أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

وزارة التعليم تسعى لبيع الشهادات العليا عبر “دكاكين” التعليم الخاصة

أكاديميون يحذرون من التبعات الخطيرة لمنح الجامعات الأهلية التابعة للأحزاب رخصة منح الشهادات العليا في خطوة تخالف الضوابط العلمية والمعايير الأكاديمية.

بغداد – الرافدين

أثارت تصريحات وكيل وزير التعليم العالي والبحث العلمي حيدر عبد ضهد في معرض ومؤتمر العراق للتعليم الذي أقيم على أرض معرض بغداد الدولي موجة غضب بين الأوساط الأكاديمية وطلبة الدراسات العليا عقب التشكيك برصانة الجامعات الحكومية في البلاد.
وأكد وكيل الوزير لشؤون البحث العلمي في معرض تصريحاته وجود توجيهات لوزير التعليم في حكومة الإطار التنسيقي نعيم العبودي للعمل على تحقيق شراكة مع الجامعات والكليات الأهلية لإطلاق برنامج دراسات عليا في الجامعات الأهلية بمستوى أرصن وأعلى من الجامعات الحكومية، عبر الجمع بين ميزات الجامعة الحكومية والجامعة الأهلية.
واستنكر طلبة جامعيون توجه وزير ميليشيا العصائب كما يحلو للكثير تسميته في إشارة إلى انتمائه للميليشيا نحو خصخصة التعليم وعدوها خطوة نحو إلغاء مجانية التعليم التي لطالما ميزت العراق عن سواه من دول المنطقة فضلًا عن ضرب رصانته المتمثلة بالجامعات الحكومية التي خرجت خيرة العلماء والطلبة على مدار عقود.
وتصدر وسم #الوزير_يهدم_الدراسات ترند منصة أكس بعد تفاعل الطلاب الجامعيون وطلبة الدراسات العليا على هذا الوسم عقب التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها وكيل الوزير.
وأجمع المتفاعلون على الوسم على أن توجه العبودي والوزارة الأخير محاولة رخصية لبيع الشهادات عبر الجامعات الأهلية التي تعد “دكاكين تعليمية” لبيع الشهادات.

وكانت الجامعة الإسلامية في لبنان التي منحت العبودي وعددًا من الشخصيات البارزة في حكومة الإطار التنسيقي لاسيما رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان الشهادة، حلقة بارزة في فضيحة تزوير شهادات علمية، كشف عنها موقع “المدن” الإلكتروني اللبناني في تشرين الثاني 2021.
ويقر العبودي القيادي بميليشيا العصائب برئاسة قيس الخزعلي باتباع ولاية الفقيه الإيرانية لخامنئي وسبق وأن قال في تصريح تليفزيوني “نؤمن بولاية الفقيه وبالنسبة لنا إن ما نؤمن به والعمود الفقري لنا ثقافيًا وعقائديًا هو ولاية الفقيه، أي أننا نؤمن بولاية الفقيه”.
وجاءت تصريحات وكيل العبودي متزامنة مع اتهامات لوزارة التعليم العالي بالاستحواذ على مقاعد الدراسات العليا وتخصيصها لغير مستحقيها ممن ترقنت قيودهم أو فشلوا دراسيًا وبذرائع مختلفة كأن يكونوا من أقرباء “الشهداء” أو ممن لديهم سجين سياسي أو من ضحايا ما يعرف بـ “الإرهاب”.
وكتب الناشط والطبيب المتخصّص في علم النفس هشام الذهبي على حالته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “معدلي أعلى منه في الماجستير وتقديري في رسالة الماجستير أعلى منه ودرجتي في الامتحان التنافسي في الدكتوراه أعلى منه”.
وتابع “لكنه منح مقعدًا لدراسة الدكتوراه لأنه من ضحايا الإرهاب وجرى استثناءه من شرط النجاح في الامتحان التنافسي وأنا سوف أنتظر للسنة القادمة”.
واختتم الذهبي الذي عرف برعايته دارًا للأيتام في بغداد تعليقه بعبارة “الرصانة العلمية” في إشارة إلى إجهاز وزارة التعليم الحالي على الرصانة العلمية للجامعات والدراسات العليا في البلاد.

الدكتور عبد السلام السامر: نستغرب ورود نص في قانون الموازنة الاتحادية للدولة العراقية يتضمن استحداث دراسات عليا (ماجستير ودكتوراه) في الكليات الأهلية التي هي في الأساس تفتقد إلى الرصانة العلمية

وسبق أن أبدى أكاديميون رفضهم لإقحام فقرة في الموازنة منتصف العام الجاري تسمح للجامعات والكليات الأهلية باستحداث دراسات عليا قبل أن تتراجع الحكومة وتحذف هذه الفقرة قبل التصويت على مشروع الموازنة بعد مطالبات بالحفاظ على الرصانة العلمية وعدم تحويلها الى تجارة لمصالح شخصية وحزبية في دلالة على سعي حكومة الإطار التنسيقي الدؤوب لتثبيت هذا الأمر كواقع حال.
وبينت وثيقة صادرة من لجنة التعليم النيابية بتاريخ التاسع من شهر حزيران الماضي طلبًا “بحذف الفقرة ثالثًا من المادة رقم (1) والتي تنص على (استحداث فروع للدراسات العليا في الكليات الأهلية والقطاع الخاص التعليمي) حيث أن هذه الفقرة ليست من اختصاص قانون الموازنة العامة”.
وقال التدريسي في جامعة بغداد الدكتور عبد السلام السامر إننا “نستغرب ورود نص في قانون الموازنة الاتحادية للدولة العراقية يتضمن استحداث دراسات عليا (ماجستير ودكتوراه) في الكليات الأهلية التي هي في الأساس تفتقد إلى الرصانة العلمية، وأن أغلب الأساتذة التدريسيين في الكليات الأهلية لم يحصلوا على ألقاب علمية تؤهلهم للتدريس والإشراف على طلبة الدراسات العليا”.
ووصف السامر هذا التوجه بـ “رصاصة الرحمة على الرصانة والكفاءة العلمية في البلاد، ما يفتح الباب على مصراعيه على شراء ألقاب علمية أكاديمية بالأموال وتضييق الفرص على المجدّين والمثابرين من طلبة الكليات الحكومية وتحرمهم وتحرم البلد من جهودهم وكفاءاتهم في أكبر خطيئة بحق التعليم ومستقبل البلاد”.
بدوره عد الأكاديمي الدكتور هاشم حسن التوجه الجديد بأنه “قرار سياسي ولا يمت للتعليم العالي والبحث العلمي بصلة والهدف منه الحصول على مكاسب سياسية على حساب رصانة التعليم العالي في العراق”.
وحذر حسن “من تداعيات هذا التوجه لما لها من آثار سلبية على المدى القريب والبعيد لاسيما أن العراق بعد عام 2020 والدراسة عن بعد (أون لاين) في بعض الدول المجاورة أصبح لدينا أشخاص يحملون ألقابًا علمية وهم لا يفقهون أي شيء عن تخصصهم مما أفقد الهيبة في الشهادات العليا”.
واتفق الدكتور علاء الموسوي مع ما ذهب إليه الأكاديمي هاشم حسن مؤكدًا أن “جميع الكليات والجامعات الأهلية في العراق يمتلكها أشخاص هدفهم الأول الربح المادي دون مراعاة للجوانب العلمية”.
وبين الموسوي أن “التعليم في العراق أصبحت تتحكم به جهات عدة، وليس على أسس ومعايير علمية، فالتدخلات الحزبية والجوانب المالية أضعفت التعليم كثيرًا، فالكليات الأهلية تهدف إلى زيادة عدد الطلبة بغض النظر عن الجانب العلمي أو النجاح او الرسوب وهناك بعض الأساتذة يتعرضون لضغوط من قبل بعض مجالس إدارة الجامعات الأهلية بسبب الرسوب أو الضغط على الطلبة”.

وسبق أن استحدث وزير التعليم الحالي التابع لميليشيا العصائب نعيم العبودي عددًا من الكليات الطبية في الجامعات الأهلية التي تديرها الأحزاب وتجار الميليشيات، في خطوة مماثلة للتوجه الجديد في استحداث برامج الدراسات العليا في الجامعات الأهلية ما أثار استياءًا واستهجانًا أكاديميًا ومجتمعيًا.
وعبر قرار استحداث كليات طب أهلية عن عدم الشعور بالمسؤولية التي يتميز بها وزير تعليم وصفه العراقيون بـ”الميليشياوي الجاهل” في ظل انهيار التعليم منذ عام 2003 وخروجه من قوائم قياس الجودة العلمية.
وحذرت نقابات وأكاديميات علمية عراقية من الاستمرار في إبادة التعليم في العراق والاستهانة بالمعايير الطبية والتفريط بصحة الإنسان لحساب مصالح تجارية وحزبية ضيقة.
وأدانت نقابات أطباء العراق والصيادلة والأسنان ونقابة الأكاديميين العراقيين، في بيان مشترك السابقة الخطيرة في استحداث هذه الكليات الطبية وطالبت رئيس الوزراء بالتدخل الفوري، لإيقاف استحداث كليات الطب الأهلية.
وذكرت النقابات في بيانها أن استحداث مثل هذه الكليات المخالفة للقانون سيخرج أطباء غير مؤهلين مع عدم الحاجة لهم، مما يشكل خطرًا جسيما على أرواح الأبرياء.
وفي مقابل الاستهجان والرفض الأكاديمي تمادت وزارة التعليم العالي في قرارها رافضة الاستهجان العلمي والأكاديمي والاستهتار بحياة الإنسان العراقي، وزعمت بأنها تطمئن “الرأي العام والمتابعين والمهتمين بأن جميع كليات وأقسام الصيدلة وطب الأسنان في الجامعات الأهلية جرى تأسيسها على وفق القانون النافذ وفي ضوء إجراءات علمية وفنية حاكمة”.

النقابات الطبية تحذر من إبادة التعليم في العراق والاستهانة بالمعايير الطبية
النقابات الطبية: استحداث كليات طب أهلية ينم عن عدم الشعور بالمسؤولية

ويجمع خبراء تربويون وأساتذة جامعيون ومسؤولون داخل وزارة التعليم العالي نفسها على أن وزارة بمهام التعليم العالي التي تعد ملاكات وطواقم صناعة مستقبل البلاد، خارج قدرة العبودي نتاج ميليشيا العصائب.
واعترف مسؤولون في الوزارة بأن الواقع التربوي في البلاد يزداد سوءًا، وأن نسبة كبيرة من حملة الشهادات العليا في العراق يتخرجون بطرق وصفوها بالملتوية خصوصًا بعد قرار الوزارة الأخير الصادر مطلع شهر أيلول الجاري والقاضي بفرض نسب نجاح عالية على الأساتذة الجامعيين، وتهديدهم بالإحالة إلى لجان تحقيقية في حال عدم تحقيقها.
وقال أستاذ في جامعة بغداد، رفض الكشف عن اسمه، إنّ “قرارات الوزارة في الفترة الأخيرة خطيرة جدًا، وتسهم في هدم التعليم في البلاد وأن القرار الأخير بفرض نسب نجاح ودرجات معينة على التدريسيين سيكون بمثابة طلقة الرحمة على التعليم في الجامعات العراقية”.
وأضاف أنّ “القرار سيجبر الأساتذة على منح الطلاب درجات فوق استحقاقهم تؤهلهم للنجاح للتخلص من إحالتهم (الأساتذة) إلى لجان تحقيقية وتعرضهم لعقوبات انضباطية كما نصّ القرار وأن هذا القرار غير مهني وغير لائق، وحتى إن اللهجة التي كتب بها بفرض عقوبات انضباطية على الأساتذة، غير مقبول وغير مسبوق”.
وأشار إلى أنّ “القرار تسبب بحالة من التذمر لدى الأساتذة في الجامعات، إلا أن أحدًا لا يستطيع أن يظهر اعتراضًا خوفًا من العقوبات”.
وكان لوزارة التعليم العالي بقيادة العبودي الدور الكبير في الإجهاز تحت سطوة العتبة الحسينية وديوان الوقف الشيعي، على آخر ما تبقى من استقلالية التعليم الجامعي، بالسماح بالتبليغ الطائفي في أروقة الجامعات العراقية.
وأقدمت وزارة التعليم العالي على إصدار أمر إداري ذي طبيعة طائفية موجه إلى الجامعات العراقية كافة، يقضي بفسح المجال أمام مبلغي “العتبة الحسينية” في كربلاء التي تعد جزءًا من “الدولة العميقة لمرجعية النجف” لإقامة “برنامج التبليغ الديني” في الجامعات امتثالًا لرغبة “ديوان الوقف الشيعي” الموجه لوزارة التعليم العالي.
ولم يكشف قرار الوزارة الجدوى أو الذرائع العلمية من السماح لأفكار طائفية وخرافات تاريخية باقتحام الحصن الجامعي لكسر ما تبقى من الاستقلالية العلمية والبحثية.
وسبق أن دعت هيئة علماء المسلمين في العراق؛ إدارات الجامعات العراقية جميعًا وأساتذتها إلى التصدي لهذا القرار الخطير، وتفويت الفرصة على الجهات التي تقف وراءه، وقطع الطريق على العابثين بالتعليم في العراق، وفي ثقافة المجتمع وقيمه وتقاليده، والعمل على إلغاء المحاصصة الطائفية، وتثقيف الناس لاسترداد حقوقهم وتحسين معيشتهم، وتعزيز قيم محاربة الفساد، ومعالجة تجهيل المجتمع، وتخليصه من الاستخفاف بعقول أبنائه.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى