أخبار الرافدين
ماجد الجميلي

الهوية العراقية من الاستهداف إلى تلمس طريق التعافي

ثمة تعاريف عديدة لمفهوم الهوية الوطنية الجامعة ومنها أنها إطار من الخصائص والسمات التي تميز جماعة أو شعبًا ما ضمن رقعة جغرافية سياسية محددة تسمى الوطن، ويترجم شعور الانتماء عند أبناء هذا الوطن إلى دفاع عنه أمام مختلف التحديات الخارجية أو الداخلية وحينما تتلاشى هذه الهوية أو تهتز تفقد الأوطان وجودها واستقرارها.
كانت الهوية العراقية في مرمى نيران مشروع الاحتلال الأمريكي والقوى الطائفية التي تشكلت منها العملية السياسية منذ اليوم الأول للغزو كبقية المستهدف من كيان العراق “مقدرات ومؤسسات وتاريخًا وعقولًا وثروة بشرية”.
بل إن هذه الهوية استهدفت في المرحلة التي سبقت احتلال العراق يوم التاسع من نيسان عام 2003 إبان التحضير الأمريكي لغزو العراق خاصة في اجتماعات القوى الطائفية لما يسمى المعارضة العراقية والنفس الطائفي والإثني الواضح الذي طغى على مناقشات هذه الاجتماعات في حينها.
حُولت هذه النزعة الطائفية والعرقية إلى ألغام في الدستور الذي كتب لاحقًا عبر الحديث عن مكونات دينية وطائفية وإثنية التي تشكل النسيج المجتمعي العراقي، وليس عن شعب واحد بهوية وطنية جامعة في سياق مشروع سياسي طائفي قائم على الكره والبغض واحتقار الآخرين بعد تقسيمهم وتحويلهم خنادق طائفية أريد لها الانخراط في صرعات وحروب طائفية مدمرة.
عملت القوى الطائفية على استدعاء الشعور الطائفي ومن ثم التلاعب به وتوظيفه في الدعاية السياسية بموازاة خطاب تكريهي وتخويفي لجزء من المجتمع العراقي ورفع لافتة مظلوميات تأريخية وراهنة مكذوبة وتسويق أخطاء السلطة التي تعاقبت على حكم العراق على أنه استهداف مقصود وممنهج لهذا المكون بسبب هويته الطائفية أو المذهبية أو العرقية.
حرضت قوى السلطة الطائفية الفاعلة والمؤثرة في معادلة الحكم الجديدة مكونات المجتمع العراقي على إعادة تعريف نفسها على أسس طائفية وعرقية وليس بكونها شعبًا واحدًا ذا هوية وطنية جامعة وظهر تركيب لغوي غريب وخطير في الخطاب السياسي والإعلامي في الفضاء العراقي بعد 2003 “نحن-هم” أشيعت من خلاله حالة الخوف والذعر بين طرفي الـــــ “نحن-هم” وإفهام الطرفين أن الطرف الآخر يخطط لإبادته ومحوه من وطنه في حالة من التضليل والتزوير السياسي وكأن الشعب العراقي يعاني أزمة تأريخية في هويته الوطنية.
اهتزت أركان الوحدة السياسية للعراق وفقدت الهوية الوطنية جزءًا من قدرتها وحصانتها أمام هذه الهجمة الشرسة المدججة بآلة إعلامية طائفية وأخرى أمريكية وإيرانية جبارة ساعدتها في هذه المهمة سلوكيات دموية لما تسمى قوى الإرهاب المعروفة كما لم تهتز بهذه القوة من قبل رغم ما مر به العراق من عواصف سياسية وتغيير أنظمة حكم سياسية شتى.
كان العقدان الأخيران من تأريخ العراق الحديث الأكثر دموية ووحشية حيث ذهب العراق في مهب رياح الغزو الأمريكي الإيراني ونظام الحكم الذي لم يكن في جعبته سوى النزعة الطائفية واستحضار التوترات التأريخية الطائفية كما صرح بذلك بهاء الأعرجي القيادي في التيار الصدري ونائب رئيس الحكومة في عهد نوري المالكي، بعد تفكيك الدولة العراقية وإنهاء مؤسساتها الصلبة هيمن على المجتمع شعور من الهلع والخوف بسبب انكشاف ظهر المجتمع متقهقرًا إلى مكوناته البدائية “العشائرية والطائفية والمناطقية” وأطلت الهويات الفرعية برؤوسها على حساب الهوية الجامعة وهذه الهويات الفرعية تكون قاتلة وسمية حينما تزاحم الهوية الجامعة وتقصيها باعتبارها إطارًا وطنيًا وانتماء حقيقيًا.
نظرت الهوية الوطنية الجامعة خلال تأريخ العراق إلى الهويات الفرعية باحترام بالغ ولم تطالب بإلغائها ولم تعمل على استهدافها لذلك ساد الوئام والهدوء المجتمع معتزًا بهويتيه الفرعية والجامعة حتى العام 2003.
حذرت قوى وطنية عراقية مناهضة للاحتلال ومشروعه مثل هيئة علماء المسلمين من مخاطر النهج الطائفي لقوى العملية السياسية واستهدافها للهوية الجامعة مقابل إعلاء الهويات الفرعية ولم تنسق إلى المزالق الطائفية وحفرها المظلمة وركزت في خطابها السياسي والإعلامي على ضرورة احترام الهوية العراقية وإبقائها حية باعتبارها ضمانة وحصانة حصينة من هذه الارتدادات الطائفية رغم ما تعرضت له الهيئة من ظلم وأذى من الفرقاء الطائفيين من السنة والشيعة وبفعل خطاب الهيئة المعتز بالمفردات الوطنية ومنها الهوية الجامعة خلال العقدين الماضيين وما جسدته ثورة تشرين لاحقًا من معان وطنية جامعة والتعالي على المفردات الطائفية التي تجلت في الشعارات والهتافات الوطنية لهذه الانتفاضة الشبابية بدأت الهوية العراقية الجامعة بتلمس طريقها إلى التعافي التدريجي مما أصابها من ندوب وخدوش في المرحلة الماضية حيث بدأ المجتمع يقابل بالازدراء والاحتقار الخطاب الطائفي لقوى العملية السياسية ويحملها مسؤولية كل الخراب والتدمير الذي تعرض له العراق وانغماسها في الفساد والتبعية للخارج وهو تعاف يسير بوتيرة أعلى كلما أمعنت قوى السلطة في غيها وفسادها إذ لم يبق في يدها من متكأ في استمرار قبضها على السلطة سوى النزعة الطائفية التي باتت في نزعها الأخير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى