أخبار الرافدين
ماجد الجميلي

الديمقراطية والحرية في قاموس السوداني وشركائه

قال رئيس الحكومة الحالية محمد السوداني إن القوى السياسية بدأت تفهم بشكل أعمق حدود الديمقراطية والحرية بعد عشرين عامًا من التغيير السياسي في العراق.
وأضاف السوداني في لقاء مع فضائية عربية معروفة أن العراق حافظ على التداول السلمي للسلطة رغم كل التحديات التي اعترضت مسار التحول السياسي عام 2003.
وهنا صار من حق من يستمع لهذا الحديث أن يسأل: هل السيد السوداني يمارس الدعاية السياسية أم إنه جاهل بأسس وشروط الديمقراطية الحقة وهو كما يفترض أنه وحزبه
“حزب الدعوة” يمارسون الديمقراطية منذ 20 عامًا.
وهل يظن السوداني وهو رئيس حكومة خرجت من رحم إطار مليشياوي خسر الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن الديمقراطية هي فقط إجراء انتخابات دورية حتى وإن كانت مفرغة من جوهر الديمقراطية وحامت حولها شبهات الفساد والتزوير وتضخيم أرقام المشاركين فيها “نحو 90 بالمائة قاطعوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة” لكي يتم من خلالها تدوير السلطة بين قوى طائفية دأبت على مراكمة الفساد ونهب المال وتقويض ما تبقى من أسس الدولة العراقية لحساب مشغليها الإقليميين والدوليين.
إن القوى الطائفية التي يتحدث السوداني عن معرفتها العميقة بحدود الديمقراطية والحرية هي أول من أساء للديمقراطية واعتدى على فكرة الحرية والمطالبين بها.
فهذا النظام الديمقراطي دشن منذ اليوم لانطلاقته أكبر وأعظم عملية فساد حكومي في العراق نتج عن سرقة وإهدار نحو تريليون دولار وإدخال العراق في دوامة من المشاكل والأزمات العميقة والمزمنة حطم هذا النظام التعليم والقضاء والمنظومة الصحية وأشاع الطائفية وناصب الوطنية العراقية العداء وأغرق المجتمع العراقي في بحر من الانحرافات والتشوهات والمشاكل المجتمعية كالمخدرات والانتحار وتجارة البشر وتفكيك روابط الأسرة العراقية وأهان القيم والأعراف المجتمعية وغيرها.
كان واجبًا على السوداني وهو يرأس حكومة “ديمقراطية” أن يلم بأهم أسس الديمقراطية الحقة وهي تكافؤ الحقوق والفرص والحريات لكل أفراد المجتمع على أساس المواطنة والمواطنة فقط بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى وحقهم في المشاركة الفاعلة في اختيار نظام الحكم وأن جميع السلطات تنبع من الشعب وأصواته الانتخابية في اقتراع نزيه وشفاف وليس عبر كواتم الميليشيات والحيل والأباطيل الدستورية التي يفصلها القضاء الحالي وفق أهواء ومصالح المليشيات ذات الولاءات الخارجية.
وأن هذه الانتخابات النزيهة في الديمقراطيات المحترمة تتمخض عنها أغلبية سياسية لتحكم البلاد لفترة زمنية محددة منصوص عليها في الدستور وليس أغلبية طائفية متشبثة بمغانم السلطة وسطوتها منذ عقدين من الزمان.
أما حدود الحرية التي جاء على ذكرها السوداني في حديثه المتلفز فحدث ولا حرج.
فآلة القتل والبطش والاغتيالات الميليشياوية لم توفر صحفيًا أو ناشطًا أو مدونًا ولا حتى منتقدًا للفساد وممارسات السلطة في منصات التواصل الاجتماعية الشخصية.
ومازال العراق “الديمقراطي جدًا” يتبوأ المراتب الأولى في مخاطر العمل الصحفي والإعلامي. ومازالت المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية العراقية والعربية عرضة لهجمات الميليشيات وإحراق مكاتبها في بغداد على خلفية أي نقد للسلطة وفسادها.
وما جرى من قتل لأكثر من ألف متظاهر من شباب ثورة تشرين يختصر الكثير من الشرح والتفنيد لخدعة وكذبة الحرية في العراق.
الحق أن هذه القوى الطائفية التي استجلبها الاحتلال الأمريكي وقدم لها الدعم والحماية مناصفة مع إيران لم يكن في خلدها أو وارد تفكيرها بناء دولة مواطنة حديثة تُحكم بنظام ديمقراطي تحترم فيها المؤسسات وخيارات العراقيين وحريتهم وحقهم في توزيع عادل ومنصف للثروات والفرص بقدر ما كانت مدفوعة بنزعات الانتقام والثأر الطائفي والانقضاض على المال العام وإدامة منظومة الفساد التي تأسست عام 2003.
وهي غير مؤهلة للشروع بأي عملية إصلاح سياسي ديمقراطي كما أنها غير مستعدة لإعادة النظر في سياساتها الطائفية وفسادها التي جعلت العراق في مقدمة الدول الأكثر فسادًا في العالم وفق مؤشر الشفافية الدولية.
كان حريًا بالسيد السوداني الاعتراف بأن هذه القوى فشلت في إدارة حكم العراق “سبق للمالكي أن اعترف بفشل كل الطبقة السياسية” وعجزها عن إيقاف هذا الانحطاط العام وتحويل العراق إلى دولة فاشلة وهشة وأن هذا النظام الفاسد كان عامل تفريق وتمزيق للعراق وشعبه وليس جامعًا للشمل الوطني وأن شركاء السوداني أثبتوا براعة كبيرة في فهم حدود الطائفية والفساد والهمجية وسفك الدماء وليس فهم حدود الديمقراطية والحرية لا بشكل عميق ولا حتى سطحي.
العملية السياسية لم ولن تكون قدر العراقيين الأوحد بعد عقدين من الفشل والتخريب والتهجير والتغييب القسري للسكان والبطش والقمع وقد أوردت العراق الجحيم وهي نفس الخلاصة التي توصلت إليها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت من أن النظام الذي تأسس بعد عام 2003 لا يمكن أن يستمر وإذا ترك كما هو فسوف يأتي بنتائج عكسية.
وعليه صار من حق الشعب العراقي التطلع والبحث عن خيار وطني نابع من رحم معاناته يعيد جمع شمله الوطني ويصون مقدراته وينتشل بلده من هذه الحفرة السحيقة المظلمة.
وهذا هو فهم القوى الوطنية والشعبية العميق لحدود مشروع إنقاذ العراق من شرك العملية السياسية وإعادته إلى أهله الذين غيبتهم “قسرًا” هذه العملية وقواها الطائفية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى