أخبار الرافدين
محمد الجميلي

الحشد الصليبي على فلسطين

تداعى الغرب كله تبعًا لأمريكا إلى حشد صليبي يستهدف فلسطين وشعبها ومقاومتها، فتحركت البوارج الحربية وحاملات الطائرات واستقبلت مطارات الكيان الصهيوني على عجل الأسلحة الفتاكة بعد ساعات من عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والتي زلزلت الكيان وهزت مكانة جيشه الذي صورته الدعاية الصهيونية بأنه لا يقهر، فإذا به خلال ساعات ينهار أمام مئات من مجاهدي القسام في صولتهم المفاجئة.
منذ خمسة وسبعين عامًا ومن يوم زرع هذا الكيان الغاصب فوق ثرى فلسطين، ومجازر هذا الكيان وجيشه وميليشياته وقطعان مستوطنيه، بحق أصحاب الأرض لا تتوقف، ولم تستثن هذه المجازر أحدًا من الشعب الفلسطيني رجلًا كان أو امرأة، ولا طفلًا أو شيخًا، ومازالت مستوطناته تقضم الأرض عامًا بعد آخر، وانتهاكاته للمقدسات في تزايد ينذر بالخطر، وحروبه المتكررة ضد غزة وشعبها لم توفر شيئًا من بشر أو حجر، حتى أقام جداره العنصري الذي حاصرها وضيق عليها أبشع تضييق.
لقد أكدت ملحمة طوفان الأقصى أن الشعوب الحرة لا يمكن أن تستكين أو تستسلم لاحتلال غاشم مهما طغى وتجبر وارتكب المجازر، وكشفت حقيقة جيش الاحتلال الذي زرعوا في عقول الآخرين أنه لا يقهر، وبينت من جديد وبصورة فاقعة، المعايير المزدوجة لدى الغرب المنافق ومساندته الوقحة والفجة للظلم، ولوحشية الاحتلال ضد شعب يمارس حقه القانوني في مقاومة الاحتلال.
بعد معركة خاسرة خاضها الغرب بكل قوته وسطوته لفرض الشذوذ والمثلية، وتغيير خلق الله، يخوض الغرب اليوم معركة جديدة يريد من خلالها تغيير الحقائق البينات، والقوانين الواضحات الراسخات، التي أجمع عليها بنو البشر وأقرتها مواثيقهم الدولية، من حق الشعوب المحتلة بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح، وها هي ماكيناته الإعلامية تقوم بهذا الدور الخبيث فتصف المقاومة بالإرهاب، وتطير بتصريحات وزير دفاع الكيان الغاصب في وصف الشعب المقاوم بالحيوانات التي لا تستحق الحياة، وتظهر الاحتلال الوحشي بمظهر الحمل الوديع المعتدى عليه، ولم يوفروا في ذلك كذبة أو فرية، بما فيها اتهام المقاومة ببقر بطون الحوامل وقطع رقاب الأطفال، تلك القصة التي تحدث بها كبار المسؤولين بما فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أن يتراجع البيت الأبيض ويؤكد عدم وجود أدلة على ذلك.
هذا الكيان الغاصب الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني قبل إعلان تأسيسه عام 1948م وبعد ذلك، يلقي علينا وبكل وقاحة دروسًا في الإنسانية وحقوق الإنسان، ويظن أن العالم وأهل فلسطين قد نسوا مجزرة دير ياسين وفيها بقرت بطون الحوامل على يد عصاباته، بقيادة مناحيم بيغن زعيم عصابة “الأرغون” الذي أصبح رئيسًا للوزراء لاحقًا، ونال جائزة نوبل للسلام تكريمًا له بصفته رجل سلام، وإسحق شامير زعيم عصابة “شتيرن” رئيس الوزراء أيضا فيما بعد، وقد وصف شاهد عيان المذبحة بقوله إنه “شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه، لقد أتى القتلة بفتاة فلسطينية واغتصبوها بحضور أهلها، ثم بدؤوا تعذيبها وألقوا بها في النار، كما شوهوا جثث الشهداء وبتروا أعضاءهم، وبقروا بطون الحوامل”.
فمن الإرهابي ومن المنتهك لحقوق الإنسان؛ المحتل وعصاباته أم الشعب المقاوم؟!
تريد أمريكا والغرب وربيبتهم “إسرائيل” أن تحرم الشعب الفلسطيني من حقه في الحياة والوجود وتقرير المصير، فبدؤوا بحرب اجتثاث وتدمير بأسلحتهم الفتاكة والوحشية، بحجة القضاء على حماس، وإنما غايتهم إبادة الشعب الفلسطيني، وقتل روح المقاومة فيه، ظنًا منهم أن القوة والوحشية ستطيل من عمر الاحتلال، متوهمين أن وصف المقاومة بالإرهاب ونشر الأكاذيب والافتراءات عنها، سيغير الحق باطلًا، وهل مارس الشعب الفلسطيني غير حقه القانوني في مقاومة الاحتلال، كما تضمّنه ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات لاهاي، إضافة إلى نصّ قرار الجمعية العامة رقم 2649 لسنة 1970م، الذي جاء فيه “إن الجمعية العامة للأمم المتحدة لتؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأي وسيلة في متناولها..”.
وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 بالقرار رقم 3214 حول تعريف العدوان حق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من أجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، وذهب إلى “أن أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
إن أي فعل يبتغي حرمان شعب من حقه في الحياة والمقاومة وتقرير المصير، هو عمل إرهابي مخالف لكل المواثيق والاتفاقيات والقرارات الدولية، حتى وإن قامت به دول تدعي مناصرة حقوق الإنسان، فقد بات واضحًا أي حقوق يناصرونها، بعد أن قمعوا المتظاهرين المنددين بالحرب الوحشية على غزة، وارتفع مستوى السعار العنصري لدى السياسيين والإعلاميين وحتى الفنانين، دون أدنى اعتبار حتى لصورة الديمقراطية والحرية وكرامة الإنسان التي تباهوا بها دهرًا من الزمن.
لقد تحدث الكثير من علماء الأمة وأحرارها عن واجب الوقت الذي ينبغي على كل مسلم ومحب للحق القيام به، لدفع خطر الحرب الوحشية عن الفلسطينيين، وصدرت البيانات والفتاوى من هيئات علمائية وسياسية، منها هيئة علماء المسلمين في العراق، والأزهر الشريف، وعقدت المؤتمرات لتحريض الشعوب المسلمة على تقديم العون والمساعدة، ولكن أغرب المواقف تلك التي صدرت عن الميليشيات الولائية، مع أن محمد الضيف القائد العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام دعاهم بالاسم في أول يوم من أيام معركة طوفان الأقصى، وظن فيهم خيرًا إذ وصفهم بفصائل المقاومة الإسلامية في إيران والعراق واليمن وسوريا ولبنان، وقد قلنا له منذ اليوم الأول أنت كمن يرجو الخير من إبليس، وهاهم مرة يعلنون جهوزيتهم لتحرير فلسطين، ومرة يقولون إذا تدخلت أمريكا فسوف نتدخل، مع أن أمريكا تدخلت منذ اليوم الأول، بل إن طائراتها كما يتوقع المراقبون تشارك طيران الكيان في القصف الوحشي لغزة، ومع أن الضيف دعاهم للمشاركة دون اشتراط للتدخل الأمريكي، ورأينا الموقف الذي يرثى له لحزب الله، والذي عمل بعض الفعاليات هنا وهناك ليستغلها إعلاميًا لتجميل صورته، ولكن الحرب الضروس لا ينفع فيها هذه المشاهد الكوميدية، وربما هي أكثر سخرية من إعلان مقتدى الصدر استعداده لإيصال المياه لغزة.
إن معركة طوفان الأقصى كغزوة العسرة في كشفها للمنافقين، حين سميت سورة التوبة التي نزلت فيها بالفاضحة والكاشفة، وما أشبه أعذار المنافقين في التخلف عن تلك الغزوة بأعذار هذه الميليشيات وتخبطات قادتها، لقد كشف هذا الطوفان حقيقة تلك الميليشيات التي تتظاهر بحب فلسطين والأقصى، ولا أشد فضيحة لهم من هذه التي حصلت، فلم يوجه محمد الضيف الدعوة لهم إلا لعلمه بما ستواجهه المقاومة الفلسطينية من مصاعب وتحديات بعد هذه الغزوة المزلزلة للكيان، وهي المرة الأولى التي يفعلها وأظنها الأخيرة، ولقد أحرجهم الضيف أيما إحراج، ولقد فضحهم الله أيما فضيحة، فما نفع التصريحات الجوفاء في حرب شرسة يقودها الحشد الصليبي بكل قوته ووحشيته، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى