أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

واشنطن أطلقت العنان لتدمير العراق وبروز إيران كقوة انتهازية

دراسة مطولة لباحثين في جامعة لندن: احتلال العراق غير الشرعي أطلق غريزة التدمير وتسيّد الفساد وقتل مفهوم الوطنية العراقية. كما أنهى "القرن الأمريكي" في العالم.

بغداد- الرافدين
قال باحثان إن الولايات المتحدة في احتلالها غير الشرعي للعراق حصلت على أكثر مما ساومت عليه، وأطلقت العنان لتدمير العراق سياسيا واقتصاديا ومنح إيران فرصة تاريخية للاستحواذ على العراق.
وشدد الباحثان في دراسة مطولة نشرت في موقع “ذي واير” بعنوان “من ربح حرب العراق؟” على أن احتلال العراق أنهى “القرن الأمريكي”. فبغزوها واحتلالها غير الشرعيين للعراق، حصلت الولايات المتحدة على أكثر مما ساومت عليه، وأطلقت سراح غريزة التدمير وتسيد الفساد وقتل مفهوم الوطنية.
وعرض الباحثان الدكتور بامو نوري المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة غرب لندن، ومؤلف كتاب “نظرية النخبة واحتلال الولايات المتحدة للعراق”. وإنديرجيت بارمار أستاذ السياسة الدولية بجامعة سيتي في لندن، على أن تجربة عشرين عاما من احتلال العراق أظهرت خسارة الولايات المتحدة و “ربح” إيران والصين وروسيا، بينما الخاسر الأكبر هو العراق وشعبه.
وأثارت الذكرى العشرين للعدوان الذي قادته الولايات المتحدة على العراق جدلاً كبيراً حول ما تم تحقيقه وما تم تبديده، ولماذا تدخلت الولايات المتحدة في المقام الأول.
وأجمع باحثون على أن ذكرى احتلال العراق جريمة ضد السلام، بعد الهزيمة المريعة للقوات الأمريكية في أفغانستان وموقف الغرب من الغزو الروسي غير القانوني لأوكرانيا.
ومما يزيد من تأجيج الجدل حول احتلال العراق أنه بعد عقدين من الزمن، أصبح العالم يتسم بتعددية الأقطاب “الفوضوية”، وعدم المساواة الصارخة والاستقطاب السياسي، وأزمات اللاجئين، وديناميكيات القوة العالمية المتغيرة مع صعود الصين، ونمو مجموعة البريكس من القوى والتشكيلات الإقليمية الجديدة، حيث لم تعد الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون اللاعب الوحيد في العالم.
ومع فشل الولايات المتحدة، برزت إيران كقوة انتهازية في العراق. وعلى الرغم من خضوعها لمجموعة من العقوبات الأمريكية، فقد اغتنمت إيران فرصة سانحة لتعزيز سياستها الخارجية، في حين استخدمت الاقتصاد العراقي الفاسد القائم على النقد لتمويل مشاريعها.
ويعني نهج طهران المتطور أن النفوذ الإيراني في العراق متعدد الأوجه، ومتجذر ويتم الحفاظ عليه بشكل فعال، حيث يتم تحقيق الأهداف الاقتصادية والأمنية لطهران من خلال بغداد. وتلعب طهران دورًا نشطًا في التأثير على اختيار رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء، بينما تدعم تقديم المشورة والتمويل والتسليح للأحزاب السياسية وعناصر الميليشيات.
وتتبنى إيران استراتيجية شاملة وترتكز على الاستعداد للعمل مع كافة الأحزاب السياسية داخل العراق بطريقة مفصلة وفعّالة وقائمة على المصالح، وتعتمد على قواسم مشتركة مختلفة. وبطبيعة الحال، يتيح لها ذلك التأثير على المفاهيم الوطنية العراقية، ونشر الأيديولوجيات واستخدام النفوذ في مناطق خاصة بالميليشيات للمساومة السياسية. في الوقت نفسه، هناك محاولات مباشرة وغير مباشرة لغرس المشاعر المؤيدة لإيران وايديولوجيتها الطائفية عبر الأحزاب السياسية والجامعات والأماكن الدينية ووسائل الإعلام.
وبالنظر إلى أن العراق لديه سوق استهلاكية داخلية ضخمة تبلغ حوالي 40 مليون نسمة، فإن إيران تهيمن على الأنشطة التجارية بعد تدمير الصناعة المحلية في العراق.
ويتراوح ذلك من المواد الغذائية ومواد البناء والأدوية إلى الخدمات؛ من الأمن إلى البناء وحتى خدمات إزالة القمامة. وعندما يتعلق الأمر بالأمن القومي العراقي، فإن الميليشيات والوكلاء الإيرانيين المعروفين الذين ترعاهم الحكومة، منضمون في الأجهزة العسكرية والأمنية العراقية.
وأصبحت الميليشيات عنصرا أساسيا في قوات الأمن الحكومية بفضل قانون شرعه البرلمان العراقي في عام 2016.
وقال الباحثان إن عقدين من احتلال العراق جعلت العالم يستفيق على تحولات في السلطة، وإعادة للثقة بالنفس من قبل الدول وتصاعد الاستياء من مرحلة ما بعد الاستعمار، حيث تطالب القوى الناشئة من جديد بمكانة في القرار الدولي.
وبشن حرب غير قانونية في العراق، انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى فقدان ماء وجهها، وخسارة الأرض على المستوى الجيوسياسي لصالح عدوها اللدود إيران، الأمر الذي أدى إلى تنفير تركيا، وتمهيد الطريق للصعود الهادئ للصين، الأمر الذي شجع روسيا على غزو أوكرانيا بعد عقدين من احتلال العراق.


الدكتور بامو نوري: تلعب إيران دورًا نشطًا في التأثير على اختيار رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء في العراق، وتدعم تقديم المشورة والتمويل والتسليح للأحزاب السياسية وعناصر الميليشيات

ولم تعد الولايات المتحدة تحتل موقعاً جديراً بالثقة في عالم انتقالي متقلب، فيما يتصل بالسلطة الأخلاقية، كما لم تعد تتمتع بموقع منيع فعلياً في النظام الدولي الليبرالي، كونها أكثر ارتباطاً بمبدأ أمريكا أولاً.
ولم يكن احتلال العراق حربا محدودة، لا تأثير لها على المنطقة أو العالم. وتبين أنها كانت نقطة الانعطاف الأساسية للتفوق العسكري وتلاشي المصداقية العالمية للولايات المتحدة بعد فضح غطرسة القوة الإمبريالية الأمريكية، وجنون العظمة وتوجيه صدمة للعالم أدت إلى ما قد يكون ديناميكية قوة لا رجعة فيها بعد ظهور قوى إقليمية وعالمية جديدة.
وقال الباحثان إن ذرائع الرئيس الأمريكي جورج بوش بحتمية الحرب في العراق لامتلاكه أسلحة الدمار الشامل وارتباطه بتنظيم القاعدة، كانت مجرد حجة واهية ومبالغ فيها، الأمر الذي أدى إلى نتائج عكسية، حتى لو كان الترويج للديمقراطية أمراً مناسباً في حد ذاته. حيث يشير الليبراليون إلى أن الحرب كانت سيئة التخطيط إلى حد كبير.
وشددا في الدراسة المطولة على أن النتيجة التي وصل إليها العراق من فشل سياسي وفساد بعد حرب طائفية، تفند كل الذراع الديمقراطية التي انطلقت قبل الاحتلال.
وأوضحا “حتى لو جادل المرء بشكل غير معقول بأن الولايات المتحدة كانت لديها الأفكار الصحيحة فيما يتعلق بالعراق في عام 2003، إلا أن ذلك انتهى بمجرد انطلاق حملة القصف المكثف، وتهميش العراقيين، والفساد من قبل سلطات الاحتلال، والاستقطاب غير الديمقراطي للمجاميع العراقية وانتهاك القانون الدولي، وإبرام عقود بدون عطاءات مع شركات لها مصالح لصناع القرار في الولايات المتحدة (وللجهات المانحة لحملة بوش الانتخابية) إلى جانب التجاهل الواضح لإرادة العراقيين العاديين ومصالحهم وأمنهم، ساهم كل ذلك في القضاء على مفهوم الدولة وتدمير العراق”.
ومع الدمار تأتي عملية “إعادة البناء” التي زعم الاحتلال الأمريكي القيام بها، وتم تسليم عقود بدون عطاءات إلى الشركات الأمريكية، بما في ذلك تلك التي يملك فيها مسؤولو إدارة بوش أسهماً. وكانت شركة هاليبرتون أكبر متلق للعقود، التي تلقت 39.5 مليار دولار، والتي استمر نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في الاحتفاظ بأسهم فيها على الرغم من توليه منصباً عاماً. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تعلن عن وعدها بالحرية للعراقيين في برامج إذاعية قبل الحرب وبعد الاحتلال، فإن الحرية الحقيقية كانت للشركات الأمريكية، التي مهدت طريقها إلى الثروات من قبل سلطة التحالف المؤقتة، بقيادة بول بريمر الذي كان زميل جورج بوش في المدرسة الإعدادية.
وفرض بريمر، أكثر من 100 قانون تم وضعها في واشنطن العاصمة، ليحل محل الدستور العراقي الذي كان يمنع تملك الأجانب ويفرض رسوماً جمركية على الواردات الأجنبية. وكان هذا يعني أن العقود مُنحت من قبل الاحتلال دون قدر كبير من الإشراف، وعملت الشركات الأجنبية دون قيود، وتدفق سيل من الأموال عائدة إلى الولايات المتحدة.
وذكّر الباحثان بما كتبته مجلة “الإيكونوميست” بعد ستة أشهر من الاحتلال بعنوان “دعونا نذهب جميعاً إلى ساحة البيع، إذا نجح كل شيء، فسيكون العراق حلم الرأسمالية”. في إشارة إلى أن ثروة العراق صارت مباحة للشركات العالمية وفق قوانين الاحتلال التي شرعها بريمر.
وإن أحد القوانين الأمريكية المفروضة على العراق، في انتهاك لقوانين الاحتلال العسكري، وهو أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 17، أعطى المتعاقدين الأمريكيين حصانة كاملة من الملاحقة القضائية بموجب القانون العراقي والدولي. ومن ثم فقد أفلتت شركة كاستر باتلز وشركة بلاك ووتر الأمنية من تهمة الفساد وجرائم الحرب القاتلة، ناهيك عن حقيقة مفادها أن شبكة الكهرباء في العراق أصبحت في وضع أسوأ بعد فشل شركة بكتل في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية .
وازداد الأمر سوءا عندما قامت قوات الاحتلال الأمريكي بتثبيت مجاميع وأحزاب فاسدة وتسميتها بـ “الديمقراطية”.
وكانت المشكلة الحقيقية أكبر وأكثر أهمية من عقود الفساد المربحة. فبعد احتلال البلاد أعادت السلطات الأمريكية تركيب العملية السياسية في العراق. واستخدم المحتلون الأمريكيون استراتيجيات فرق تسد في عملية صياغة الدستور العراقي في بلد حساس للغاية للانقسام. وتقرر النظام السياسي المستقبلي في العراق بواسطة مجموعات قامت الولايات المتحدة بتدريبها ودعمها في السابق، في إطار تسوية لتقاسم السلطة كانت فاسدة ومعادية للديمقراطية في جوهرها.
ومنذ ذلك الحين، قامت الأحزاب السياسية العراقية بنهب موارد البلاد، مما أدى إلى حرمان الملايين من الناس من أي آفاق. وبينما عانت غالبية الشعب من أزمات وجودية في المعيشة والسكن والتعليم، استمرت الأحزاب الطائفية في الحكم من خلال نظام المحاصصة الذي شكلته الولايات المتحدة.
وتتمحور هذه التشكيلات السياسية، التي تهدف إلى إنشاء كتلة أغلبية حاكمة، حول تقاسم الوزارات ذات الميزانيات الكبيرة الممولة من واردات تصدير النفط،. ونتيجة لذلك، فإن تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات لا نهاية له، حيث كانت فترة الانتخابات الأخيرة هي الأطول في تاريخ العراق.
وتسيطر هذه الأحزاب على المؤسسات بعدد هائل من الوظائف لاتباعها حصرا.


إنديرجيت بارمار: مما يزيد من تأجيج الجدل حول احتلال العراق أنه بعد عقدين من الزمن، أصبح العالم يتسم بتعددية الأقطاب “الفوضوية”، وعدم المساواة الصارخة والاستقطاب السياسي، وأزمات اللاجئين، وديناميكيات القوة العالمية المتغيرة

ومما يؤكد الطابع المناهض لمفهوم الدولة العراقية، ترتبط الكتل السياسية المهيمنة بجهات أجنبية تقف إيران في مقدمتها، مما يفتح بابًا دوارًا للنفوذ الخارجي في الدولة العراقية.
وقال الباحثان “إن تركيز الحكومة العراقية على تقسيم الوزارات على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، وتوجيه ميزانيات الرواتب إلى الموالين، كان يعني أن العراق يفتقر إلى هوية وطنية موحدة. وقد ثبت أن هذا مكلف عندما تعرض الأمن الوطني العراقي للتحدي من قبل تنظيم داعش، الذي استخدم أيديولوجياته لاختراق دولة وجيش عراقيين ضعيفين ومنقسمين. كان العراق، بعد العام 2005، منقسماً إلى حد كبير بحيث لم يتمكن من تأمين حدوده وأمنه القومي، وكان جيشه منقسماً بين طوائف وأحزاب سياسية مختلفة”.
ومنذ عام 2011 تحدت الاحتجاجات والحركات الشعبية في ثورة تشرين هيمنة الأحزاب والميليشيات الولائية للقمع العنيف.
وقال الباحثان “تم تعزيز وجود إيران في قلب السياسة العراقية من خلال حكومة تهيمن عليها أحزاب طائفية تعتمد على ميليشيا الحشد الشعبي التي تدين بالولاء لإيران للحفاظ على العملية السياسية في العراق، مع وجود العديد من التقارير عن استخدام القناصة من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. في القضاء على الاحتجاجات المناهضة للحكومة في ثورة تشرين”.
ويشغل الوكلاء المدعومين من إيران أدوارًا ومواقع رئيسية في جميع أنحاء العراق والتي غالبًا ما تُستخدم أيضًا لتعزيز مصالح أخرى منفصلة عن الأهداف الوطنية والأمنية للعراق. وتحمل العديد من الميليشيات أعلامها الخاصة، ولها أيديولوجياتها الطائفية، وقد تم تسجيلها رسميًا في استهدافها للقوميات والطوائف بشكل عشوائي في عمليات قتل وتهجير على الهوية، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من العراقيين خصوصا في مدن غرب العراق.
وأشار التقرير إلى أن الموقف الأمريكي اليائس في الشرق الأوسط، جاء كنتيجة مباشرة للحرب غير الشرعية في احتلال العراق. وبحلول عام 2021، توسع الوجود الإيراني في المنطقة إلى ما هو أبعد من معاقل العراق ولبنان وفلسطين، وإلى سوريا واليمن، مع أنشطة ونفوذ في المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، وكذلك أفغانستان وباكستان.
واختتما الباحثان تقريرهما بالقول “ادعى جون كوينسي آدامز أن الولايات المتحدة (لا تذهب إلى الخارج بحثًا عن الوحوش لتدميرها…) لقد كان مخطئا في عام 1821 عندما نطق بهذه الكلمات؛ وهذه الكلمات أصبحت أكثر خطأً بعد احتلال العراق. ومن الملائم أكثر أن نقتبس عبارة أكثر دقة لمارتن لوثر كينغ، في عام 1967 عندما قال إن الولايات المتحدة هي (أعظم ممول للعنف في العالم اليوم)، ومصدر بمستويات وحشية لسفك الدماء، وتدمير الدول المستقلة والديمقراطية. وكسر تطلعات شعوب العالم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى