أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

انخفاض أسعار النفط يجعل الاقتصاد العراقي تحت الانفجار

وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني: الانقسام السياسي العميق وتأثر العراق بالتوترات الجيوسياسية والضغوط الاجتماعية المتزايدة الناجمة عن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وعدم كفاية فرص الحصول على الخدمات الأساسية، عوامل تعرض البلاد لمخاطر الصدمات الاقتصادية.

بغداد ــ الرافدين
حذرت تقارير دولية ومحلية من استمرار السلطات الحكومية في العراق بانتهاج سياسة الاقتصاد الريعي والاعتماد على الإيرادات النفطية في الموازنة العامة.
وأوضحت التقارير أن تلك السياسات الريعية تجعل العراق تحت رحمة أسعار النفط المتغيرة، لافتة إلى فشل حكومات ما بعد 2003 في إحياء القطاعات التي كانت تشتهر بها البلاد كالصناعة والزراعة.
وأبقت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني على تصنيف العراق دون تغيير عند (Caa1) موضحة أن التصنيف يعكس وضع البلاد الراهن في ظل اعتماده الاقتصادي والمالي والخارجي على قطاع النفط والغاز ما يؤدي إلى انكشاف البلاد بشكل كبير على التقلبات التي قد تحدث في أسعار النفط.
ولفت تقرير الوكالة إلى أن الانقسام السياسي العميق وقابلية العراق للتأثر بالتوترات الجيوسياسية والضغوط الاجتماعية المتزايدة الناجمة عن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وعدم كفاية فرص الحصول على الخدمات الأساسية، كلها عوامل تعرض البلاد لمخاطر الأحداث السياسية.
وأكد التقرير إلى أن العراق لا يزال الأكثر تعرضًا لمخاطر التحول الكربوني نظرًا لهيمنة النفط على الإيرادات الحكومية والصادرات، بالإضافة إلى القدرة المحدودة على التكيف ونتيجة للعقبات المؤسسية والاجتماعية والسياسية التي تعترض الإصلاح.
وتقسم وكالة موديز التصنيفات الائتمانية طويلة الأجل إلى درجات تشمل بشكل رئيسي الدرجات الخاصة بحرف الـ A، وكذلك الدرجات الخاصة بحرف B، وأيضًا حرف الـ C.
ويعد تصنيف (Caa1) لوكالة موديز ضمن درجة المضاربة ويتم الحكم على الالتزامات والديون ضمن التصنيف بأنها ذات وضع ضعيف وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية جدًا.
ونقلت تقارير صحفية عن خبراء في مجال الاقتصاد، أن حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني جعلت موازنة البلاد على سعر نفط افتراضي هو 70 دولارًا، ما يعني أن نزول سعر النفط دون هذا الرقم سيخلق أزمة مالية جديدة.
وتشير موازنة العراق للسنوات 2023-2025 إلى اتجاه توسعي كبير في المالية العامة قد يؤدي إلى استنزاف سريع للعائدات النفطية غير المتوقعة، وبالتالي إلى معاودة الضغوط على المالية العامة.
وحذر تقرير للبنك الدولي بأن هناك ديناميت سينفجر في الاقتصاد العراقي بمجرد انخفاض أسعار النفط، حيث ما زالت القطاعات غير النفطية تعاني من الكساد التام.
وأضاف التقرير أنه على الرغم من تحقق الإيرادات النفطية القياسية غير المتوقع، وإقرار الموازنة المالية فإنه لا زال العراق عرضة لتفويت فرصة المضي قدمًا في تنفيذ الإصلاحات الملحة التي طال انتظارها، والتي تعتبر بالغة الأهمية من أجل تعزيز نمو القطاع الخاص، وتوفير ملايين الوظائف المطلوبة على مدى السنوات العشر القادمة.
وشدد البنك الدولي على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية، مضيفًا أن نموذج التنمية الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط في العراق سيعاني معاناة شديدة، وسينكمش إجمالي الناتج المحلي الكلي بنسبة 1.1 بالمائة في عام 2023 مدفوعًا بانكماش متوقع بنسبة 4.4 بالمائة في إجمالي الناتج المحلي النفطي على ضوء حصص إنتاج منظمة أوبك + المتفق عليها لهذا العام.
وقال جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي “لا يستطيع العراق الاستمرار في الاعتماد على العائدات النفطية غير المتوقعة فحسب للتعافي على المدى القصير. وفي غياب التزام سياسي عال باعتماد وتنفيذ الإصلاحات الضرورية التي دعا إليها العراق منذ وقت طويل، سوف يواجه مخاطر نفاد احتياطاته بوتيرة متسارعة، والعودة إلى المربع الأول في وقت قصير للغاية”.
وتواصل حكومات ما بعد الاحتلال اعتماد النموذج الأسواء في استخدام النفط كمورد للدخل الوطني على عكس معظم الدول النفطية المتقدمة، فالعراق يستخرج النفط ويبيعه في الأسواق العالمية ويصرف الإيرادات على النفقات التشغيلية، وغالبًا ما يتأثر الدخل المتحقق بهبوط وارتفاع أسعار النفط، برغم إنها في الغالب تتجه نحو الهبوط جراء توجه دول العالم المتقدمة والمستهلكة للنفط الى الطاقة المتجددة.
وكشفت وزارة المالية الحالية عن إجمالي الإيرادات المالية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2023 مشيرة إلى أن حجم الإيرادات في موازنة العراق بلغت أكثر من 95 تريليون دينار فيما بلغ معدل الاعتماد النفط في الموازنة أكثر من 95 بالمائة.
فيما حذر خبراء الاقتصاد من هذه الأرقام التي تشير إلى استمرار حكومة الإطار التنسيقي بنهج سابقاتها في الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط مما يضع العراق تحت رحمة أسعار النفط.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور سناء عبد القادر، إن 90 بالمائة من تمويل الموازنات العراقية يعتمد على المداخيل المالية الناتجة من بيع النفط لأن الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي.

الدكتور سناء عبد القادر: البلاد سوف تتعرض إلى الكثير من الصدمات الاقتصادية بسبب استمرار الاعتماد على الإيرادات النفطية

وأضاف في تصريح لقناة “الرافدين” أن البنك المركزي العراقي يضع سياساته اعتمادًا على سياسات الأحزاب التي تدير الدولة.
وأكد على أن البلاد سوف تتعرض إلى الكثير من الصدمات والأزمات الاقتصادية بسبب استمرار الاعتماد على بيع النفط وإهمال القطاعات الإنتاجية والتي يمكن أن تساهم بدعم العملة المحلية.
وقال الخبير بالشأن المالي والاقتصادي العراقي عمر العبيدي، إن أرقام الإيرادات النفطية المعلن عنها من قبل الحكومة تؤكد على استمرار سياسة الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط.
وأكد العبيدي أن العراق بنى موازنة السنوات الحالية والقادمة على سعر نفط افتراضي هو 70 دولارًا، ما يعني أن نزول سعر النفط دون هذا الرقم سيخلق أزمة مالية جديدة قد تصل إلى العجز على تأمين الموازنة التشغيلية التي تبلغ أكثر من 60 بالمائة من الموازنة العامة وهي مرتبات شهرية تصل إلى 7 مليارات دولار شهريًا.
ووصف بقاء قطاعات الصناعة والزراعة في حالة ركود بأنها ضمن سلسلة فشل للحكومات المتعاقبة في إعادة إحياء القطاعين المهمين في البلاد.
ويهدد استمرار الحكومات المتعاقبة في العراق منذ عام 2003 حتى الآن بالاعتماد على النفط كمصدر وحيد للموازنة العامة في وضع البلاد داخل دائرة الخطر والتأثير السلبي بالأزمات العالمية التي تحدث بين الحين والآخر.
وسبق أن حذر البنك الدولي من استمرار اعتماد العراق بشكل كبير على الاقتصاد الريعي تاركًا القطاعات الاقتصادية الأخرى بدون تطوير رغم وجود الوافرات المالية، مبينًا أن السلطات الحكومية في العراق لا تستطيع تطوير هذه القطاعات في الوقت الحالي بسبب استخدام الوفرات المالية بالنفقات التشغلية دون الاستثمارية.
وأصدر صندوق النقد الدولي في مطلع حزيران الماضي بيانًا متشائمًا حول آفاق الاقتصاد العراقي لأسباب تتعلق بانقطاع خط أنابيب نفط كركوك جيهان، بالإضافة إلى تقلبات سوق الصرف الأجنبي في أعقاب تشديد الرقابة على مكافحة غسيل الأموال والرقابة الأمريكية على تهريب العملة الصعبة إلى إيران وتحديد مبيعات البنك المركزي العراقي للعملات الأجنبية.
وقال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في العراق توخير ميرزوف، إن أمراض الاقتصاد العراقي عديدة في بلد يعيش فيه أكثر من خمس سكانه تحت خط الفقر مع صعوبة توفير مصدر يعتمد عليه للطاقة الكهربائية ومياه صالحة للشرب وغياب الخدمات الأساسية.
ولفت إلى أن خريجي الجامعات تواجههم تحديات نقص الفرص الاقتصادية وغالبًا ما يخرجون للشوارع مطالبين بالتغيير.
وأكد على أن كثيرًا من هذه التحديات ناجمة عن انعدام الأمن، إضافة إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة، مشددًا على أن سوء الإدارة قوض الاستخدام الأمثل والفعال لموارد الدولة.
ويعد استمرار العراق بالاعتماد على النفط كمصدر مالي وحيد أمر خطر في مواجهة الأزمات العالمية التي تحدث بين الحين والآخر لتأثر النفط بها، فيما تتجه الحكومات المتعاقبة في كل مرة لتغطية العجز عبر الاستدانة من الخارج او الداخل وهو بذلك يشير إلى عدم القدرة على إدارة أموال الدولة بشكل فعال والعجز عن إيجاد حلول تمويلية بديلة.
وقال المستشار المالي لحكومة الإطار التنسيقي مظهر محمد صالح، أن ما تشهده البلاد اليوم من صراعات سياسية أدت بمجملها إلى تشتيت الموارد الاقتصادية.
وتعطي مؤشرات انخفاض أسعار النفط تحذيرًا مقلقًا للدول المصدرة للنفط والعراق في مقدمتها، مفاده أن مبيعات النفط ستبدأ بالتقلص خلال السنوات القليلة القادمة وبالتالي تراجع أسعاره بشكل تدريجي، وإذا ما استمرت السياسات الحكومية في تجاهل هذا التحذير ومؤشراته القائمة، فإنها أمام خيار لا بديل عنه والمتمثل بإعلان الإفلاس في القريب القادم مالم تذهب نحو تنويع مصادر الدخل واستثمار النفط كمادة أولية للصناعات المحلية بهدف تنميتها والاستفادة منها في كبح جماح فوضى الاستيراد العشوائي.
وعبر خبراء اقتصاديون عن مخاوفهم الفعلية في ظل الواقع الاقتصادي الريعي الذي يعتمد بشكل شبه كلي على إيرادات بيع النفط لتأمين نفقات الدولة مع تداعي وتهالك جزء كبير من البنى التحتية للخدمات العامة والقطاعات الحيوية.
وقال الخبير الاقتصادي محمد الحسني، إن بقاء اقتصاد العراق ريعيًا سيشكل خطرًا على الاقتصاد مستقبلًا، مشيرًا إلى أن أي انهيار بأسعار النفط سيؤدي إفلاس الموازنة العامة.
وأضاف أن دول العالم تتجه حاليًا نحو الطاقة النظيفة والاستغناء عن الوقود، لافتًا إلى أن الدول المتقدمة خصصت ما لا يقل عن 40 بالمائة من الأموال لتمويل مشاريع الطاقة الخضراء.
وأوضح أن الدول المنتجة للنفط أدركت مخاطر ذلك وبدأت بتنويع اقتصادها وقللت اعتمادها على النفط، باستثناء العراق الذي ما زال يرمي بثقله على النفط والغاز بدون تنويع لاقتصاده ولهذا نرى أن السوق العراقية أكبر مستورد للبضائع والسلع وحتى الخضروات من الخارج.
وأجمع الأكاديميون والمراقبون بأن لا وجود لعجلة اقتصادية في العراق بوضعه الحالي، كون ما يجري الآن مجرد عملية بسيطة لإخراج النفط وبيعه وتخصيص الإيرادات كنفقات تشغيلية، وفي حال عجز الإيرادات النفطية للنفقات التشغيلية كما يحصل سنويًا ومنذ عدة أعوام يتم اللجوء الى الاقتراض الداخلي والخارجي، في ظل إهمال الحكومات لقطاع الخدمات الأساسية وعدم الشروع بإطلاق تنمية مستدامة منذ عام 2003 والى يومنا هذا.

بضاعة إيرانية مستوردة واقتصاد عراقي كاسد
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى