أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

حكومة الإطار التنسيقي تربك السوق بمزاعم السيطرة على أزمة الدولار

تخبط قرارات البنك المركزي ينعكس سلبًا على الواقع الاقتصادي العراقي ويتسبب في زيادة الفجوة في سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار.

بغداد ــ الرافدين
حذر محللون اقتصاديون من استمرار التخبط في قرارات البنك المركزي العراقي وحلوله الترقيعية التي لن تحل أزمة التذبذب في سعر الصرف في السوق المحلي.
وشددو على ضرورة إصلاح النظام المصرفي من أجل السيطرة على مزاد العملة الذي تسيطر عليه أحزاب وكتل سياسية تدفع إلى استمرار فوضى الصرف في العراق خدمة لمصالحها الشخصية.
وتتصاعد شكاوى العراقيين الذين يواجهون صعوبة في الحصول على الدولار وسط اتهامات لشركات صرافة وبنوك محلية بالتلاعب والتأخير المتعمد في تنفيذ التزاماتها بمنح الدولار تزامنًا مع تسجيل الأسواق المحلية تراجعًا ملحوظًا في قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي.
ويواصل سعر الصرف تحقيق قفزات غير مسبوقة، حيث سجل السوق الموازي تراجعًا حادًا في قيمة الدينار بلغت 1600 دينارًا للدولار الواحد، بفارق كبير عن القيمة الرسمية المقررة والبالغة 1320.
وأكد متداولون أنه من المتوقع أن يشهد الدينار انخفاضًا جديدًا بسبب شح الدولار واستمرار الطلب من قبل التجار والمسافرين خارج البلاد.
وانتقد خبراء في مجال الاقتصاد سياسة البنك المركزي في مواجهة الأزمة النقدية التي تشهدها السوق العراقية، مع استمرار تذبذب سعر صرف الدولار وعدم السيطرة على الارتفاع الحاصل في قيمته بالسوق الموازي.
وأكدوا على وجود تواطؤ من قبل بعض الأطراف المتنفذة داخل البنك المركزي في ملف الدولار، لأن إدارة البنك المركزي على علم بما تقوم به بعض شركات الصيرفة من بيع للدولار واستغلالها لحاجة المسافرين.
وأضاف الخبراء أن هناك جهات في إدارة البنك المركزي تعمل لحساب بعض الكتل السياسية والمصارف الخاصة تضغط من أجل استمرار فوضى الدولار أطول فترة ممكنة خدمة لمصالحها.

عمر الحلبوسي: قرار إيقاف سحب الدولار والحوالات من قبل البنك المركزي جاء بسبب تدخل مصارف ذات نفوذ من أجل الاستيلاء على العملة

وأكد الباحث في الشؤون الاقتصادية عمر الحلبوسي أن مجموعة من المصارف تحتكر الجزء الأكبر من نافذة بيع العملة، مبينًا أن هذه المصارف تمتلك نفوذًا داخل البنك المركزي وهو ما مكنهم من فرض نفوذهم في السوق.
وأضاف الحلبوسي في تصريح لقناة “الرافدين” أن قرار إيقاف سحب الدولار والحوالات بالدولار من قبل البنك المركزي جاء بسبب تدخل مصارف ذات نفوذ في البنك المركزي من أجل أن تستولي على الدولار.
وأشار إلى أن إجراءات البنك المركزي لم تقدم حلولًا ملموسة لمشكلة الدولار، إنما فاقمت المشكلة بعد إغلاقها لعدد من منافذ الإيداع النقدي مما فرض الاحتكار في السوق الموازي.
وشدد على أن بعض المصارف تحتال على المسافرين بعد استلام أوراقهم الثبوتية لغرض البدء بتسليمهم الدولار وبعد إدخال المعلومات للمنصة يتم إبلاغهم بنفاد الدولار، فيما يتبين بعد ذلك أن المصرف قد اشترى الدولار باسم المسافر دون علمه.
وأكدت اللجنة المالية البرلمانية أن هناك عددًا من المصارف تسيطر على نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية، موضحة أن الشروط التي وضعها البنك المركزي لا تطبق على الجميع.
وقال عضو اللجنة محمد نوري، إن أغلب عمليات التحويل المالي هي وهمية وتحت ذريعة شراء البضائع، موضحًا أن هناك تلكؤًا في الحوالات الحقيقة بسبب دعم الحوالات الوهمية من قبل مجموعات سياسية وميليشيات مسلحة تابعة إلى اقتصاديات الأحزاب، مبينًا أن الغرض من الحوالات الوهمية للدولار هو لتهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد.
ومنذ عدة سنوات يقوم البنك المركزي بإصدار قرارات تنعكس غالبيتها سلبًا على الواقع الاقتصادي العراقي ما تسبب في زيادة الفجوة في سعر صرف الدينار أمام الدولار والتي كان آخرها قرار حظر السحب النقدي والمعاملات بالدولار الأمريكي اعتبارًا من مطلع عام 2024.
وصرح محافظ البنك المركزي علي العلاق بأن البنك ماض للاستغناء عن التحويلات الخارجية السنة القادمة واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي.
وأضاف أن الحوالات عن طريق البنوك المرسلة بلغت 60 بالمائة من إجمالي الحوالات خارج المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي فيما وصلت نسبة تنفيذ الحوالات المحققة إلى أكثر من 95 بالمائة.
وشدد على أن السنة المقبلة ستشهد حصر التعاملات التجارية الداخلية وغيرها بالدينار العراقي بدلًا من الدولار كإجراء للحد من ارتفاع الدولار.
وتثير هذه الخطوة التي بدأت البنوك في تفعيلها بذريعة عدم توفير السيولة الكافية من الدولار سخط ومخاوف المتعاملين والمودعين بعملة الدولار وتنذر بتداعيات أخطر خلال الفترة المقبلة.
وأجمع خبراء مصرفيون واقتصاديون على أن قرار البنك المركزي العراقي بحصر التعامل التجاري الداخلي بالدينار ومنع تداول الدولار داخل البلاد، ينم عن مخاطرة كبيرة ويرفع من سطوة السوق السوداء ومن سعر تصريف العملة.
وتوقعوا أن تدخل السوق العراقية في ما يمكن أن يسمى “فوضى الدولار” وتفقد السلطات سيطرتها، خصوصًا في وضع اقتصادي وسياسي وأمني هش تشهده البلاد تحت وطأة طبقة اوليغارشية تحرك مفاصل الاقتصاد والصفقات وعملية غسيل الأموال القذرة.
ووصف عضو اللجنة المالية السابق أحمد حمه، عملية حظر السحب النقدي والتحويلات الخارجية بالدولار من المصارف والتداول اليومي بالعملية الصعبة التي ستؤدي إلى تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد مضيفًا أنها ليست حلًا للأزمة.
وأضاف أن هذه العملية ستزيد من هيمنة السوق الموازية، مما سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في سعر الصرف بمستويات لا يمكن لأي خطوات حكومية أن تتحكم بها.
وتدفع السياسات المالية التي تنتهجها حكومة الغطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، السوق العراقية إلى السيناريو اللبناني بعد أن بدأت فوضى الدولار تهدد الأسواق العراقية التي تعيش بالأساس وضعًا هشًا وعدم استقرار سعر الصرف.

ارتفاع الأسعار يثقل كاهل المواطن العراقي

وامتنعت جميع المصارف العراقية الحكومية والأهلية عن تسليم الدولار إلى المواطنين الذين لديهم حسابات مصرفية أو حوالات خارجية مما خلق حالة من الإرباك والتذمر بين الزبائن الذين طالبوا بتسليمهم ودائعهم بالدولار.
وأظهرت المؤشرات على أن خطط المركزي لن تلقى ترحيبًا واسعًا من خلال انتشار مقاطع مصورة تظهر أحد المودعين في مصرف أهلي في بغداد وهو يهدد الفرع إذا لم يتسلم وديعته نقدًا بالدولار بعد رفض الأخير تسليم أموال المودعين بالمصرف بحجة عدم توفر السيولة المالية.
وأوضح متعاملون أنهم يواجهون ردًا من البنوك بعدم توفر عملة الدولار، واقترحت عليهم تسليم مدخراتهم والحوالات الخارجية بالسعر الرسمي بدلًا من تسليمهم مدخراتهم وحوالاتهم بالدولار.
وأفاد عملاء بأن المصارف الحكومية والأهلية في العراق أوقفت عمليات صرف الدولار للزبائن وأصحاب الودائع والمدخرات تحت ذريعة أن البنك المركزي العراقي أوقف تأمين الدولار إلى المصارف.
وصرح عملاء لوكالة الأنباء الألمانية أن المصارف الحكومية والأهلية أوقفت عمليات تسليم المودعين وأصحاب الحسابات بالدولار الأمريكي وتأمين طلباتهم من هذه العملة بحجة أن البنك المركزي العراقي أوقف تجهيز المصارف بعملة الدولار.
فيما أكتفى البنك المركزي العراقي بمطالبة البنوك التجارية من أجل توفير الدولار نقدًا لمن يريد السحب من حساباته الدولارية، وإطلاق التحذيرات باتخاذ إجراءات ضد أي بنك يرفض ذلك.
وأصدر البنك المركزي هذه التحذيرات بعد الضغوط الكبيرة وتلقيه الكثير من الشكاوى حول عدم توفير البنوك الدولارات للمودعين.
ووصف مراقبون الادعاءات الحكومية الأخيرة بمحاسبة بعض المصارف والشركات الأهلية للحد من تهريب الدولار بأنها لا تتسق مع الواقع في البلاد، مشيرين إلى أن المصارف الأهلية يديرها سياسيون مشاركون في حكومة الإطار التنسيقي وهي من تقوم بالاستحواذ على الدولار وتهريبه إلى إيران وسوريا ولبنان.
وأدت عمليات تهريب الدولار من داخل البلاد إلى الدول المجاورة وخاصة إيران إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة، وخلق مصاعب للعديد من العراقيين الذين يعيشون في ظروف فقيرة.
وأنشأت الحكومة منصة لتنظيم التحويلات المصرفية التي تشكل الجزء الأكبر من الطلب على الدولار، والتي كانت بمثابة بؤرة للإيصالات المزيفة والمعاملات الاحتيالية التي سربت الدولارات إلى إيران وسوريا اللتين تخضعان لعقوبات أمريكية.
وقالت لجنة النزاهة النيابية إن المنصة الإلكترونية لبيع الدولار تحولت إلى باب آخر للفساد واستنزاف العملة الأجنبية في العراق بشكل منظم.
وأضاف عضو اللجنة النائب أحمد الربيعي، أن اللجنة بدأت تحقيقًا حول منصة بيع الدولار للمسافرين لوجود شبهات فساد متسلسلة يتورط فيها البنك المركزي وشركات السياحة التي تحجز الرحلات إضافة إلى لشركات السياحة والمسافرين أنفسهم.
وقال المختص في الشأن المالي ناصر الكناني، إن كل القرارات التي اتخذها البنك المركزي العراقي، منذ بداية أزمة الدولار وحتى اليوم هي إجراءات ترقيعية وليس فيها أي حلول للأزمة الحقيقية، ولهذا نرى الدولار يرتفع بشكل شبه يومي ونتوقع ارتفاعه بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.
وأكد على أن أزمة الدولار سببها الرئيس هو الحوالات السود، خصوصًا مع الجانب الإيراني، ولهذا صغار التجار يعملون على جمع الدولار من السوق الموازي من أجل دفع أموال تلك البضائع، وهذه القضية المهمة لم تجد لها الحكومة أو البنك المركزي أي حلول، رغم هي سبب الأزمة الرئيس.
ولفت إلى أن الدولار لم يشهد أي انخفاض مع استمرار الحوالات السود، بل على العكس ربما يشهد ارتفاعًا، وهذا التذبذب في سعر الصرف في السوق المحلي، سيكون له تداعيات في رفع أسعار البضائع المختلفة، خصوصًا وأن هناك تجار يستغلون هكذا ظروف من أجل زيادة أرباحهم من خلال التلاعب بالأسعار.
وتظاهر العشرات من أصحاب شركات الصرافة في العراق أمام مبنى البنك المركزي العراقي في شارع الرشيد للاحتجاج على سياسة البنك وعدم فسحه المجال أمام شركات الصرافة للعمل بحرية وفق الأنظمة والقوانين.
وطالبوا بإعادة إصلاح النظام المصرفي في العراق وتلبية متطلبات شركات الصرافة لسد احتياجات الزبائن وفق قانون ونظام البنك المركزي العراقي.
وحمل المتظاهرون الفشل الحكومي في عدم ضبط سعر الصرف والذي أربك الأسواق، ورفع من قيمة البضائع الأساسية مطالبين الحكومة بالسيطرة على أسعار الصرف المتزايدة.
وقال الحاج سلام وهو صاحب شركة صرافة في بغداد إن شركات الصرافة في العراق تتعرض لقيود قاهرة تعكس حالة التخبط التي تعيشها إدارة البنك المركزي العراقي وعدم وضوح سياستها النقدية تجاه التعامل مع الدولار.
وذكر أنه لا توجد سياسة واضحة للبنك المركزي وهناك تخبط واضح وتقييد لحرية التعامل بالدولار وليس من الصحيح أن يلجأ البنك المركزي العراقي إلى معاقبة شركات الصرافة وتقييد نشاطهم وهم معتمدون رسميًا من قبل البنك ومجازون للعمل في سوق العملات.
وقال النائب هادي السلامي، إن الفشل الحالي في ملف الدولار الأمريكي، تتحمله كل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد منذ 2003 ولغاية الآن.
وأضاف أن إصلاح النظام المصرفي وأزمة الدولار يحتاجان إلى السيطرة على مزاد العملة الذي لا يزال يبيع كميات كبيرة من الدولار، ولا نعرف أين يذهب، مشيرًا إلى أن المشكلة كبيرة في العراق مقابل التحديات الضخمة التي قد تؤدي إلى تصدع النظام الحالي، لا سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية حذرت كثيرًا من تهريب الدولار إلى دول الجوار.
وتواصل حكومة الإطار التنسيقي بابتاع سياسة التخدير وتصدير الوهم بهدف امتصاص غضب واستياء الشارع العراقي حول التطورات الأخيرة التي شهدتها أسعار الصرف.
وصرح مسؤول في البنك المركزي العراقي أن أحتياطيات البلاد من النقد الأجنبي تجاوزت 120 مليار دولار وهي اليوم بأفضل حالاتها وليس هناك قلق على حسابات الأفراد والشركات في المصارف بشأن الدولار الآن وسابقًا ومستقبلًا.
وقال المدير العام لدائرة الحوالات الخارجية في البنك المركزي العراقي مازن صباح أحمد إنه لا داعي للقلق على ودائع المواطنين والشركات.
وأضاف أن البنك المركزي العراقي غير ملزم بتسليم الحوالات المصرفية بعملة الدولار وبأمكان صاحب الحوالات سحبها على البطاقة الإلكترونية.
فيما تشهد البلاد إرباكًا كبيرًا في أسعار صرف الدولار نتيجة لتخبط القرار الحكومي مما تسبب بارتفاع الدولار في السوق الموازي وتخطيه حاجز الـ 1600 دينار لكل دولار.

سوق كاسدة والدولار بجيب الشيطان
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى