أخبار الرافدين
طلعت رميح

رسالة حربية أمريكية لتركيا!

وجهت الولايات المتحدة رسالة سياسية بالنيران لتركيا. ويمكن القول بأنها كانت رسالة إستراتيجية أيضا.
تلك الرسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الصمت تجاه تطور وتصاعد الدور التركي الإقليمي والدولي. وأن عضوية البلدين في حلف الناتو لا تمنح تركيا حصانه ولا تمنع الولايات المتحدة من الرد على التطور الإستراتيجي للقوة والقدرة التركية، سواء على صعيد استقلال المواقف التركية في الصراع الدولي أو على صعيد تطوير تركيا لتحالفات إقليمية بأفق يغير التوازنات الإقليمية على حساب الدور والمصالح الأمريكية، أو على صعيد تطوير تركيا لصناعاتها العسكرية وتحولها إلى مصدر موثوق للسلاح المتطور في العالم، وبشكل خاص في مجال الطيران المسيّر.
وتقول الولايات المتحدة لتركيا إنها، تستطيع اللعب ضدها عبر أدوات متعددة منها مظلة التحالف الدولي في مواجهة الإرهاب الذي أضيف الآن إلى قائمة الحركة الأمريكية للضغط على تركيا، وهو تحرك يحمل دلالة خطيره على صعيد العلاقات العربية التركية، التي تتضمن دعم المعارضة الداخلية، وإثارة الاضطراب في الاقتصاد، وتقديم الدعم العسكري للمجموعات الانفصالية الإرهابية الناشطة ضد تركيا.
وتقول الولايات المتحدة لتركيا، إن انشغالها بمواجهة روسيا والصين، لا يعوق قدرتها على الرد على من يناور ويبحث عن مصالحه المستقلة من حلفائها، مستثمرا المواجهات الدولية المحتدمة. وأن واشنطن غير راضية عن التحالف التركي الأذربيجاني بأفق بناء كتلة إقليمية مستقلة، ولا عن إعاقة تركيا لانضمام السويد لحلف الناتو.
لقد أسقطت مقاتلة أمريكية طائرة مسيرة تركية في شمال سوريا، تحت ذريعة اعتبار تلك المسيرة تهديدا مباشرًا لها بعد اقترابها لمسافة غير آمنة “كيلو ونصف” من القوات الأمريكية المتواجدة على الأرض السورية.
وهو حدث خطير وتطور في اتجاه إستراتيجي مختلف على صعيد طبيعة العلاقات بين البلدين، باعتبارهما عضوي في حلف الناتو، وبسبب وقوع العملية بينما الولايات المتحدة تخوض صراعًا حربيًا مع روسيا، ليس فقط في أوكرانيا، بل على الأرض السورية، وفي تماس مباشر مع القوات والحدود والمصالح التركية.
وهنا كان لافتًا وبشدة أن جرى الحادث ضد تركيا، فيما أعمال التنسيق العسكري لتجنب وقوع حوادث بين القوات الأمريكية والروسية في وضع مضطرب يهدد احتمالات وقوع اشتباكات عرضية، وأن جرى الحادث في ظل أجواء سياسية وإعلامية تتحدث عن خطة أمريكية لقطع الطريق الذي تعمل عليه إيران وميلشياتها أو شركاتها الأمنية لنقل السلاح وإقامة تواصل للنفوذ والدور الإيراني، امتدادا من طهران إلى لبنان، ويشمل العراق وسوريا.
توترت الأوضاع في سوريا مع روسيا وطهران، فجاء الرد ضد تركيا!
وقد جاء إسقاط المسيرة بعد أيام قليلة من وقوع عملية إرهابية استهدفت هز صورة تركيا واستقرارها، إذ جرت في توقيت انعقاد البرلمان التركي بحضور الرئيس رجب طيب اردوغان وعلى مقربة من مكان الانعقاد، وكأن الولايات المتحدة تقول لتركيا، أن ليس بالانتخابات وحدها تستقر النظم السياسية وأن الولايات المتحدة التي لم تستطع تغيير التوجهات السياسية لتركيا عبر الانتخابات –وقد قالها الرئيس جو بايدن صريحه بأن على الولايات المتحدة دعم المعارضة- تستطيع اللعب بأدوات أخرى تصل حد الفعل العسكري.
كما جرت العملية بعد أيام من انتصار أذربيجان بدعم تركي شامل في الهجوم الناجح لإنهاء الحالة الانفصالية المستعصية على الاندماج لقرن من الزمان لإقليم قره باغ في داخل الدولة والمجتمع الأذربيجاني، وهي العملية التي جرت فيما كانت القوات الأمريكية في حالة مناورات مع القوات الأرمينية المساندة للإقليم الانفصالي، والتي ظهرت خلالها تركيا في وضع القادر على الحركة مجددًا على حدود الصراع بين النفوذين الأمريكي والروسي.
كما جرت عملية إسقاط المسيرة التركية فيما القوات التركية في موضع الرد على عملية إرهابية متهم بالقيام بها مجموعات انفصالية كردية تدعمها الولايات المتحدة ومن مناطق تتواجد فيها القوات الأمريكية وتلك المجموعات على أرض واحدة.
ويمكن القول، بأن اختيار الولايات المتحدة أن يكون ردها هو إسقاط طائرة مسيرة تركية، هو رسالة مفادها أن واشنطن غير راضية عن التطوير “الثوري” للصناعات العسكرية التركية الذي صارت الطائرات المسيرة عنوانه البارز على الصعيد الإعلامي والعسكري، وعلى صعيد تطوير تركيا لنفوذها السياسي الإقليمي والدولي.
وبعيدا عن الأحاديث الديبلوماسية والتصريحات الإعلامية المعدة أسئلتها وإجاباتها سلفًا من قبل المتحدثين باسم وزارة الدفاع الأمريكية، فالأمر الأهم الذي لم يكن ممكنًا إخفاؤه هو كيف يمكن لدولتين حليفتين في الناتو، لم تتمكنا من منع وقوع حادث عسكري بين قواتهما على أرض دوله ثالثة؟ وكيف جرى ذلك والولايات المتحدة موجودة بقواتها في قاعدة للناتو على الأراضي التركية؟
وفي انتظار الرد التركي السياسي والإستراتيجي الذي لاشك سيكون عميقًا في دلالاته لكنه لن يأتي سريعًا. وبعيدًا عن التسويات الشكلية التي ستجري، فالأمر القاطع هو أن العلاقات التركية الأمريكية دخلت منعطفًا إستراتيجيًا ستظهر آثاره الأعمق بعد الانتخابات الأمريكية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى