أخبار الرافدين
طلعت رميح

تحرير غلاف غزة وتهديد ديمونا

أثبتت المقاومة الفلسطينية عبر معركة طوفان الأقصى، أن خط المقاومة وإستراتيجياته، هو القادر وليس غيره على إنهاء الاحتلال الصهيوني وتفكيك كيان دولته. ليتأكد مجددا الدرس الإنساني العام عبر كل العصور، بأن خط المقاومة الشعبية قادر على إنهاء كل احتلال أيا كان نوعه أو درجة قوته.
والنتيجة الكلية لمعركة طوفان الأقصى، أن كل جيش احتلال مهما تسلح بأعتى تكنولوجيات القتل والإبادة، ومهما كان عدده ونوعية تدريب كادره الأمني والاستخباري والعسكري، ليس بقادر على الحفاظ على كيان وسلطة الاحتلال مهما طال أمد بقائها. وإن مثل هذا الجيش لا يستطيع فرض وقائع استمرار وجود سكان غرباء في أرض شعب آخر، إذ يذهب كل ما فعله أو حققه هباءً منثورًا في لحظات وعلى غير توقع.
لقد اجتاح طوفان الأقصى الكيان الصهيوني، جيشًا وحكومة ونخبًا، وأغرقهم في الفشل ووصل بهم حافة الانهيار، ووضع خطًا فاصلًا أمام السكان المحتلين –المستوطنين- بشأن استمرار بقائهم تحت القصف والموت أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.
كان طوفانًا بحريًا وجويًا وبريًا، تهاوت وتبددت معه قدرات الجيش الإسرائيلي على السيطرة والوجود في محيط غزة، بما فتح مساحة واسعة لتطوير الهجوم وتهديد انتظام أجهزة الكيان وقدرتها على المواجهة. وهو ما دفع الدول الغربية للمسارعة بالحضور العسكري والديبلوماسي والإعلامي، لإنقاذ الكيان الفاقد للتماسك والقدرة على البقاء. وهو حضور أسقط أقنعة الدول الغربية وأظهر أنها تخوض حربًا دينية، كما قال ذلك بوضوح السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام.
أمريكا حضرت بحاملة الطائرات الأقوى لديها ومعها مجموعتها الضاربة، وأقامت جسرًا جويًا لإمداد الجيش الصهيوني بالسلاح والذخيرة.
وبريطانيا أرسلت سفينتين من البحرية الملكية و3 طائرات هليوكبتر. وألمانيا أعلنت عن منح تصريح للجيش الصهيوني باستخدام طائرات مسيرة مملوكه لها.
لقد تغير كل شيء.
كان الجيش الصهيوني بنى خططه على أن بإمكانه أن يظل يوجه ضربات قتل وإرهاب وتدمير في غزه –المحاصرة برًا وبحرًا وجوًا- بين مرحلة وأخرى، لتحجيم حالة المقاومة ووضعها تحت السيطرة الإستراتيجية.
وكانت الحكومة الصهيونية تصورت أنها لن تواجه فصائل فلسطينية موحدة قادرة على قتالها، بعدما نجحت في زرع الفتن بين القوى والفصائل الفلسطينية في الضفة وغزة، بما يغرق غزة بصراعات داخلية تجهض قدرتها على المقاومة.
وكان المستوطنون الأشد تطرفًا، قد تصوروا -خاصة بعد سيطرتهم على السلطة في الكيان- أن بإمكانهم أن يصعدوا، فيقتلوا من شاءوا ويحتلوا ما شاءوا من الأرض، وأن لحظة السيطرة واحتلال الأقصى المبارك، قد حانت.
والأصل في كل تلك التصورات، أنها بنيت على دور القدرات المادية في تحقيق النجاح، من قدرة السلاح والتكنولوجيا إلى قوة النيران إلى قدرة أجهزة المراقبة، دون إدراك أن العقيدة والتمسك بالأرض والمقاومة، قادرة على صناعة النصر حتى مع الضعف المادي.
فكانت الضربة الهائلة التي أطاحت بكل تلك الخطط والتصورات وأفقدت الكيان تماسكه ولاحت بشائر انهياره.
كانت الصدمة إلى درجة الإذلال.
انهار السور الذي يحاصر غزة، فلم تفعل كاميرات المراقبة فائقة الدقة ولا أسلحة الرد الأوتوماتيكي شيئًا. وبسقوط وانهيار دور كل تلك المعدات، بات الصهاينة في مواجهة الحقيقة.
لا أسوار تحمي محتلا من مطاردة صاحب الأرض.
وتبخرت الفرقة الصهيونية التي تحيط قواعدها غزة من جميع الاتجاهات عبر 11 موقعًا، ووقع قادتها وضباطها وجنودها قتلى أو أسرى ومن بقي هرب. وبات الصهاينة في مواجهة حقيقة، أن لا جيش احتلال قادر على حماية مجتمع قائم على سرقة أرض وطرد شعب.
مثل هذا الجيش يهزم المرة تلو الأخرى، وحتما ينهار.
وأصبحت مستوطنات محيط غزة خاوية، ووصلت صواريخ المقاومة إلى حيث أراد المقاومون القصف من عسقلان إلى تل أبيب إلى حيفا، فأصبح كل سكان الكيان تحت الأرض لا فوقها.
لقد عاد أحفاد الأجداد الذين هجروا تحت ضغط المذابح التي ارتكبتها عصابات الصهاينة في حرب عام 48، بجيش لا يزيد عدده عن الألف مقاتل فقط، ليعيدوا الكيان إلى كل ملامح حرب عام 48. وقد شاهد العالم برمته، كيف سار أبطال غزة على أقدامهم ليقتحموا ويقتلوا ويأسروا المحتلين. وإذا كانت غزة هي أول بقعة يتم طرد قوات الاحتلال منها عبر المقاومة، فقد تمكن مقاتلوها من القتال على مساحة 600 كيلو متر مربع في محيط غزة، وبذلك لن يكون للمستوطنين فرصه للبقاء في محيطها. محيط غزة بات في حكم المحرر.
لكن أخطر ما جرى، هو وصول مقاومة غزة على مقربة من الالتحام بجغرافيا الضفة الغربية، بما يوحد الكتلتين السكانيتين ويقسم جغرافيا الكيان وينهي تكوينه الحالي. كما أفقدت مقاومة غزة الكيان الصهيوني ملامح السيادة التي يدعيها على الأرض وفي الجو ومن البحر. وصارت التساؤلات تترى: ماذا لو وصل المقاومون إلى مفاعل ديمونا ليس بصواريخهم فقط بل بقتالهم أيضا؟
وإذ يقصف الاحتلال ويقتل ويدمر في غزه الآن، بتلك الوحشية، وإذ تتقاطر الجيوش الغربية لمساندته في ارتكاب أبشع الجرائم، فذلك لأن الصدمة والإذلال أرعبهم.
لكن، المستقبل تصنعه المقاومة وما ينطبق على جيش الصهاينة ينطبق على الجيوش الوافدة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى