أخبار الرافدين
كرم نعمة

لماذا يجعل العالم العراق في هامش الأزمات؟

من البساطة بمكان أن يتبادر الى الذهن الإجابة الجاهزة على هذا السؤال، لأن تدفق النفط العراقي مستمر، ولم يتعرض إلى الضرر، وذلك كافيا كي يجعل المجتمع الدولي، العراق في هامش اهتماماته مع أن سماءه ملبدة بالغبار السياسي الفاسد.
نفس الإجابة تنطبق على المأزق الليبي، مع أن الانقسام السياسي هناك لا يقل سوءاً عن الفشل العراقي.
غير أن هذا العالم، “المتنور” بالليبرالية الديمقراطية والذي يبدو حريصا عليها بشكل زائف ومنافق لا يقول الحقيقة. كان يتحدث عند احتلال العراق عن حرية العراقيين وتحررهم من النظام، متذرعا آنذاك بأنه غير مهتم بالبترول العراقي بقدر اهتمامه بإنقاذ العراقيين!
وصفة الفشل السياسية تلك مستمرة منذ عشرين عاما، ولا يريد الغرب الاعتراف بخطيئته الكبرى بشأن العراق، أو على الأقل الدفع باتجاه مساعدة العراقيين على استعادة بلدهم المخطوف.
تكررت تلك الأسئلة على مدار الأيام الماضية بعد مطالعة الممثلة الأممية الخاصة جينين هينيس بلاسخارت، التي كشفت فيها للمرة الأولى عن فساد وفشل العملية السياسية القائمة منذ احتلال العراق عام 2003. وأن العراقيين أصيبوا بخيبة أمل وصلت إلى عناء السماء. وأنهم رهينة لوضع لا يمكن التنبؤ به ولا يمكن احتماله. وأنه بوسع أي “زعيم عراقي” أن يجر البلاد إلى صراع ممتد ومهلك.
هذا الكلام الصادم من الممثلة الأممية، لم يجعل الغرب الحريص على حرية الشعوب! أن يرفع نظارته قليلا ويمسك جبينه لتدارك الخجل وتأمل المشهد السياسي العراقي الذي تسبب به وصنعه ولا يزال يدعمه بعناية. فمثلما لا يتوقع العراقيون الذين خذلهم العالم على مدار عقدين، أن يصاب المجتمع الدولي بصحوة ضمير حيال الطوق الاعمى الذي فرض على بلدهم منذ تسعينات القرن الماضي، فأنه لا ينتظر أن يتحرك مجلس الأمن خطوة واحدة من أجل العراقيين، مع تداعيات الصدمة التي تركها خطاب بلاسخارت.
في المقابل، سيهتم المراقبون بجمع المؤشرات تأسيسا على النظرة العالمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد حرب أوكرانيا. سيكون هناك كلام كثير ووعود بشأن أزمة الطاقة وخفض انتاج البترول من دول أوبك بلاص، وكل ذلك يجعل من الغرب والولايات المتحدة آخذان في الانحدار والتحلل والانقسام الداخلي. لقد أصبح العالم متعدد الأقطاب، فالكل يطالب بمناطق نفوذه. هناك بدائل قوية صينية وروسية لليبرالية الغربية التي تقف على أهبة الاستعداد للتنافس على الهيمنة العالمية.
ماذا بشأن العراق، الجريمة السياسية والإنسانية الكبرى في التاريخ المعاصر، الذي ترك لشأنه؟
لا يوجد أكثر من بيانات هزيلة، وكلام مكرر عن حث شركاء العملية السياسية للاتفاق مع وصفهم بالفاسدين والفاشلين من قبل ممثلة الأمين العام، بينما إيران اللاعب المهيمن الأكبر على ما يجري في العراق تحتفظ بورقتها العراقية لرفعها في اللحظة المناسبة بوجه الغرب عند الاتفاق أو اللاتفاق على مشروعها النووي. لذلك تبدو إيران على غير عجلة من أمرها في تشكيل حكومة عراقية جديدة، وكل الكلام عن خلاف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع طهران، مجرد تكرار مكشوف للعبة قديمة لم تتغير قواعدها. فلايزال بإمكان طهران استخدام الصدر كمصدر قوة في العراق إذا ما تعرضت وصية علي خامنئي “وحدة الطائفة فوق أي اعتبار وطني عراقي آخر” للتهديد. أما شعار “الوطنية” الذي يرفعه الصدر فلا يعني بالضرورة معاداة إيران بقدر ما يعني إعادة تشكيل دورها في العراق ليجعل الصدر بمنزلة الشريك وليس التابع لطهران أسوة بلوردات القتل من زعماء الميليشيات الأخرى.
بيد أن إيران اليوم تعيش مأزقها الداخلي، وهذا أحد أهم الاخبار السارة للعراقيين ولا يقل أهمية عن اعتراف الممثلة الأممية بفشل العلمية السياسية في العراق.
أوروبا بدأت بفتح عيونها أكثر ومن المتوقع ترك التردد وخذلان الإيرانيين التواقين للتخلص من نظام ثيوقراطي شرير، وهي إشارة مهمة بالنسبة للعراقيين من ثوار تشرين لالتقاطها والبناء عليها. فمشكلة العراق تبدأ من عملية سياسية هشة غير أن إيران تريد الاستمرار بها من أجل أن يبقى العراق واهنا وتحت سطوة أحزابها وميليشياتها.
الازدراء الغربي للنظام الإيراني عامل مساعد كي يتطور إلى ازدراء للعملية السياسية في العراق والتي عبرت عنها بلاسخارت في وثيقة دولية ستوضع في ملفات المجتمع الدولي.
صحيح إن الغرب ليس متوحدا تجاه ما يحدث في إيران اليوم، لكن أوروبا وللمرة الأولى تدفع بطريقة مختلفة إزاء ما يجري من احتجاجات متصاعدة ومستمرة، وذلك عامل مساعد حيال ما يجري في العراق بوصفه أحد أكبر مصادر الطاقة في العالم.
لقد بدأت أوروبا للتو في الشعور بتكلفة سياسات الطاقة الساذجة، ووقعت الاقتصادات الغربية بين الإجراءات التي تغذي التضخم والحلول التي قد تؤدي إلى الركود. والعراق الذي يدير أكبر عملية فساد في التاريخ المعاصر بثروته النفطية، سيكون مثار اهتمام سياسي بالنسبة للغرب سواء في المستقبل القريب أو القريب نسبيا. وما يساعد على لفت الانتباه هو زخم القوة المتصاعدة لثورة تشرين بالتوازي مع قوة الاحتجاجات الإيرانية. فكل الضجيج الغربي المتفائل بشأن ترويض النظام القمعي في إيران باء بالفشل، كما أن التعويل على العملية السياسية المصطنعة منذ احتلال العراق عام 2003، لن ينقذ العراق من الغبار السام ويجعله مستقرا في يوم ما.
والغرب بدأ ينتبه بشأن واقع لم يتغير لا في العراق ولا في إيران، وسيشعر بالضرر أكثر بمجرد تضرر واردات البترول من الشرق الأوسط مصدر الطاقة الأكبر في العالم، وفي منطقة مرشحة للالتهاب مجددا، وهذا الذي يجب أن يدفع باتجاهه ثوار العراق ومحتجين إيران، لجعل الغرب يشعر بخطئه المزدوج سواء بتردده مع النظام الإيراني أو بعدم الالتفات لمحنة العراقيين الذي كان سببا فيها.
ثمة ما يحدث بعد أن أختلت التوازنات الدولية، وأن ما ينتظر العراق أكثر من طريق انفتح بتقرير المبعوثة الأممية جينين هينيس بلاسخارت وشجاعة وإصرار ثوار تشرين لاستعادة عراقهم من لصوص الدولة، لذلك يمكن ترقب طرقا أخرى ستفتح وإن كانت تجري بسرعة في الظلام ولم تتضح بعد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى