أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراقمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

إعادة إنتاج مجالس المحافظات يستنزف أموال العراقيين

اتهامات لحكومة الإطار التنسيقي بتبديد أموال العراقيين على حلقات فساد تنتفع منها الأحزاب ومكاتب الميليشيات الاقتصادية دون أن يلمس منها المواطن خيرًا كما هو الحال في إعادة تنشيط مجالس المحافظات.

بغداد- الرافدين

أثارت موافقة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، على تمويل انتخابات مجالس المحافظات بمبلغ 150 مليار دينار، من إجمالي المصروف الفعلي للدولة، ردود فعل غاضبة من جدوى هذه الانتخابات والأثر الإيجابي المترتب على عقدها.
وجاء في بيان الموافقة “في إطار الاستعداد لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، وافق مجلس الوزراء على قيام وزارة المالية بتمويل العملية الانتخابية بمبلغ 150 مليار دينار، من إجمالي المصروف الفعلي للدولة، على أن يتم سحب الرصيد النقدي للسنوات السابقة من حساب المفوضية، علمًا أن التخصيص متوفر ضمن مشروع قانون الموازنة لعام 2023”.

قصي شفيق: انتخابات مجالس المحافظات خطوة نحو تمكين السراق مرة أخرى لسرقة الموارد والتخصيصات المالية

وعلق الإعلامي قصي شفيق على الموافقة بالقول “ما علاقة الشعب بهذه الانتخابات التي سيصوت فيها جمهور الأحزاب ممن لا تتجاوز نسبتهم الـ 5 بالمائة من نسبة العراقيين”.
وتساءل “لماذا يخصص مبلغ 115 مليون دولار على هذه الانتخابات التي ستعيد نفس الوجوه وستمكن نفس العصابات ولكي يهيمن السراق مرة أخرى على المحافظات ومواردها”.
وأضاف “115 مليون دولار يمكنها بناء 115 جامعة متطورة في عموم العراق أو تشييد 115 جسر ونفق في المحافظات وكذلك يمكنها بناء 200 مدرسة عملاقة في المحافظات تسع آلاف الطلاب”.
وكان البرلمان الحالي، قد صوت، على تحديد السادس من تشرين الثاني 2023 موعدًا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، بعد أكثر من عشر سنوات منذ إجرائها آخر مرة.
وستكون هذه أوّل انتخابات مجالس محافظات تجري في العراق منذ نيسان 2013 عقب تصدر القوائم التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المتهم بسرقة ميزانية الدولة وتبديد أموالها في تلك السنة والتي تلتها.
وعلى وقع التظاهرات الحاشدة لثورة تشرين خريف 2019، صوّت البرلمان في دورته السابقة على حلّ تلك المجالس والتصويت على إنهاء عملها، تحت الضغط الشعبي.
في غضون ذلك بدأت الأحزاب المتهمة بالفساد ومكاتب الميليشيات الاقتصادية سباقها المبكر لجذب الوجوه الجديدة إليها لتسويقها أمام العراقيين كمرشحين جدد في انتخابات مجالس المحافظات.
وتعمل الأحزاب التقليدية التي تمسك بالسلطة منذ نحو عقدين، على تقديم شخصيات جديدة، من مختلف الفئات القبلية والعشائرية والأكاديمية ومن الناشطين، ضمن قوائم انتخابية يحظى بعضها بدعم مالي غير محدود وتسويقها للجمهور على أنها قوائم مستقلة.
وقال النائب محمد عنوز الذي يصف نفسه بـ “المستقل” إن “العقلية السياسية القديمة لبعض الأحزاب لا تزال تتسابق على ترشيح شيوخ العشائر ووجهاء القبائل، لأن هؤلاء أصواتهم مضمونة من أبناء العشيرة والقبيلة”.
وأضاف أن “قانون الانتخابات الذي فرضه الواقع السياسي الجديد لا يمنح المستقلين فرصة للفوز من دون اللجوء إلى قائمة انتخابية لحزب واحد أو مجموعة أحزاب، بالتالي فإن هذا الأمر سيؤثر على نوعية المرشحين في الدوائر الانتخابية، من ناحية التوافق والاتفاق معها، في سبيل تحديد الأهداف السياسية والمصالح في حال فوز هذا المرشح”.

إحسان الشمري: هناك كفاءات تخشى من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات بسبب اللعب السياسي المخادع

بدوره، يرى رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن “الأحزاب التقليدية تعاني حاليًا من عدم وجود المرشحين المقنعين للنزول والمشاركة في الانتخابات، في حين هناك كفاءات تخشى من المشاركة بسبب اللعب السياسي الذي عادة ما يتخذ طرقًا مخادعة لا تنسجم مع بعض العقليات الهادفة إلى التغيير في البلاد”.
وأضاف أن “الناخبين ينقسمون إلى قسمين، الأول يهتم بالانتماء المذهبي والهويات الفرعية، والثاني لا يهتم بهذه الصفات، بل يبحث عن الذي يخدمه ويقدم له الخدمات”.
ويتمثل دور مجالس المحافظات في اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة على ضوء ما تخصّصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر، ويجري اختيار تلك المجالس بناءًا على حجم التركيبة السكانية لكل محافظة.
واستنزفت مجالس المحافظات منذ تأسيسها مالية الدولة، فالأخيرة وبرغم اقتصادها الريعي، أصبحت ملزمةً بتحمّل مصاريف شهرية تتجاوز الـ200 مليون دولار شهريًا، هي رواتب ومخصصات أعضاء 15 محافظة غير منضوية في إقليم، ونحو 120 قضاءًا إداريًا، وأكثر من 400 ناحية من عموم البلاد.
ويستمر الاستنزاف المالي للخزينة سنوات طويلة نظرًا لشمول أعضاء مجالس المحافظات بقانون التقاعد، بعد إتمام خدمتهم المحددة بـ4 سنوات، وعادة ما تتراوح رواتبهم التقاعدية ما بين 2 إلى 4 ملايين دينار عراقي شهريًا (ما بين 1،500 و3،500 دولار أمريكي)، قبل أزمة الدولار الأخيرة في العراق.
وقال المحلل السياسي مناف الموسوي إن “مشاكل مجالس المحافظات تتمثل في 3 فقرات، أولاها تكليف الدولة وتحميلها مصاريف كبيرة من رواتب وحمايات ومخصصات، فضلًا عن قيام هذه المجالس بعرقلة أعمال السلطة التنفيذية في المحافظة والمتمثلة بالمحافظ”.
وأضاف أن “المشكلة الثالثة تتمثل في ضم المجالس لشخصيات ليست صاحبة اختصاصات فنية وعلمية، وبالتالي تعرقل مشاريع قد تكون لا تمتلك أي فكرة عنها”.
ولا تقتصر سلبيات مجالس المحافظات على الفساد، فبالرغم من كونها “سلطة تشريعية منتخبة” وفقًا للتعريفات الحكومية، وتُعدّ “أعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة، بحسب المادة الثانية من قانونها المرقم 21، لعام 2008، فإن التعديل الأخير لقانونها الذي جرى التصويت عليه خلال العام الجاري 2023 يعارض أحكام الدستور في الوقت ذاته.
وتشير المادة السابعة في بنديها الرابع والعاشر، إلى صلاحيات مجالس المحافظات، في رسم السياسة العامة للمحافظة، والمصادقة على الخطط الأمنية المحلية، ولكن الدستور الحالي حدد في المادة 122، صلاحيات هذه المجالس، بالشؤون الإدارية والمالية فقط، ولم يُشِر إلى الجانبين السياسي والأمني فيها.
واشار المحلل السياسي جبار الحربي، إلى جانب مهم في قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم وهو تشكيل مجالس محلية في الأقضية، لا تمتلك حق إصدار قرارات تشريعية أو تنفيذية وإن وجودها مثل عدمه، وتثقل كاهل الموازنة العامة بالرواتب والامتيازات، والسيارات والبنايات والأثاث.
وعبر الحربي عن اعتقاده بأن صرف تلك الأموال على قطاع خدمي مثل التعليم أو الصحة أفضل بكثير من صرفها على جوانب غير ضرورية، وأن السنوات الأولى في تشكيل هذه المجالس، شهدت هدرًا بالمال العام، إذ قدمت المنح المالية والسلف المصرفية وقطع الأراضي، في حين كانت هناك طبقات وشرائح في المجتمع تترنح تحت خط الفقر .

قوى الإطار التنسيقي تعيد العمل بقانون سانت ليغو قبيل انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة

وكانت قوى الإطار التنسيقي الموالي لإيران، قد قادت مؤخرًا حملةً لتمرير تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، وإلغاء نظام القائمة المفتوحة، والدوائر الانتخابية المتعددة، داخل المحافظة الواحدة.
ويُرجع أستاذ العلوم السياسية المتقاعد، عثمان الموصلي، هذا الأمر، إلى أن نظام الدوائر الانتخابية الموحدة، يتيح للأحزاب الكبيرة، توحيد جهود مقرّاتها على مستوى المحافظة، وتاليًا، جمع أصوات ناخبيها، لصالح مرشحين محددين، ويقلّ بذلك احتمال فوز المستقلين، نظرًا إلى عدم قدرة ماكيناتهم الترويجية على تغطية المحافظة بأسرها.
ويرى الموصلي أن “نظام القوائم المغلقة، يهدد القوى المدنية والمستقلين، حيث يجبر المرشحين على الانضمام إلى قوائم معيّنة، وتاليًا هيمنة هذه القوائم على أصوات ناخبيها، في حال عدم تحقيق نسب الأصوات المحددة للفوز، ما يزيد احتمال خسارتهم في حال تطبيق نظام سانت ليغو 1.7.
ويوجه ناشطون ومراقبون سيلًا من الانتقادات لعمل مجالس المحافظات، متهمين إياها بتكريس الأساليب البيروقراطية، وترسيخ قيم الفساد وثقافته وتحولها لسد منيع يحول دون تحقيق مطالب العراقيين في الحصول على الخدمات.
وأنتقد الأكاديمي الدكتور كاظم عجيل محمد عمل مجالس المحافظات وعدها حلقة فارغة أقدمت عليها الأحزاب كي ترضي جمهورها في توزيع المناصب، والحصول على الوظائف وتنفيذ المشاريع التي تدر عليها أرباحًا عالية على حساب النوعية، وهذا ما حدث فعلًا في الكثير من المحافظات، إذ توقفت الكثير من المشاريع الخدمية، أو لم يتم تنفيذها لأسباب تتعلق بتقاسم الكعكة بين الأحزاب المكونة للمجالس.
وقال إن “مشكلات تلك الأحزاب تصل إلى مناصب الحكومات التنفيذية من محافظين ونوابهم، ومدراء عامين ويتسبب ذلك في تعثر القرارات التي ترتبط بقوت المواطن البسيط ومستقبل أسرته.
وتشمل الانتخابات المرتقبة في شهر تشرين الثاني من العام الجاري كل المحافظات، عدا تلك التابعة لإقليم كردستان العراق، شمالي شرق البلاد، المدار بنظام الحكم الذاتي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى