أخبار الرافدين
كرم نعمة

الهذيان السياسي في العراق

الوثوق بالمستقبل السياسي للعراق تأسيسا على تصريحات رئيسي الحكومة محمد شياع السوداني أو البرلمان محمد الحلبوسي نوع من الحماقة السياسية، أقرب إلى الهذيان المبني على عملية سياسية تُراكم الفشل منذ عشرين عاما.
فالتفاؤل ليس منطقا سياسيا في العراق منذ عام 2003، لسبب بسيط يكمن في أن الأحزاب الطائفية الحاكمة لا تقوى على بناء دولة، دعك من كونها لا تريد ذلك، حتى وإن تجرّدت من أيديولوجيتها وارتدى قادتها ربطات العنق بوصفهم سياسيين وليسوا رجالا يعتمرون العمامة الطائفية.
لا توجد رومانسية في السياسة العراقية المعاصرة عندما يكون مثالها رجال الحوزات المعتّمة في النجف وقم، لكن يمكن أن نتخيّل الصدمة التي ستظهر على وجه نوري السعيد أو محمد فاضل الجمالي أو أفراد من نخبة سياسيي النظام السابق لو تسنّى لهم مجرد تخيّل ما يحدث وما يصدر من خطاب سياسي يصدر من الغربان وهي تجعل للرماد أجنحة وتتجول في التاريخ! أخرها رعاية عبد المهدي الكربلائي أكبر رجال الأعمال في العراق اليوم الذي يدير الثروة الباهظة لمرجعية النجف المالية، للهذيان السياسي تأسيسا على التاريخ المتمثل في ملتقى “أثر القيادة الصالحة في نهضة الامم وتقدمها، السيد السيستاني إنموذجا”.
الكوميديا التراجيدية أن يجد هؤلاء “الغربان” من يضفي عليهم شرعية سياسية كما تفعل الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، بعد أن اعترفت أن العراق كدولة غنية يذهب مالها إلى الجيوب الخطأ، حيث تتقاسم فيها الأحزاب السلطة، وقبلها نطقت أمام المجتمع الدولي بأن خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء.
فلماذا تضفي هذه السيدة الأممية شرعية على لصوص الدولة في ازدواجية سياسية مريعة، تماثل عرضها الإعلاني الأخير للحلوى النجفية، وكأن الحل لمعضلة البلاد تكمن في حضرة مرجع طائفي يعيش خارج التاريخ. بينما هي تدرك مثل بقية العالم المتواطئ أن عراق مكتمل الوطنية لا يمكن أن يقام وفق عملية سياسية بنيت على عراق ناقص، هكذا أرادته الولايات المتحدة بعد احتلاله.
لم يكن كل هذا الهذيان السياسي المستمر قد بدأ بمقتدى الصدر عندما قدم نفسه كمصلح للعراقيين، لكن من الأهمية بمكان العودة له اليوم بوصفه فاصلة في تاريخ الفشل، لمعرفة أين وصل الحال البائس بالصدر نفسه وتياره، وهو نفس الحال الذي سيؤول إلى الأمل الزائف الذي نسمعه من السوداني والحلبوسي عن مستقبل البلاد.
هل نسي هؤلاء “السياسيون” وليس لصوص الدولة! شرفهم الوطني! عند الاستمرار بالتفاخر بمثل هذه المزاعم الخادعة بوضوح عن مستقبل البلاد.
هناك رسائل أمل وهمي توزع على وسائل الاعلام. “لسوء حظ العراقيين يمارس بعض الإعلاميين العراقيين الترويج لها بوعي أو بتزييف مقصود” بينما هناك ما يسمى بالنظريات المنفلتة التي لا يمكن التعويل عليها واخذها بنظر الاعتبار، وأبسط هذه النظريات في الفهم السياسي هي التحدث عن المستقبل بوصفه حقائق ستحدث حتما والبناء عليها.
لكن كم درس يحتاج العراقيون أن يتعلموه من علمية سياسية واهنة اختطفت البلاد لتسقط في هوة سحيقة من الفشل والفساد، بينما يواصل الخاطفون الصراخ الأجوف عن المضي بالعراقيين في طريق معبد بالديمقراطية والحرية!
ذلك ما يمكن أن نسميه بالهذيان السياسي عندما يتم جمع المؤشرات مما يجري حاليا للبناء عليه في صناعة مستقبل سوي في عراق يعيش زمنا شاذا منذ عام 2003، بدل الدفع باتجاه المعادلة الصفرية لإنقاذ البلاد من مصير رسمته لها الولايات المتحدة وفق وصفة شديدة للظلم والفشل.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى