أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الاستيراد العشوائي للسيارات يغرق بغداد بالفوضى المرورية

أعداد السيارات في بغداد تفوق القدرة الاستيعابية لشوارع العاصمة بعشرة مرات جراء تنصل حكومات الفساد عن ممارسة دورها في تطوير الطرق وشبكاتها وضبط إيقاع استيراد السيارات.

بغداد – الرافدين

فتح إعلان مديرية المرور العامة عن وجود نحو 4 ملايين مركبة في بغداد بما يعادل عشرة أضعاف الطاقة الاستيعابية لشوارع العاصمة الحديث عن تبعات إغراق الأسواق المحلية بالسيارات ذات المواصفات الرديئة.
وربط مختصون إعلان مديرية المرور العامة بارتفاع معدلات حوادث السير في ظل بنية تحتية منهارة وشوارع متهالكة فضلًا عما يسببه هذا الكم الكبير من السيارات باختناقات مرورية مزمنة.
وكشف إعلان مديرية المرور العامة على لسان مدير الإعلام والعلاقات العامة فيها العميد زياد القيسي أن “الطاقة الاستيعابية للطرق في السابق كانت تستوعب من 350 ألفًا الى 400 ألف مركبة، بينما انفتح العراق اليوم على جميع دول العالم وعلى شركات السيارات المختلفة، فأصبح هناك ضخ كبير للعجلات يفوق الطاقة الاستيعابية للشوارع”.
وأضاف “لدينا في بغداد فقط من 3 ملايين ونصف الى 4 ملايين مركبة فصار العدد الكلي عشرة أضعاف الطاقة الاستيعابية للطرق”.
وظلت مشكلة الزحام المروري مستعصية على مدى السنوات الماضية، بعدما عجزت الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال عام 2003 على حلّها، لتتفاقم مع زيادة أعداد السيارات، لاسيما الإيرانية منها.
ولا يتكلف المرء أدنى جهد في رصد السيارات إيرانية الصنع وهي تجوب الشوارع في بغداد، على الرغم من قرار سابق بعدم استيرادها امتثالًا للعقوبات الأمريكية على طهران.
ومنع القرار الصادر عام 2018 استيراد قطع غيار السيارات الإيرانية لغرض تجميعها في المعامل العراقية كذلك، لكن إحدى الشركات التابعة للقطاع الخاص لتصنيع السيارات في إيران، أعلنت في حزيران الماضي، إرسال أول شحنة من سياراتها إلى العراق.
ووفقًا للشركة، وهي (كرمان موتور)، فإنها تعتزم تصدير 4 آلاف سيارة خلال العام الحالي إلى العراق الذي يعد الوجهة التصديرية الأولى لسياراتها، كما نقلت عنها “وكالة مهر الحكومية الإيرانية”.

شحنات جديدة من السيارات الإيرانية تصل الأسواق العراقية على الرغم من حضر الاستيراد امتثالًا للعقوبات الأمريكية على طهران

وتتعرض السيارات الإيرانية من نوع (سايبا، سمند وبيجو بنسختها الإيرانية)، التي دخلت العراق بعد العام 2006، والتي تعد من أكثر السيارات رواجًا في الأسواق المحلية لجملة انتقادات فنية جراء انعدام المتانة فيها.
ويرى أحمد هادي وهو سائق سيارة أجرة في بغداد أن “أغلب سائقي التاكسي في بغداد والمحافظات يعملون بالسيارات الإيرانية على الرغم من أنها تفتقر إلى معايير السلامة والأمان، وذلك لرخص أسعارها مقارنة بالأسعار العالية للسيارات الأخرى”.
ويؤكد هادي البالغ من العمر 28 عامًا، أن السيارات الإيرانية غالبًا ما تتعرض لحوادث سير “بسبب عدم متانتها؛ خصوصًا أنها لا تجاري السيارات الأخرى ذات السرعة العالية. فأي سرعة زائدة تفوق قدرتها تعرضها لفقدان التوازن، ولذا تتسبب بالكثير من حوادث السير”.
ولفت إلى أن “أغلب المواطنين لا يسافرون بتلك السيارات ولا يتحركون بها خارج محافظاتهم خشية حوادث السير وأن الحركة بهذه السيارات تقتصر على داخل المدن في الغالب؛ خصوصًا في فصل الصيف الحار، حيث تكثر أعطالها وتزداد سخونتها”.
ويرى اقتصاديون أن السلطات مسؤولة عن الفوضى في أسواق السيارات بعد سماحها باستيراد أعداد كبيرة من المركبات التي تفتقر لأدنى مواصفات السلامة ما أثر سلبًا على الشارع بموازة إهمالها لقطاع صناعة السيارات في البلاد.
ويؤكد المتخصص بالشأن الاقتصادي صفوان قصي أن “سوق السيارات في العراق فوضوي يعتمد على مناشئ من كل دول العالم وبالتالي فإن كلف الاستهلاك وقطع الغيار تتنافى مع تعدد المناشئ”.
ولفت قصي إلى أن، “تنظيم قطاع النقل يحتاج إلى وجود شركات تقدم الخدمات الخاصة بالسيارات بجودة عالية وكلف مناسبة بدلًا من الفوضى الحالية”.
ويلقي العراقيون باللوم على الحكومات المتعاقبة بما يتعلق في انهيار البنية التحتية وانعدام الخدمات وعمليات تأهيل الطرق التي يعود تاريخ تشييد بعضها إلى منتصف القرن الماضي إلى جانب تحميلهم السلطات مسؤولية إغراق الطرقات بملايين السيارات دون خطة تضع في الحسبان التبعات المترتبة على ذلك.
وبحسب تقارير رسمية فقد تجاوز عدد السيارات الكلي في العراق عتبة السبعة ملايين، ما أدى إلى اختناقات مرورية كبيرة خصوصًا مع عدم توسيع الطرق الرئيسة أو إضافة جديد لها منذ عام 2003.
وعلاوة على الاختناقات المرورية جراء اكتظاظ الشوارع بأعداد كبيرة من السيارات المستوردة، تحتل حوادث السير الصدارة في أسباب سقوط الضحايا بالعراق، متقدمة بذلك على ضحايا “العمليات الإرهابية والعنف”، بحسب إحصائيات رسمية صدرت مؤخرًا، وذلك بسبب انعدام شبكة الطرق وغيرها من المحددات.
وسجلت مديرية المرور العامة أكثر من 4500 حادث مروري منذ مطلع العام الحالي، فيما عزت أسباب ارتفاع الحوادث إلى عدم التزام السائقين بالسرعة المحددة على الطرق السريعة والخارجية وغياب معايير المتانة عند استيراد بعض المركبات.
ويؤكد الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أن الاختناقات المرورية تتسبب بخسائر مادية، إلى جانب تسببها بالكثير من الحوادث المرورية التي تنتج عنها خسائر بشرية، ناهيك عن الإزعاج الناتج عنها مثل التلوث البيئي والضوضاء.
ويتابع قائلًا إن “السيارة الواحدة لو افترضنا أنها تقطع في اليوم 20 كيلومترًا، فإنها وبسبب الاختناقات وسوء حالة الشوارع، تهدر في السنة الواحدة 570 لترًا من البنزين الذي يعادل خسارة 314 ألف دينار في السنة”.

مهندسون ومواطنون يشككون بمشاريع تطوير الطرقات والبنية التحتية في بغداد وجدواها في تخفيف الاختناقات المرورية

وسبق وأن أعلن رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني عن وضع 19 مشروعًا لحل المشاكل المرورية ببغداد، فيما شكك مختصون من إمكانية تنفيذ هذه المشاريع على أرض الواقع في ظل وجود نحو 4 ملايين سيارة في العاصمة وحدها.
وعلق المهندس مصطفى سعد، بالقول إن “الطرق في بغداد صممت سنة 1972، وهي مصممة لاستيعاب 400 ألف سيارة فقط، والحلول المنطقية والهندسية لهذه الأزمة، تتمثل بتوسعة الشوارع الموجودة إلى ضعف المساحة، وزيادة عددها إلى 4 أضعاف، وهذا لا يمكن أن يتحقق بسبب التطور السكاني وتمركز الدوائر الحكومية في مناطق قريبة من بعض”.
ويوضح المهندس المختص بالطرق والجسور، أن “حزمة المشاريع التي أعلنت عنها الحكومة، من المتوقع أن تفك 15 بالمائة فقط من الاختناقات المرورية الموجودة، لأن ما ستفعله هو تعجيل حركة المرور فقط، أما الحل الأساسي يتمثل بإعادة إنشاء طرق كاملة”.
وتابع “الحل المنطقي مكلف، وموجود في مدن متطورة، ويتمثل بإنشاء طرق الأنفاق، والتي تكون كلفتها مقاربة لكلفة إنشاء الجسور، لكنها تحتاج إلى وقت أكبر للتنفيذ”.
ولا يتفق المهندس أحمد العبادي مع ما ذهب إليه المهندس مصطفى سعد إذ يرى أن “مسألة فك الاختناقات المرورية في بغداد عبر إيجاد طرق بديلة سوف يحد من الاختناقات المرورية بنسبة لا تتخطى الـ 5 بالمائة من الزحام الحاصل في العاصمة”.
وقال العبادي وهو مهندس طرق يبلغ من العمر 52 عامًا، في تفسيره لذلك إن “بغداد تحتوي على كثافة في السيارات أكثر من قدرتها الاستيعابية، وبالتالي فإن إيجاد طريق بديلة أو مساعدة لن يحد من الاختناقات المرورية”.
وأضاف أن “التخلص من الزحام يتطلب إيجاد مدن جديدة، وتوسعة عمرانية كاملة بمساعدة الطرق البديلة، وأيضًا بناء جسور في الساحات الحيوية، وهذا فقط من شأنه تقليل نسبة الاختناقات المرورية في العاصمة”.

مديرية المرور العامة تعلن تسجيل أكثر من 4500 حادث مروري منذ مطلع العام الحالي في بغداد وعموم المحافظات

وتشهد بغداد اختناقًا مروريًا يوميًا، يتسبب بشلل لحركة السير، في جانبي الكرخ والرصافة من العاصمة، حيث يحتاج المواطن إلى نحو 60 دقيقة لعبور جسر الجادرية، وهو جسر حيوي يقع وسط العاصمة ويربط بين جانبيها، بحسب مواطنين من بغداد.
وينسحب هذا الوضع على باقي الشوارع والجسور الأخرى في العاصمة، وسط شكاوى مستمرة من المواطنين، وتساؤلات عما إذا كان إيقاف استيرادات السيارات سينهي مشكلة الاختناقات المرورية.
ويستعرض الموظف الحكومي علي زاير معاناته جراء الاختناقات المرورية حينما يضطر للاستيقاظ عند الساعة الخامسة والنصف فجرًا؛ لأنه يستغرق ساعتين للوصول إلى مقر عمله الذي يبدأ في الساعة الثامنة صباحا.
ويؤكد الموظف الحكومي البالغ من العمر 48 عامًا، أن “الاختناقات المرورية أصبحت عقدة لكل ساكني العاصمة بغداد، خصوصًا بعد أعمال الصيانة والتوسعة التي أقدمت عليها الحكومة في بعض الساحات والشوارع الحيوية، مما أدى إلى زحام شديد في الشوارع المليئة أصلاً بالسيارات الكبيرة والصغيرة”.
ويعزو أسباب الاختناقات المرورية في بغداد إلى كثرة السيارات في الشوارع مقابل قلة الطرق وغلق أكثرها، بالإضافة إلى عدم وجود تنظيم لآلية السير والمرور”.
بدوره يتحدث مصطفى حاتم، وهو سائق سيارة أجرة في بغداد، عن معاناة يومية جراء تلك الاختناقات، مما يضطره أحيانًا إلى البقاء في منزله حتى تهدأ الحركة المرورية ويقل الزحام للعمل مساءًا.
ويقول حاتم البالغ من العمر 32 عامًا إن “البقاء في المنزل أفضل؛ لأن الخروج للعمل في السيارة وسط هذا الزحام وتحت وطأة درجات حرارة مرتفعة في الصيف يكلفني كثيرًا من ناحية الأعطال التي تضرب السيارة والوقود الذي تستهلكه، خصوصًا مع تشغيل التبريد (مكيف الهواء)”.
وسبق أن كشف تقرير نشرته مجلة “إيكونيميست” البريطانية، بأن حركة السير في بغداد هي الأسوأ ضمن عواصم الشرق الأوسط، إذ يقضي الركاب ساعات طويلة من أجل الوصول إلى وجهتهم في ظل زيادة مطردة في أعداد السيارات وتلكؤ وفساد في مشاريع البنية التحتية.
وأكدت المجلة في تقريرها على أن العراقيين العالقين في الازدحامات المرورية وبين أبخرة عوادم السيارات، يضيعون ساعات طويلة في شوارع بغداد وأن شبكة الطرق لم تتغير منذ سنوات طويلة على الرغم من الثروات التي يمتلكها العراق.
وبينت أن العراق في السابق كان يملك أحدث أنظمة النقل في المنطقة، وأول من استخدم الحافلات ذات طابقين، في وقت كان فيه الانتقال من منطقة المنصور على الجانب الغربي من نهر دجلة إلى الكرادة لا يستغرق سوى دقائق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى