وزارة التربية والأموال تذهب إلى جيوب الفاسدين ولا يتم تجهيز المدارس بالمستلزمات الضرورية.

بغداد- الرافدين

يباشر التلاميذ في مدن العراق في الثاني عشر من تشرين الأول الحالي في سنة دراسية تجمع مصادر تربوية وسياسية على وصفها بالبائسة، عندما يدخلون فصولا دراسية بلا مقاعد ولا أدوات، فيما تفتقر الغالبية العظمى من المدارس للكتب المنهجية، بينما تستعين مدارس أخرى بكتب قديمة وتالفة.
وتعاني جميع مديريات التربية في عموم محافظات العراق من أزمة في توفير الكتب بما فيها العاصمة بغداد، بحسب مدير عام تربية بغداد الكرخ الثالثة، سعد الربيعي، الذي يعزو ذلك إلى عدم توفّر التخصيصات المالية لوزارة التربية من أجل طباعة الكتب.
فيما كشفت مصادر سياسية ان طباعة الكتب الدراسية تتنافس عليها قوى سياسية في أكبر صفقة فساد، حيث يطالب متنفذون من قادة الميليشيات إحالة صفقة طبع الكتب الدراسية إلى شركات إيرانية ولبنانية، بينما يرى آخرون أن المطابع الأهلية العراقية قادرة على طباعة المناهج وبمستوى فني متقدم.
وقال الربيعي في تصريحات لوسائل اعلام محلية بالتزامن مع الإعلان عن موعد بدأ العام الدراسي أن “هذا الموضوع تم الإبلاغ عنه قبل أكثر من ستة أشهر، بإن التخصيصات المالية غير متوفرة لوزارة التربية لطباعة الكتب، وسنواجه في بداية العام أزمة في توزيع المناهج الدراسية للتلاميذ والطلبة، كما تمت مناشدة مجلس النواب والحكومة لحل هذه الأزمة، لكن لحد الآن لم يتم تخصيص الأموال، ولا توجد ميزانية لطباعة الكتب”.
وأكد على أن كل المناهج باستثناء مادة اللغة الانجليزية فيها نقص وللمراحل كافة، بسبب عدم وجود ميزانية كافية لتغطية طباعة الكتب”، مشيرا إلى أن “وزارة التربية تنتظر تمويلا من قانون الأمن الغذائي لتجهيز المديريات بالمناهج الدراسية”.
وفشلت الحكومات المتعاقبة بحماية التعليم في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
وتضرر التعليم في العراق من الهجمات على المدارس أثناء الاحتلال الأمريكي وبعدها أثناء الصراع مع تنظيم داعش.
وتحولت المدارس إلى ثكنات عسكرية وتركت مدمرة بعد انتهاء المعارك في مدن غرب وشمال العراق، فيما فشلت الحكومات المتعاقبة في إعادة تأهيل هذه المدارس.
وترافقت، مع مشكلة الطلبة النازحين، مشكلة توفير المدارس الملائمة لهم، بعد أن تضررت مدارس كثيرة في عدد من المحافظات العراقية بسبب الأحداث الأمنية أو القصف أو بسبب استخدامها كمقارّ وثكنات عسكرية للميليشيات.
وتسبُّب الغزو الأمريكي في تهالك النظام التعليمي بما يشمل حملة استهداف الأساتذة والأكاديميين وكيف أصبحت الشهادات المزورة مسألة دارجة لأصحاب المراكز الحكومية العليا، وبالتالي تمثل هذه النتائج عملية إبادة شاملة للعلم والمتعلمين.
وتم تثبيت كلمة “إبادة التعليم” في الدراسات والبحوث الأكاديمية باللغة الإنجليزية. بعد وضع تعريف قاموسي وأكاديمي للكلمة استنادًا لما حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003.
واشتقت الباحثة العراقية رلى عبد السلام الآلوسي كلمة “إبادة التعليم” في بحث أكاديمي قدم مؤخرًا في مؤتمر بجامعة أكسفورد من تهالك النظام التعليمي في العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003.
وسبق وأن برر عضو لجنة التربية النيابية عباس الزاملي استمرار أزمة نقص المعدّات والمستلزمات الدراسية في مئات المدارس على التوالي بتفاجئ وزارة التربية بأعداد الطلاب وعدم وضع الخطط المسبقة لاستيعابهم.
وأكد الزاملي أن العديد من المدارس متهالكة ووضعها صعب جدًا مشددًا على أن الوضع التعليمي خطير في البلاد وهناك انهيار كامل للبنى التحتية لقطاع التعليم.
من جهته قال مدير التعليم العام السابق في وزارة التربية ذو الفقار حسين إنّ مقاعد جلوس الطلاب هي مشكلة كبيرة لا تنحصر في القرى والأرياف فقط، بل إن الكثير من مدارس العاصمة أيضا تعاني نقصاً في المقاعد.
وأوضح أن وزارة التربية نخرها الفساد وأن الأموال التي تدخلها تذهب إلى جيوب الفاسدين ولا يتم تجهيز المدارس بالمستلزمات الضرورية
ويرى مراقبون مختصون، أن تأخير طباعة وتوزيع الكتب على الطلبة في بداية العام الدراسي ليست بجديدة، بل تكررت لسنوات عديدة، بسبب اعتماد وزارة التربية على الموازنة الاتحادية.
حذر خبراء تربويون من تفاقم أزمة القطاع التعليمي في العراق بسبب نقص كوادر التدريس وتفشي ظاهرة التسرب بين الطلاب والعنف المدرسي وغيرها.
وأوضح الخبراء أن الأزمات التي يعاني منها قطاع التعليم في العراق تؤكد أنّ وزارة التربية الحالية فاشلة كونها لم تستطع توفير البنى التحتية اللازمة كما لم تستطع تقديم المحتوى الإيجابي الجيّد للطلبة. ويدفع التدهور الاقتصادي والفقر الكثير من العائلات إلى إجبار أبنائهم على ترك التعليم والتسرب من المدارس من أجل الدخول في سوق العمل لإعالة عائلاتهم.
وسبق وان اعتبر البنك الدولي ان 90 بالمائة من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرأون، بسبب الصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور فيه.
وصنف البنك رأس المال البشري في العراق بأنه “يمثل 15 بالمائة فقط من إجمالي الثروة، وهو أحد أدنى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وعزا ذلك التراجع المريع في التعليم إلى ضعف نواتج التعليم، والصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور التي قادت البلد إلى نظام تعليمي “يعجز عن تقديم المهارات الأساسية إلى الطلاب، والتي تشكل أساس التعلم وتنمية المهارات”.
ولم يشر تقرير البنك الدولي الى عمليات الفساد الكبرى التي شهدها واقع التعليم في العراق منذ عام 2003، فضلا عن عمليات تجهيل متعمدة وتغيير المناهج وفرض طقوس طارئة على التلاميذ.
وجرت عملية تجهيل في العراق بعد احتلال البلاد من قبل القوات الامريكية عام 2003 وسيطرة أحزاب طائفية على الحكم تعمدت تغيير المناهج وبث أفكار تقسيمية وطائفية، وفرض تقاليد على المدارس لأضعاف الروح الوطنية لحسابات حزبية.
وجرت أكبر عملية فساد في تاريخ العراق بالاستيلاء على مخصصات ضخمة من الأموال لبناء المدارس من قبل شركات وهمية مرتبطة بميليشيات متنفذة وأحزاب حاكمة.
وعاش الواقع التعليمي في العراق سنوات شاذة لم يشهدها تاريخ البلاد المعاصر، فغالبية المدارس في المدن العراقية تخلو من الشروط الأساسية للتعليم، عندما يفترش التلاميذ الأرض وتخلو الفصول الدراسية من المقاعد.
ووفقا لأحدث تقييم لمهارات القراءة للصفوف الأولى وتقييم مهارات الرياضيات للصفوف الأولى، ذكر بيان البنك الدولي “يظهر بحلول الصف الثالث لم تكن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين الذين تم تقييمهم قد اكتسبوا بعد المهارات الأساسية الكافية”، مؤكدا ان “أكثر من 90 بالمئة من الطلاب يعجزون عن فهم ما يقومون بقراءته”.
واضاف “لم يتمكن ما يقرب من ثلث طلاب الصف الثالث من الإجابة بشكل صحيح على سؤال واحد حول أحد النصوص المناسبة لأعمارهم قرأوها لتوهم”، موضحا “لم يتمكن 41 بالمائة من طلاب الصف الثالث من حل مسألة طرح حسابية واحدة بشكل صحيح”.
ويرى البنك الدولي انه جراء نواتج التعلم المتدنية “تبرز الحاجة الماسة إلى التركيز على الطلاب من الفئات الأكثر احتياجاً والمعرضين لخطر التخلف عن الركب والتسرب من نظام التعليم”.
وزاد تسرب الطلاب من المدارس الابتدائية في الماضي القريب وفقا للبنك الدولي الذي أكد انه “لم يكمل التعليم سوى نصف الطلاب من الفئات الأشد فقراً”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى