أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العواصف وارتفاع درجات الحرارة يعمقان من جرح النازحين النازف

اتهامات للحكومة بالتخلي عن النازحين في ظل تناقض تصريحاتها المتعلقة بتأمين عودة آمنة لهم وتوطين تواجدهم في مناطق النزوح المأساوية.

الأنبار – الرافدين
فاقم تصاعد الغبار والعواصف التي باتت تضرب مناطق تواجد النازحين من معاناتهم، تزامنًا مع استمرار التجاهل الحكومي لتقديم المساعدات الإنسانية لهم، أو ضمان إعادتهم الآمنة لمناطقهم في ظل سيطرة الميليشيات عليها.
وضربت العواصف المُحمّلة بكميات كبيرة من التراب العديد من المحافظات من بينها محافظة الأنبار غربي العراق ذات الطبيعة الصحراوية والتي تحتضن على أرضها عشرات الآلاف من النازحين المبعدين قسرًا عن مناطقهم، فيما أعلنت وزارة الصحة الحالية، تسجيل أكثر من 200 حالة اختناق، خلال الأسبوع الجاري بسبب تلك العواصف.
وتناقل ناشطون وصحفيون صورًا من مخيمي عامرية الفلوجة وبزيبز، في محافظة الأنبار، تظهر اقتلاع العواصف لخيام النازحين، وعدم مقدرتها على مواجهة الرياح العاتية.
وعرض برنامج صوتكم الذي تبثه قناة “الرافدين” يوميًا عدا يوم الخميس، مناشدات لنسوة نازحات من جرف الصخر في مخيم بزيبز بعد تضررهن بفعل العواصف التي هدمت خيام أسرهم وفاقمت من معاناتهم.


ويعاني النازحون في تلك المخيمات ومعظمهم من مناطق تسيطر عليها الميليشيات منذ سنوات وتمنع أهلها من العودة إليها تحت ذرائع مختلفة، وهو ما يجعل النازحين أمام مستقبل مجهول، لا سيما أنّ ثمّة مخيمات لم تغلق حتى الآن، وتبدو أنّها خارج حسابات السلطات في البلاد.
ومع ارتفاع درجات الحرارة جدد النازحون من جرف الصخر في مخيمات النزوح في الأنبار مناشدتهم لأهل الخير لتوفير المبردات الهوائية للتخفيف من معاناتهم خلال هذا الفصل الذي تصل درجات الحرارة فيه إلى نصف درجة الغليان في أجواء شديدة الحرارة حيث تنتشر تلك المخيمات التي يقطنها النازحون.
وانتقد ناشطون دور حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، ووزارة الهجرة والمهجرين الحالية، بسبب الإهمال الكبير الذي يلحق بالنازحين، فيما حمّل بعضهم الحكومة مسؤولية سلامة النازحين في ظل هذه الظروف الصعبة.
وفي أجواء صحراوية أو شبه صحراوية تكاد تنعدم المياه داخل هذه المخيمات وخاصة تلك المستخدمة في الاستحمام، مما ساهم في انتشار الكثير من الأمراض الجلدية وغيرها تتفاقم الأوضاع الإنسانية في تلك المخيمات التي تشهد تكدس مجموعات كبيرة من الأشخاص داخل خيم لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار طولًا ومثلها عرضًا، ما سهل انتقال العدوى بين ساكنيها.
وتمضي الحياة برتابة شديد داخل هذه المخيمات، فضمن رقعة جغرافية صغيرة ومحدودة ومحاطة بالجدران أو الأسلاك الشائكة، يقضي النازحون أيامهم بانتظار المجهول، في حين تفتك بهم الأمراض ويفتقدون للحد الأدنى من الخدمات.
ويبدو أن معاناة النازحين في المخيمات لن تنتهي قريبًا وسط تناقض المواقف الحكومية بين إعلان الرغبة بعودتهم إلى مناطقهم، ومن جهة أخرى منح بعضهم الموافقات للاستقرار في المحافظات التي نزحوا إليها، إضافة إلى محاولة إجبار بعضهم على العودة إلى مناطقهم المدمرة.
وعلى الرغم من إعلان وزارة الهجرة والمهجرين التزامها ببرنامج الحكومة، لإعادة جميع النازحين إلى مناطقهم خلال ستة أشهر، فإن الوزارة والسلطات منحت موافقات لآلاف النازحين للاستقرار في المحافظات التي نزحوا إليها.

عبد القادر النايل: الحكومة تركت النازحين بمخيمات لا تصلح للعيش الآدمي وتفتقد إلى مقومات الحياة والعيش الكريم.

وعلق عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي عبد القادر النايل، على أسباب استمرار أزمة النزوح بالقول، إن “النزوح أزمة سياسية في المقام الأول، فقد مرت 8 سنوات وهم يعيشون في مخيمات غير آدمية”.
وأضاف أن “النزوح في العراق واقع مرير وأزمة من الأزمات الطويلة، لأننا نتكلم عن ثمان سنوات يعيش فيها النازحون بمخيمات لا تصلح للعيش الآدمي، وتفتقد إلى مقومات الحياة والعيش الكريم، فضلا عن استهداف أبنائهم من خلال ضياع مستقبلهم التعليمي”.
وتابع “هنا لا بد من التأكيد على أن أزمة النازحين هي أزمة سياسية بامتياز، هدفها الأساسي هو التغيير الديموغرافي على أسس طائفية ومذهبية ودينية، لذا نجد السلطات الحكومية في العراق تسكت عن تلك الجريمة التي تنتهك مواد القانون الدولي، والمادة 428 من القانون العراقي”.
وأوضح عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني أن “القانون العراقي وضع عقوبات تمثلت بالحبس والغرامة لكل من استولى عن منزل أو أرض غيره، وهناك مواد أخرى قانونية تدين استخدام السلاح للاستيلاء على ممتلكات المواطنين الخاصة، وهذا ما يحدث فعليا في جرف الصخر وعزيز بلد، ومجمع الفوسفات وسنجار والحمدانية، وآخرها ما تفعله مليشيات حزب الله في أراضي البوعيثة بمنطقة الدورة في بغداد”.
وأشار النايل إلى أن “قضية النازحين في العراق تمثل جريمة مركبة، حيث لم يصدر القضاء العراقي أي مذكرة قبض بحق هؤلاء الذين يستولون على منازل وممتلكات المواطنيين العراقيين”.
ويتفق الباحث في الشأن السياسي إحسان الشمري، مع ما ذهب إليه النايل بالقول، إن “ملف النازحين ومعاناتهم استمرت كجزء من الشعارات السياسية إلى هذه اللحظة بالشكل الذي لم يول أهمية من ناحية التنفيذ في ظل الضعف في التخصصيات المالية، حيث يوجد صندوق لإعادة إعمار المناطق التي احتلها داعش، ولكن ليس بمستوى الطموح”.
وأضاف أن “قضية النازحين لم تول أهمية كبيرة، منذ إعلان الانتصار على داعش، كانت هناك فرصة كبيرة لعودة النازحين إلى مدنهم وفقا للمصالحة المجتمعية التي انطلقت حينها بالتعاون مع الأمم المتحدة”.
وأوضح أن “الإرادة السياسية التي أعقبت حكومة حيدر العبادي والمتمثلة بحكومة عادل عبد المهدي قد أنهت ملف المصالحة المجتمعية، وهي أساسية لعودة النازحين، وهذا ما أدى إلى تعطيل عودة النازحين منذ ذاك الوقت ولغاية اليوم”.
وفي وقت سابق، قالت وزيرة الهجرة في حكومة الإطار التنسيقي إيفان فائق جابرو إنه “هناك التزام بالبرنامج الحكومي بأن يغلق ملف النزوح خلال ستة أشهر ومن ضمنهم النازحون من جرف الصخر وأن وزارة الهجرة ملتزمة بهذا البرنامج وتأمل بعودة النازحين”.
فيما أكد رئيس الجمهورية الحالي عبد اللطيف رشيد، إنه يجب إنهاء المعاناة الإنسانية التي يعيشها النازحون، وأن بغداد تتعاون مع المجتمع الدولي لإعادتهم إلى مناطقهم خلال استقبال رشيد لممثل منظمة الصحة العالمية في بغداد الدكتور أحمد زويتن مؤخرًا.
إلا أن تلك التصريحات تتناقض مع تصريحات زويتن نفسه الذي أكد بدوره أنه وعلى الرغم من حرص الحكومة على إعادة الكثير من النازحين إلى مناطقهم، إلا أن آخر إحصائية رسمية تقول إن أكثر من 900 ألف نازح ينتشرون في مخيمات ومدن كردستان العراق وحدها.
ويلفت ممثل المنظمة الدولية إلى أن “هؤلاء النازحين مازال لديهم آمال في قرار مسؤول ينفذ على الأرض ليغلق صفحات مؤلمة من حياتهم وأن وضع النازحين في العراق سيبقى غير طبيعي ومرتبط بالقرار السياسي داخل البلاد.
وعن تراجع الدعم للنازحين العراقيين يوضح زويتن “الآن وضع العراق ليس الأولوية في العالم بالمقارنة مع احتياجات إنسانية في بلدان أخرى وبؤر أكثر توترًا حيث أصبح الوضع مختلفًا لأن التمويلات المخصصة للاحتياجات الإنسانية في العراق أصبحت أقل من ذي قبل لذلك في ظل جهود مبذولة الآن لدعم النازحين للرجوع الى أماكنهم الأصلية ودعم النظام الصحي في عموم العراق بالتعاون مع الحكومة”.

منظمات دولية تدق ناقوس الخطر بعد تراجع التخصيصات المالية لإغاثة النازحين في العراق

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين واللاجئين في العراق قد كشفت مطلع شهر أيار عن وجود عجز بنسبة 82 بالمائة في التخصيصات المالية المطلوبة لإعانة النازحين في العراق، لتغطية برامج الاحتياجات الإنسانية لعام 2023 والبالغة 239.9 مليون دولار، محذرة من حرمان مئات ألوف النازحين من برامج مساعدات إنسانية ضرورية لهم على مدى هذا العام.
وبينت المنظمة في تقرير لها، “جرى تأمين 42.4 مليون دولار لغاية الآن في صندوقها وهو يشكل نسبة 18 بالمائة فقط من المبلغ الكلي المطلوب لتغطية متطلبات برامج الاحتياجات الإنسانية في العراق لعام 2023 والبالغة 239.9 مليون دولار”.
وجاء في التقرير، أنه “إذا لم يتم تأمين 48 مليون دولار على نحو عاجل حاليًا، فإنه لن يكون هناك مفر من إجراء تقليصات في برامج مساعدات حيوية وأنشطة حماية سيكون لها تأثير على مئات آلاف النازحين في العراق”.
وتطرق التقرير، إلى أن “المنظمة بحاجة لتأمين 5.2 مليون دولار للاستمرار بتقديم مساعدات ضرورية متعلقة بجوانب قانونية وإدارية للنازحين متمثلة بافتقارهم لوثائق هويات الجنسية والاحوال المدنية”.
وأورد، أن “هذه الوثائق ما تزال تشكل أحد أهم مشاكل الحماية التي تواجهها العائلات النازحة بسبب هجمات تنظيم داعش أو تلك العائلات التي عادت مؤخرًا للبلد”.
ويسترسل التقرير، أن “ضمان حصول العائلات النازحة على وثائق تسجيل هويات الأحوال المدنية لهم هي من اهم أولوياتها وفقا لبرنامج حماية النازحين الذي يقع ضمن مسؤوليتها من جهة وكذلك انهاء حالة عدم الانتماء لبلد او عدم وجود جنسية لهم وذلك بدعم جهود دائرة شؤون الجنسية لوزارة الداخلية العراقية”.
وزاد “بدون وجود هذا التمويل فإن أكثر من 44 ألف نازح وعائد قد يواجهون مخاطر متزايدة من حالات الاعتقال أو الاحتجاز وتقييد حرية التنقل، وقد لا يحصلون على خدمات أساسية منها التعليم والرعاية الصحية ومنافع الأمن المجتمعي”.
ووفقًا للتقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق لعام 2022 الذي أصدره قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين يوجد في العراق 2.5 مليون عراقي يعيشون في حالة نزوح شبه دائم باتوا بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، نصفهم لا يجدون مأوى لهم بعد ما يقارب خمس سنوات من العملية العسكرية الواسعة النطاق لطرد تنظيم الدولة (داعش)، والآخرون يواجهون صعوبات في الوصول إلى مأوى مناسب وبأسعار معقولة، ولا يزال ثلثا سكان سنجار من اليزيديين والعرب والأكراد من ضمن النازحين.
وتدخل أزمة النزوح الكبرى عامها التاسع وسط تواصل الإهمال الرسمي وتراجع الجهد الإغاثي، يفاقمها إصرار الميليشيات على استمرار حملات التطهير الطائفي ضمن مخطط التغيير الديموغرافي الجاري تنفيذه في العراق بعد 2003.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى