أخبار الرافدين
طلعت رميح

احتلال رفح… مناورة أم قرار؟

لا يكل نتنياهو ولا يمل، من الحديث عن النصر الكامل أو المطلق في غزة، وعن أن تحقيق هذا النصر المستهدف لا يتحقق إلا بالقيام بعملية عسكرية في رفح.
إذا توسعت المظاهرات من أهالي الأسرى الصهاينة وتصاعدت المطالبات بإجراء انتخابات مبكرة، تحدث عن رفح. وإذا قيل له أنت فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنتها عند إطلاق العملية العسكرية، عاد لأسطوانة رفح. وإن ارتفعت موجة اتهامه بالمسؤولية عما يوصف في الكيان الصهيوني بالكارثة واليوم الأسود- في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) رفع عقيرته وكرر ذات الأسطوانة.
وهو إذ كان قد توقف عن ذكر أمر احتلال رفح، خلال فترة تهديدات إيران بالرد على قصف قنصليتها في سوريا، فقد عاد مجددا لإشغال الإعلام بفكرة احتلال رفح.
وفي التفسير لتلك العودة، قيل إنه يحاول توظيف قدر التعاطف الرسمي الغربي الذي حدث مع الكيان الصهيوني بعد القصف الإيراني، لتطوير العملية العسكرية في غزة. وقيل إنه عاد إلى قصة رفح ليغطي على عودة الانتقادات الداخلية له، مجددًا، بعد انتهاء لعبة التخادم مع إيران، بسبب فشل الجيش في إطلاق سراح الأسرى بالقوة، وفشل حكومته في عقد صفقة مع المقاومة بهذا الشأن.
كما جرى تكرار القول، بأن نتنياهو عاد إلى لعبته التقليدية باستمرار الحرب، لإنقاذ نفسه من المحاكمة.
والملاحظة الجديرة بالتأمل في كل ذلك، هو أن لا أحد يشاطر نتنياهو في ضرورة الهجوم على رفح من الخبراء الاستراتيجيين الكبار في الكيان، بل أن العديد من الخبراء يصدرون تحذيرات ويشددون على أن نتنياهو ذاهب بالكيان الصهيوني إلى خسارة إستراتيجية مطلقة.
لكن، هل نتنياهو جاد في مسألة الذهاب بجيشه لاحتلال رفح، أم أنه يناور ويضغط بتلك الورقة لتحقيق أهداف أخرى؟
واقع الحال، أن إحجام نتنياهو عن دفع الجيش لاحتلال رفح طوال الفترة الماضية، لا يعود إلى رغبته في عدم زيادة معدلات سفك الدماء، ولو كان الأمر بيده وأركان حكومته، ما كان قد تردد. ومن يعود إلى مخططات الحرب التي أعلنها نتنياهو، في الأيام الأولى للعدوان على غزة، سيكتشف ببساطة، أن رفح كانت على قائمة الأولويات، وأن محور صلاح الدين “أو محور فيلاديلفيا” كان محورا لهجمات الطيران والتصريحات، وأن الجيش الصهيوني طلب من المستوى السياسي وقتها علنا، إجراء اتصالات سياسية مع مصر، قبل الذهاب لاحتلال رفح. وإن أركان وزارة نتنياهو الأشد تطرفًا مثل بن غفير وسموترتش، قد أعلنوا عن مشروع لبناء مستوطنات في كامل قطاع غزة، بما ذلك رفح، ورفعوا شعارات طرد جميع سكان غزة.
كما سنجد أن نتنياهو ألزم نفسه منذ البداية باحتلال رفح، تحت عناوين متعددة أهمها حكاية النصر الكامل أو المطلق بإنهاء وتفكيك حماس في جميع مناطق غزة، وأنه تحدث كثيرًا عن القضاء على كتائب حماس الموجودة في رفح. بل سيجد أن أركانًا في حكومته قد هددوا بإسقاط الحكومة، إذا لم يصدر أوامره باقتحام رفح.
إذن، لم تأخر قرار ذهاب نتنياهو إلى رفح؟
هناك عدة أسباب.
إن خطة الجيش الصهيوني للغزو البري، قد اهتمت باحتلال شمال غزة أولا، تحت عنوان أنها القاعدة الأهم لحماس وأن احتلالها سيوقف إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة ويسمح بعودة سكانها المهجرين. وهناك أن الجيش الصهيوني لم يتمكن من إنجاز أهدافه في الشمال والوسط وفق التوقيتات المستهدفة، بل هو تعرض لاستنزاف خطير، بما أخر عملية اقتحام رفح.
وهناك أن التركيز على الشمال قد نتج عنه ترحيل قطاع كبير من السكان إلى رفح. وهو نفس ما حدث بعد اجتياح القوات الصهيونية لوسط قطاع غزة. بما صنع أزمة حقيقية، بل كبرى للجيش الصهيوني بشأن خطة اجتياح رفح.
لقد أصبح على قوات الاحتلال نقل كل تلك الحشود البشرية خارج رفح، حتى تتمكن من الحركة في رفح، دون أن تجلب ضغوطًا دولية، بات مؤكدًا وقوعها، بعدما ارتكبته تلك القوات من مذابح جعلت العالم في وضع استنفار بشأن الهجوم على رفح.
كما طرحت الأسئلة حول الأماكن التي يمكن نقل السكان والنازحين إليها وقد بلغ تعدادهم نحو مليون ونصف؟ وحول تدبير إعاشتهم بعدما ما جرى تدمير هذا الكم الهائل من المساكن في الشمال والوسط.
وقد واجه نتنياهو ضغوطًا بشأن قرار الهجوم من حركة أسر الأسرى الصهاينة الذين يخشون أن ينتج عن تلك العمليات قتل أقربائهم، وآخر أمل لهؤلاء أن يكون الأسرى في رفح.
وكذلك فإن الهجوم على رفح لا يمكن أن يجري دون مخاطر سياسية على الصعيد الإقليمي والدولي. وقد حذر قادة مصر والأردن وفرنسا، من أن أي هجوم على مدينة رفح سيكون له تبعات خطيرة.
وقبل كل ذلك، فهناك من يرى أن ترحيل الفلسطينيين إلى الوسط أو الشمال، يعنى فشل مخطط طرد وتهجير السكان الفلسطينيين إلى خارج الأراضي الفلسطينية، ونهاية أحلام بن غفير وسموتريتش ببناء مستوطنات في غزة.
غير أن نتنياهو، ليس أمامه إلا اجتياح رفح!
وللحديث بقية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى