أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

السوداني يسوّق الوهم للعراقيين بحل أزمة السكن

مافيات الفساد تساهم بارتفاع سوق العقار وتبديد أحلام العراقيين بالحصول على سكن يؤمن أبسط حقوقهم الإنسانية في مقابل إعلانات عن مبادرات إسكان حكومية لا وجود لها على أرض الواقع.

بغداد – الرافدين

أثار إعلان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني عن قرب إطلاق مبادرة إسكان جديدة تساؤلات عن مدى جدية حكومات الاحتلال المتعاقبة في حل مشكلة السكن المزمنة الآخذة بالاتساع في ظل هيمنة المال السياسي على سوق العقار.
وأكد السوداني، خلال حضوره حفل افتتاح مشروع سكني يصنف من النوع “الفاخر” بقيمة تتجاوز الـ 700 مليون دولار عن قرب إطلاق مبادرة “أجر وتملك” بهدف معالجة أزمة السكن التي تشهدها البلاد.
وأشار السوداني في حفل الإعلان عن المشروع السكني الجديد التابع للقطاع الخاص الذي تهيمن عليه مكاتب الأحزاب الاقتصادية إلى إن “الحكومة الحالية وضعت أزمة السكن كأولوية في ظل سكن 9 بالمائة من العراقيين في العشوائيات وفقًا لوزارة التخطيط”.
وتابع أن “الوحدات السكنية ستكون مناصفة بين المواطن والدولة”، مؤكدًا أنه “من دون تسهيلات الإجراءات أمام المستثمرين ستبقى المشاريع حبرًا على ورق”.

السوداني يعلن قرب إطلاق مبادرة جديدة للإسكان على خطى مبادرة داري “الوهمية”

وفي بلد يتراوح فيه متوسط الدخل بين 400 إلى 500 دولار في الشهر للفرد، بحسب مسح نشر عام 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات الحكومية، وصلت أسعار العقارات إلى أرقام خيالية تفوق قدرة العراقيين.
وقال علي عبد الكريم، وهو صاحب مكتب لبيع وشراء العقارات أن “أسعار العقارات في بعض مناطق بغداد وصلت إلى 18000 دولار للمتر المربع الواحد”، عازيًا السبب إلى “غسيل الأموال”.
وأضاف أنه “في بعض مناطق بغداد وصل سعر المتر المربع الواحد إلى أسعار خيالية جدًا، ففي منطقة الجادرية مثلاً يتراوح من 10 آلاف الى 15 ألف دولار، كما وصل السعر في منطقة المنصور غرب بغداد إلى 15 ألف دولار”.
وأوضح أن “بعض المناطق باتت مركزًا تجاريًا ومقرًا للمسؤولين كما هي الحال في منطقة الحارثية التي تضم عيادات طبية، حيث بلغ سعر المتر المربع الواحد في منطقتها التجارية إلى 15000 دولار”.
ويرى أن “زيادة أسعار العقارات مرتبطة بغسيل الأموال والهجرة من بقية المحافظات إلى العاصمة، كون أن بغداد باتت مركزاً للعمل بعكس مناطق أخرى من العراق”.
ويتفق رئيس شبكة النهرين لدعم النزاهة والشفافية محمد رحيم الربيعي مع ما ذهب إليه صاحب مكتب بيع وشراء العقارات حول علاقة غسيل الأموال بارتفاع أسعار العقارات بالقول إن ما يجري في العراق سببه العرض والطلب بسبب حجم الفساد الموجود في البلاد، مشيرًا إلى أن شخصًا فاسدًا في صفقة الفساد الأخيرة بنهب الأمانات الضريبية المعروفة إعلاميًا بسرقة القرن اشترى 55 عقارًا أقل عقار فيها سعره 6 ملايين دولار في حي المنصور.
وقال إن أسعار العقارات تخضع لمزاج مافيات الفساد التي تستخدم العقارات في بغداد بهدف غسل الأموال من خلال استهداف الأحياء الراقية فيها.
وأوضح الربيعي أن “الحكومة طرف أساسي في قضايا الفساد”، مشيرًا إلى أن الشقق السكنية التي بنيت مؤخرًا من قبل مستثمرين كانت هيئة الاستثمارات الوطنية طرفًا بالفساد فيها، بحيث لم تقم بتحديد أسعار الوحدات السكنية، ومنحت الأراضي مجانًا في قلب بغداد للمستثمرين الذين بنوا عليها عقارات بأسعار باهظة، حسب قوله.
وأكد على أن كبار الفاسدين خصوصًا من السياسيين تقاسموا المناطق الراقية في بغداد وأصبح لكل منهم نفوذًا في هذه المنطقة، ويستحوذ على العقارات بأي ثمن كان”، مشيرًا إلى أن سكان هذه المناطق نزحوا منها لأن أسعار العقارات أصبحت باهظة الثمن ومن المستحيل العيش فيها.
وأوضح أن غلاء أسعار العقارات أدى إلى تأسيس عشوائيات في مختلف المناطق، تحديدًا المناطق التجارية التي تكون أسعار العقارات فيها مرتفعة نوعًا ما، مشيرًا إلى أنها تشكلت بسطوة حزبية وسياسية.

قفزة غير مسبوقة في أسعار العقارات بعد تحكم متنفذين بسوقها

وفي موازاة ذلك يقدر وزير الإعمار والإسكان الحالي بنكين ريكاني، حاجة البلد إلى ما يقارب من 3.5 مليون وحدة سكنية لمواجهة متطلبات أزمة السكن الحالية في ظل الارتفاع الكبير في أسعار العقارات.
وقال ريكاني إنه بالنظر لبلوغ معدل حجم العائلة العراقية عتبة خمسة أفراد وفي ظل معدل الزيادة الحاصلة بعدد السكان والمقدرة بمليون شخص سنويًا، فإن هناك حاجة لـ250 ألف وحدة سكنية إضافية كل سنة.
وكان ريكاني قد أشعل جدلًا مطلع العام الحالي بشأن مبادرة “داري” لتوزيع قطع الاراضي على المواطنين والتي جرت خلال فترة الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، قبل أن يرد مكتب الأخير ببيان مطوّل متهمًا ريكاني بـ”الهروب” من المسؤولية عبر توزيع السندات الجاهزة.
ووصف وزير الإعمار في حكومة الإطار التنسيقي مبادرة “داري” بأنها “حبر على ورق” وغير موجودة، قبل أن يرد مكتب الكاظمي في بيان عبر “مصدر مجهول” من المكتب، وتم توزيعه على وسائل الإعلام المحلية.
وردًا على بيان مكتب الكاظمي، نشر وزير الإعمار بنكين ريكاني على حسابه في منصة تويتر تغريدة طرح فيها عدة أسئلة لمن وصفهم بـ”أهل المبادرات الورقية”.
وجاء في التغريدة “ممكن اهل المبادرات الورقية يوضحون للناس، ماهي المناطق التي تم استملاكها لغرض توزيعها؟، كم مدينة تم فرزها من المدن المستملكة من الحكومة التي سبقتهم وصدرت سنداتها لتوزيعها؟، أية مدينة من التي استملكتها وصممتها الحكومة التي سبقتهم تم شق الطرق اليها ولو طريق ترابي؟”، ليختتم تغريدته بـ”فيسبوكجية”.

الميليشيات ومافيات العقارات تستحوذان على الأراضي في بغداد لبناء مجمعات سكنية باهظة الثمن

ويشكك اقتصاديون بالمبادرات الحكومية وغياب الحلول الناجعة على الأرض لتدارك أزمة السكن لا سيما مع ارتفاع نسب التضخم المالي وزيادة أسعار الوحدات السكنية التي وصلت إلى أكثر من نصف مليون دولار في بعض المجمعات وسط العاصمة.
ويرى الباحث الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن العراق يشهد أزمة سكن حقيقية، وبناء المجمعات السكنية الفاخرة لا يغطي ما يحتاج إليه البلد من وحدات، حيث إن الحاجة الفعلية للوحدات السكنية في العراق تصل إلى 3 ملايين وحدة سكنية، إلا أن الجمعيات السكنية لا تتعدى إنشاءاتها 10 آلاف وحدة سكنية سنويا فقط.
وقال إن الدولة العراقية قدمت الدعم لإنشاء المجمعات السكنية بهدف تقليص أزمة السكن، إلا أن المستثمرين فشلوا في تحقيق هذا الهدف، واتجهوا إلى بناء وحدات سكنية فاخرة، تتجاوز القدرة الشرائية للمواطن.
وأشار إلى أن هناك حالة من الفوضى العمرانية تشهدها المدن ذات الكثافة السكانية، حيث يعيش ما يقارب 10 بالمائة؜ من سكان البلاد في المناطق العشوائية التي تزيد عن 3 آلاف منطقة موزعة في عموم البلاد.
ويرى المختصون أن الإقبال على شراء الوحدات السكنية الفاخرة تسبب بارتفاع أسعار العقارات إلى أرقام قياسية، لأن استثمارها يعد استثمارًا آمنًا دفع المسؤولين في البلاد لتحويل استثماراتهم من الخارج إلى الداخل.
وقال اقتصاديون إن مخاوف المتنفذين من العقوبات الأمريكية التي قد تجمد في أية لحظة حساباتهم في الخارج، دفعتهم للاستثمار في العقارات، في عملية غسيل كبرى للأموال.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن الإقبال على شراء العقارات الفاخرة، وارتفاع أسعار العقارات بشكل عام، يعودان إلى إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي الذي اتخذ عقوبات وعمليات مراقبة للأموال بحق مسؤولين ومتنفذين عراقيين مجمدة أرصدتهم في الخارج.
وأضاف أن المسؤولين الفاسدين لديهم وكلاء يقومون بشراء العقارات ومنها العقارات الفاخرة بأسعار مرتفعة، لضمان عدم مساءلتهم أو تسجيل دليل ملموس عليهم، مما يُعد طريقة جديدة لغسل الأموال، خاصة بعد تدهور القطاع المصرفي اللبناني الذي يشهد أزمة كبيرة، حيث كان السياسيون العراقيون يستثمرون أو يضعون أموالهم هناك.
وأوضح أن هناك أراضي وعقارات تابعة للدولة العراقية، وضعت جهات متنفذة وميليشيات يدها عليها بشكل كامل.
ويفتح حديث المشهداني الباب على الخطى المتسارعة على الأرض للهيمنة على الأراضي والمساحات الخضراء واستثمارها في بناء المجمعات السكنية الباهظة من قبل متنفذين كما يحصل بالقرب من جسر الطابقين الذي يربط منطقة الجادرية وسط بغداد بالدورة جنوبيها.
وتظهر صور بثتها قناة “الرافدين” في برنامج صوتكم الذي يعنى بنشر ما يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي بدء أمانة بغداد بوضع جدران حديدية على جانب جسر ذي الطابقين، لحجب الرؤية عن الجهة المقابلة له حيث توجد أراض ومساحات خضراء تسعى جهات متنفذة للاسيتيلاء عليها لبناء مجمعات سكنية استثمارية.
ودفع ارتفاع أسعار العقارات وتحكم الفساد في الاستحواذا على الأراضي وتأثيراته على أزمة السكن المزمنة البنك المركزي العراقي إلى الإشراف على بيع العقارات عبر المصارف بالتنسيق مع دوائر التسجيل العقاري لمنع غسيل الأموال بضغط أمريكي وفقًا لخبراء.
وذكر البنك المركزي في بيان له أن عملية بيع أي عقار تتجاوز قيمته 500 مليون دينار عراقي ستكون مشروطة بوضع الأموال في المصارف وإعطاء إشعار لدائرة تسجيل العقاري قبل البدء بمعاملة نقل الملكية، مبينًا أن هذه الخطوة ستشمل جميع عمليات البيع والشراء في العقارات خلال الأشهر المقبلة.
ودعا البنك المصارف العراقية إلى عدم تسهيل هذه العمليات وعدم استقطاع مبالغ كبيرة من تجار العقارات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى