المعلمون العراقيون يعيشون زمنًا رثًا في يومهم العالمي
نقابة المعلمين العراقيين: المعلمون يلجؤون إلى الحلول العشائرية بسبب ضعف تطبيق قانون حماية المعلم، وأن المؤسسات التربوية تميل إلى اللجوء للقضاء وفق القانون، لكنها تصدم بتوجيهها من قبل القضاء إلى إحالة تلك الدعاوى الى العشائر.
بغداد- الرافدين
مر اليوم العالمي للمعلّمين في الخامس من تشرين الأول، شاحبًا على طبقة تربوية ساهمت في صناعة أجيال من علماء العراق، إلا أنها تعيش منذ احتلال العراق عام 2003 واقعًا رثًا ومؤلمًا للعملية التعليمية، من دون أن تنجح حكومات الاحتلال المتعاقبة من انتشال العملية التربوية من مستنقع التخلف والنكوص.
ويُنظّم اليوم العالمي للمعلّمين سنويًّا في الخامس من تشرين الأول منذ عام 1994، للاحتفاء بذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرسين.
وتشكّل هذه التوصية الإطار المرجعي الرئيس للنظر في حقوق المعلّمين ومسؤولياتهم على الصعيد العالميّ.
ويتزامن اليوم العالمي للمعلّمين هذا العام مع الذكرى العشرين لصدور توصية عام 1997 الخاصة بأوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي. فغالباً ما يتم التغاضي عن هيئات التدريس في مؤسسات التعليم العالي خلال النقاشات المعنيّة بوضع المعلّمين. فعلى غرار المعلّمين لمراحل التعليم قبل الابتدائي والابتدائي والثانوي، يعدّ التعليم العالي مهنة تتطلّب معرفة ومهارات متخصّصة وكفاءة تربويّة.
ويجمع عراقيون على الدور التاريخي المعاصر للمعلم في بناء الدولة العراقية الحديثة منذ عقود، إذ شكل التعليم قاعدة أساسية لتخريج أجيال من الأطباء والمهندسين والعلماء والعسكريين والمفكرين والفنانين. حتى انهيار مفهوم الدولة بعد احتلال العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية.
ولا يخفي عراقيون أساهم على واقع التعليم في البلاد بعد إبادته كليا والسماح لمؤسسات طائفية بالتدخل في مناهجه وفرض وصايات على البحوث والدراسات. والسماح لجهات فاسدة مرتبطة بدول خارجية بفتح مدارس ومعاهد وجامعات تجارية لا تبالي بوطنية العملية التعليمية.
وبات المعلم في العراق اليوم يمثل صورة للانهيار الذي تعاني منه العملية التعليمية برمتها.
ويعاني القطاع التربوي والتعليمي في العراق من تدهور كبير في جودة التعليم، بلغ مستويات غير مسبوقة، وخرج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم؛ وما يزال المستوى التعليمي خارج نطاق التقييم العالمي لمعايير الجودة.
وعزا التقرير السنوي الذي أصدره قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق أسباب تدهور القطاع التربوي إلى ضعف المستوى العلمي للكادر التدريسي والنقص الكبير في عدد المدارس وتهالك الموجود منها، ومنها ما يتعلق بقلة الدعم والتخصيصات المالية الحكومية لهذا القطاع المهم والحيوي وما يتخلل هذا التخصيص على قلته من سوء إدارة وحالات فساد كبيرة من سرقات واختلاسات.
كما أنه وبحسب نقابة الأكاديميين فإن هناك ما لا يقل عن 50 ألف شهادة غير رصينة دخلت العراق بسبب “دكاكين الخارج”. يعزز ذلك صدور تعميم وبموافقة وزير التعليم العالي القيادي في ميليشيا العصائب نعيم العبودي، وبعد تشكيل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني؛ يسمح بشمول الراسبين بالمعدل في الدراسات العليا ومن ثم إصدار شهادات ماجستير أو دكتوراه لفاشلين علميًا.
وسبق أن أقر نقيب المعلمين العراقيين عباس كاظم السوداني بأن البنى التحتية التعليمية في العراق متهالكة وأن ذلك ينعكس سلبًا على تحصيل الطلاب العلمي وعلى مجمل البيئة التعليمية.
وأشار إلى أن واقع المدارس العراقية مؤسف ومتهالك للغاية، وأن حصة وزارة التربية وتخصيصاتها المالية شحيحة، مؤكدا أنه وفقا للأمم المتحدة فإن نسبة الموازنة المطلوبة لقطاع التربية والتعليم في الدول المتقدمة تبلغ عشرين بالمئة، بينما تبلغ في موازنة العراق السابقة نحو أربعة بالمئة فقط، مضيفا أن العراق بحاجة لبناء 8 آلاف مدرسة، خلال السنوات الخمس المقبلة.
وذكرت نقابة المعلمين أن المعلمين يلجؤون إلى الحلول العشائرية بسبب ضعف تطبيق قانون حماية المعلم، وأن المؤسسات التربوية تميل إلى اللجوء للقضاء وفق القانون، لكنها تصدم في بعض الحالات بتوجيهها من قبل القضاء إلى إحالة تلك الدعاوى الى العشائر.
وسبق أن أفادت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”، بأنّ انخفاض دعم الحكومات المتعاقبة لقطاع التعليم في العراق، أثّر في مخرجات العملية التربوية، مشيرةً إلى رداءة جودة التعليم في البلاد، وقلّة دخول الأطفال إلى المدارس.
وأوضحت المنظّمة، أنّ إنفاق السلطات الحكومية ما نسبته 6 بالمائة فقط من حجم الإنفاق السنوي على قطاع التعليم، والافتقار إلى الموارد الكافية، أدّى إلى ضعف نواتج التعليم التي تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، لافتةً إلى أنّ ضعف الإنفاق، مع حجم الفساد المستشري في القطاع، يعرّض الأطفال إلى خطر مؤكّد يسير بهم نحو التجهيل التربوي والثقافي.
وأكّدت على أنّ عقودًا من الصراع وغياب الاستثمارات في العراق دمرت نظامه التعليمي الذي كان يُعد فيما مضى أفضل الأنظمة التعليمية في المنطقة، وأنّ ذلك أعاق بشدة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد.
وقالت “نقابة المعلمين العراقيين” إنّ السياسات الحكومية الفاشلة أثرت بشكل كبير على المؤسسة التعليمية، وأنّ الأزمات السياسية المستمرة جراء احتدام الصراع بين الأحزاب والميليشيات التي تسعى للاستحواذ على السلطة والمناصب؛ ألقى بظلاله على واقع التعليم وجعله يتراجع بشكل كبير.
وأقرت بوجود عمليات هدر وفساد هائلة في مشاريع بناء المدارس التي تنفّذها وزارة التربية الحالية، مشيرةً إلى أنّ الصفقات السياسية والمقاولات المحالة إلى شركات غير مؤهلة جعلت منها أحد أكبر مشاريع الفساد في البلاد.
ونقلت عن مسؤولين في وزارة التربية الحالية، أنّها قرّرت الإبقاء على المدارس الطينية التي تزيد أعدادها عن “230” مدرسة في البلاد لخمس سنوات أخرى؛ جرّاء ضياع تلك الأموال في “مشروع” الأبنية، وتغافلها عن مشاريع بناء المدارس المتلكئة منذ سنوات.
وقال “المجلس النرويجي للاجئين” إنّ النقص الحاد في المدارس والمعلمين تسبب في تراجع كبير في مستويات التعليم، إذ ما تزال نسبة كبيرة من التلاميذ والطلاب غير قادرين على القراءة أو الكتابة بشكل يتناسب مع أعمارهم.