أخبار الرافدين
محمد الجميلي

خطاب حسن نصرالله وطوفان الأقصى

كان خطاب حسن نصر الله يوم الجمعة الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) لما يقرب من ساعة ونصف الساعة بعد حملة الترويج والدعاية الواسعة له من أتباع إيران، خطابًا ذا رسائل متعددة، ولا يهمنا منها إلا رسالة واحدة تلقاها من كان ينتظرها بخيبة أمل كما نقل عنهم، ولعلهم الآن أدركوا أن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة.
‏عندما أرادت كتـائب القسـام أن ترد عدوان الاحتلال على الأقصى، فاجأت العالم كله بعنفوان “طوفان الأقصى”، وأصابت العدو بمقتل، في صولة لم تستغرق سوى ساعات معدودة، ولكن إيران صاحبة فيلق القدس وميليشياتها في المنطقة ترعد وتزبد منذ ما يقرب من شهر، وهي تهدد بدخول الحرب إذا تدخلت أمريكا وكأنها ليست متدخلة، ثم إذا وقع الهجوم البري، وقد وقع، ولكن التهديد تبخر ولم يجد العدو منها خطرًا حقيقيًا إلا مناوشات هنا وهناك لحفظ ماء الوجه وللضحك على ذقون الساذجين، ولرفع الحرج الفاضح هذا، كانت ماكينة حزب الله تبشر بـ”خطاب” زعيم الحزب، لعله يعيد ألقًا فقدوه، أو يحرك تجارة بارت بضاعتها، وإذا به يزيد السوء عليهم سوءًا، ويضاعف الحرج أضعافًا، حتى قال بعض القوم ما كان أغناك وأغنانا عن هذا المأزق الجديد.
لقد مر شهر تقريبًا منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وشعب فلسـطين يستنهض الأمة ويشحذ الهمم، ويستغيث ولا من مغيث، وجيش الاحتلال يفعل الأفاعيل ويرتكب المجازر من غير خوف ولا وجل، حتى جاءه وعدان، أحدهما وعد خطاب زعيم حزب الله الذي أقيمت له المهرجانات، ومعلوم لأي شيء تقام المهرجانات، ونصبت الشاشات الكبيرة في عواصم الدول التي تسيطر عليها إيران، ترقبًا لإطلالة زعيم الحزب ولما سيقول، حتى جاء الموعد فخرجوا من المولد بلا حمص، والوعد الآخر من دول عربية بعقد قمة لزعماء العرب يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، ومعلوم ماذا صنعت القمم السابقة يوم كانت الأمة أفضل حالًا من حالها الكسيف اليوم، حيث التطبيع مع العدو على قدم وساق.
لقد كان معلومًا للجميع إلا لمغفل أو نائم أن ‏الذي يهم إيران ليس القدس ولا حماس ولا غزة فهذه كلها بالنسبة لها أشياء تتاجر بأسمائها من أجل تحقيق أهدافها المعروفة؛ ولكن المهم لها هو حزب الله، ولن تدخل هي وذيولها في المنطقة بما فيهم حزب الله، في مواجهة مفتوحة مع أمريكا والكيان إلا إذا وُجد خطر جدي يهدد وجود الحزب ومستقبله، وهي تراقب مجريات الحرب، وكذلك مليشياتها تفعل، ويزيدون حدة مناوشاتهم في مشاغلة الكيان أو يقللونها وفق هذا المعيار.
إن قول حسن نصر الله عن تعليق دخول مليشياته الحرب المفتوحة مع الكيان على أمرين؛ أحدهما تطورات الحرب على غزة؛ استغفال واستخفاف وسخف، فأي شيء ينتظر من تطورات بعد أن وصلت الدماء للركب، وبعد أن قصفت المساجد والكنائس والمدارس ومواكب النازحين وسيارات الإسعاف والمستشفيات، ماذا ينتظر من تطورات بعد أن أصبحت المجازر عملًا ممنهجًا لطيران الاحتلال الصهيوني وحلفائه في الحشد الصليبي؟ لقد ألقي على غزة ما يعادل قنبلتين نوويتين كالتي ألقتها أمريكا على هيروشيما، فأي تطورات ينتظر، والشهداء أكثر من عشرة آلاف إنسان ثلثهم من الأطفال، والمصابون وأغلب إصاباتهم خطيرة بلغوا عشرات الآلاف حتى الآن؟ ومن المضحكات السخيفات توزيع حسن نصر الله أوسمة الشكر لإخوانه من الميليشيات في اليمن والعراق على ما عدّه مشاركة لهم في الحرب الدائرة في غزة المنكوبة، ومن التزييف المتعمد تسميته لميليشيات القتل في العراق بفصائل المقاومة الإسلامية، وهي التي حمت ظهر الاحتلال الأمريكي أثناء غزو العراق، وهي التي اشتركت مع قوات الاحتلال الأمريكي في ملاحقة أبطال المقاومة العراقية، قبل أن يتم تشكيل الحشد الشعبي رسميًا، يوم كانت عناصرها القوام الرئيسي لما سمي بقوات حفظ النظام، والشرطة الاتحادية، وأغلب عناصرها من ميليشيا بدر أو فيلق بدر كما كان يعرف عند تأسيسه في إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، ثم استمرت الملاحقة بعد أن تأسست نسخة الحرس الثوري الإيراني في العراق، والتي سميت بالحشد الشعبي، فأنجزت مهمتها بتدمير كل المحافظات والمدن السنية التي كانت تسمى مثلث الموت، والحقيقة أنها مثلثات وليست مثلثًا واحدًا فحسب، تحت ذريعة محاربة الإرهاب الداعشي، فقتل من بقي من أبطال المقاومة أو زج بهم في السجون، ومن كتبت له نجاة فر بدينه وروحه وترك بيته ومراتع صباه ليعيش حياة الغربة المؤلمة.
وهاي هي اليوم تدعي لنفسها مقاومة الاحتلال، بعد أن أجهزت على المقاومة ورجالها الأحرار الشرفاء، وخربت كل مدينة قاتلت الاحتلال الأمريكي، وهجرت أهلها إلى مخيمات النزوح، بالسلاح الأمريكي والتدريب الأمريكي والغربي، وبالغطاء الجوي الأمريكي والغربي والعربي الذي سموه التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
إن هذه الميليشيات التي سماها حسن نصر الله زورًا فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، أصبحت بفضل أمريكا وإيران هي الحاكمة الفعلية للعراق وهي التي نصبت السوداني رئيسًا للوزراء، بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، وهي الدولة كما قال أبو فدك رئيس أركان “الحشد الشعبي” قبل يوم من خطاب نصرالله، وهو يعني أنهم لن يجازفوا بهذه المكتسبات التي ينعمون بها، والمليارات التي ما كانوا يحلمون بها، ليغامروا بمواجهة مع أمريكا والكيان الصهيونى فتضيع فرصة العمر التأريخية لهم بحكم العراق والتنعم بخيراته.
إن الرسالة الوحيدة المهة في خطاب حسن نصرالله، أنه لن يدخل في حرب مفتوحة مع الكيان الصهيوني نصرة لحماس وللشعب الفلسطيني في غزة، إلا إذا تأكد أن الكيان سيقضي على حماس وعلى كتائب القسام -لا سمح الله- وعندها سيكون الدور عليه لا محالة، وإذا شن الكيان أو أمريكا عليه الحرب اليوم أو غدًا فسيدخل الحرب دفاعًا عن وجوده وعن مصالح إيران الكبرى في المنطقة وليس دفاعًا عن الأقصى أو فلسطين أو حماس، وسيستخدم كل ما بحوزته من أسلحة، وهي ترسانة ضخمة لم يؤثر فيها ما خرج منها إلى سوريا في حربه ضد ثورة الشعب السوري، فما يزال بجعبته الكثير من السلاح الإيراني، بما فيها ما قال إنهم أعدوها لحاملة الطائرات الأمريكية قبالة السواحل اللبنانية، وما عدا ذلك ستبقى حرب العامود هي عنوان المرحلة لحزب الله لحفظ ماء الوجه، مع وجود تساؤل منطقي؛ أن من فشل في إسقاط العامود رغم القصف المتكرر، فكيف سيغرق البوارج الحربية في الأبيض المتوسط؟!
إن الامتحان الشديد والابتلاء العظيم لغزة وأهلها، واستفراد الكيان الصهيوني والحشد الصليبي المعلن بمقاومة الشعب الفلسطيني في غزة خصوصًا وفلسطين عمومًا، يأتي في ظل مرحلة زمنية غاية في السوء، فلا ما يسمى زورًا محور المقاومة من إيران وذيولها جلب لهم نفعًا أو دفع عنهم ضرًا، ولا دول وحكومات العرب بجيوشها وملياراتها وبترولها قدمت لهم سندًا أو كانت لهم عونًا ونصيرًا كما تقتضي شهامة العرب ونخوتهم وحقوق القربى والرحم والدم، بل إن الأنكى والأدهى من ذلك أن معظمهم مطبعون علانية مع العدو، وأن منهم من يساند العدوان ويدعم الكيان ويستجلب غضب الديّان.
ولم يعد يعني الشعوب المقهورة شيء اسمه قمة عربية أو إسلامية فهي قمم افتراضية في حقيقتها، ولا أمل في نصرة الحق الفلسطيني ورد عدوان الاحتلال إلا بالمقاومة التي تذيق الاحتلال مر العلقم، وإلا بالصمود الأسطوري للشعب المنكوب، وبتضامن الأحرار في العالم ضد الهمجية والوحشية للاحتلال وجيشه، حتى يأذن الله بإنجاز وعده الذي لن يخلف، على يد طائفة من الأمة على الحق ظاهرين، ولعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وحتى يأتي وعد الآخرة ويجهر أهل الحق الحمد لله صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى