أخبار الرافدين
كرم نعمة

غسيل سمعة سياسي

لدينا مثالان رائعان ينددان بغسيل السمعة السياسي الذي يمارسه الغرب في نوع من النفاق المبتذل، بمجرد اتقاد أضواء مونديال كأس العالم في قطر، لا يحتاج الناس في الغرب اصلا إلى جهد كبير لتفنيد كل ذلك الابتذال السياسي وهو يرتدي لباسا رياضيا هذه المرة.
الاول مثله جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بانتقاء الجمل التاريخية العميقة وهو يرد على النفاق الغربي المتغطرس حيال مونديال قطر بقوله “نظرا لما كنا نقوم به كأوروبيين حول العالم في آخر ثلاثة آلاف عام، فينبغي علينا أن نعتذر عن الثلاثة آلاف عاما المقبلة قبل أن نبدأ في إعطاء دروس في الأخلاق للشعوب”. وهو نفس السبب الذي دفع إنفانتينو إلى التعبير عن فخر الفيفا بمونديال قطر بالقول “اليوم لدي شعور قوي. اليوم أشعر أنني قطري، أشعر أنني عربي، أشعر أنني أفريقي، أشعر بأنني معاق، أشعر أنني عامل مهاجر”.
بينما كان الصحفي والمحاور البريطاني البارع بيرس مورغان يمثل درجة متقدمة من الصحفي المتسق مع ذاته وهو يصف سلوك دول الغرب حيال مونديال الدوحة بغسيل السمعة الرياضي الذي يغلب عليه النفاق، مستشهدا بجريمة احتلال وتدمير العراق من قبل الغرب نفسه الذي يتذرع بحقوق الانسان في قطر.
قال مورغان وهو يرد في مناظرة تلفزيونية على زميلته إميلي مايتليس في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” اذا كنتم تستخدمون كل ذلك كعصا لضرب قطر، وإذا بدأنا بتحكيم تلك المبادئ بشكل سطحي، فأين سيتوقف ذلك، وأي منا في الغرب نظيف اخلاقيا بما فيه الكفاية.
وتساءل مورغان الذي يتواجد في الدوحة لتغطية فعاليات كأس العالم “هل نحن اخلاقيون بدرجة كافية، الدول التي غزت العراق ودمرت البلاد، وبعد عشرين عاما تركنا حكمه للإرهاب، هل نحن نتحلى بالنظافة الاخلاقية الكافية لاستضافة كأس العالم كي ننتقد قطر، أعتقد أن ذلك مليء بالنفاق”.
مقابل ذلك تخلت هيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” عن مزاعمها التاريخية بشأن الحساسية العالية ومسؤولية الحياد وانقادت للنفاق السياسي بتجاهل عرض الافتتاح المبهر لمونديال قطر بذريعة تلك المزاعم التي صنفت من صناع الخطاب الغربي أنفسهم بغسيل السمعة السياسي كما بدا ذلك في كلام إنفانتينو ومورغان.
إذا كنا نتحدث عن السياسة فإن الإجابة مخاتلة بالنسبة لوسائل الإعلام، وإذا كنا نتحدث عن كرة القدم فهذه قصة أخرى لم يخفت بريقها ولن تهمش في وسائل الإعلام.
فلماذا يستخدم الغرب عصا حقوق الإنسان الهشة مع قطر، بينما يدرك تماما أنه أول من يستحق أن يجلد بها إذا تعلق الأمر بالعراق أو فلسطين وحدهما، فكيف اذا كان التاريخ الاستعماري يمتد إلى المشرق برمته ودول افريقيا؟
علينا أن نمارس الحذر هنا من أي افتعال غربي للغرور أو العنصرية والنظر بحسد لنجاح قطر الدولة العربية الصغيرة في تنظيم مونديال كبير بشكل منقطع النظير.
كرة القدم لا تحمل حلولا سياسية ولا اجتماعية، لكنها تبقى ممثلا وطنيا، مع ذلك يستمر العالم في رؤية فريق كرة القدم على أنه مرآة للبلاد. السياسيون والمعلقون يمحصون اللاعبين وعروضهم، محاولين فك شفرة آلية المجتمع الداخلية.
اللحظات التي يمنحها فريق كرة القدم للشعوب لا تأتي بشكل مستمر، وليس بمقدور السياسيين الإتيان بمثلها، لذلك يتوحد صوت الصحافة وهي تجعل من وحدة الفريق نموذجا وطنيا.
تأملْ أن منتخبات فرنسا وإنكلترا وبلجيكا تضم نسبة كبيرة من اللاعبين من أصول مهاجرة، ولد آباء اللاعبين خارج البلدان التي يمثلون منتخباتها الوطنية.
في فرنسا مثلا ثمة إثنية وعنصرية تهددان الدولة الليبرالية، بينما أعضاء الفريق مكون من خلفيات مشرقية وعربية وأفريقية، وينظر إليه الفرنسيون كنوع من الحل، ولا يملك الإعلام هناك غير هذا الخيار وعن قناعة تامة.
الإعلام البريطاني ينظر إلى المنتخب الإنكليزي باعتباره فتحا تقدميا يواجه به الشعبويين والعنصريين الذين يريدون إخراج بريطانيا من محيطها الأوروبي، الحل في هذا التنوع الإثني المتوحد في فريق كرة القدم الذي أصبح بالنسبة للصحافة البريطانية مخلصا من اليأس بفضل المدرب غاريث ساوثغيت الذي امتلك الذكاء العاطفي ما يجعله رمزا للرجل العصري المتطلع إلى الخارج، يثق في لاعبيه ومن تعرض منهم من السود للتمييز العنصري والتنمر، يشجعهم على تحمل المسؤولية عن أفعالهم، يساعدهم على رواية قصصهم الخاصة أن تكون معروفة لأنفسهم ومن حولهم.
يحظر ساوثغيت هنا كمعادل شعبي صادق حيال توني بلير السياسي الكذاب أو ذيل جورج بوش كما أسماه البريطانيون.
هذه العلاقة مع كرة القدم بوصفها أداة جيوسياسية معاصرة تمنحنا درسا سياسيا وإعلاميا باهرا، عندما فشل الغرب في الحصول على مكاسب سياسية من إنتقاد قطر، مقابل النجاح الباهر والمستمر لقطر في تنظيم المونديال.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى